مع مطلع شهر أبريل من عام ٢٠٠٢ كان مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية على موعد مع معركة ستٌكرس اسمه في الذاكرة العربية وربما في ذاكرة العالم أجمع.
فالمخيم الصغير الحجم والمساحة والذي لا تتجاوز مساحته ٢٧٢ دونماً والذي تم إنشاؤه عام ١٩٥٣ ليستوعب اللاجئين الذين تدفقوا عليه من مدن مثل حيفا ويافا وغيرها في أعقاب نكبة عام ١٩٤٨ استطاع ان يصمد في وجه هجمة صهيونية شرسة استهدفت استئصال المقاومة الفلسطينية في الضفة بشكل تام.
مخيم الصمود والبطولة
كانت الهجمة الصهيونية التي بدأت في التاسع والعشرين من مارس عام ٢٠٠٢ وتمكنت من إعادة احتلال رام الله وبيت لحم وغيرها من مدن الضفة وفرض حصار على القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقاطعته في رام الله قد وصلت الى مشارف مخيم جنين في الثاني من أبريل.
كان العدو يدرك تماماً مدى أهمية ودلالة جنين ومخيمها٫ اذ يعرف الصهاينة أن حركة الشيخ المجاهد عز الدين القسام قد انطلقت من احراش يعبد القريبة من جنين وان المخيم لعب دوراً بارزاً في انتفاضة الحجارة عام ١٩٨٧ وفي الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام ٢٠٠٠ كان العدو يشير في إعلامه الى مخيم جنين باعتباره مصنعاً للقنابل البشرية حيث خرج من المخيم ٢٣ شاباً نفذوا عمليات تفجير في الداخل الفلسطيني المحتل عام ١٩٤٨ ولذا كان سحق المخيم باعتباره كيانا لمقاومه الاحتلال أولوية لقيادة العدو العسكرية.
في المقابل٫ كان المقاومون في أروقة المخيم يدركون تماماً هدف العدو ولذلك سارعوا بتوحيد الفصائل وتشكيل قيادة ميدانية للمعركه المقبلة.
كان فارق القوة واضحاً لكل ذي بصيرة٫ فالصهاينه يدفعون بمدرعاتهم إلى المخيم وتحلق مروحياتهم في سمائه ناهيك عن حشد عشرين ألف جندي من قوات الاحتياط٫ في حين كان داخل المخيم بضع مئات من المقاومين مسلحين بأسلحة خفيفة مثل الرشاشات ومدافع “آر بي جي” وبعض قذائف الهاون.
الا ان المقاتلين استطاعوا تعويض هذا الفارق من خلال الاعتماد على العبوات الناسفة والألغام وتمكن الشهيد محمود الطوالبه٫ أحد قادة حركة “الجهاد” الفلسطينية في المخيم٫ من إبداع أشكال شتى لتلغيم طرقات المخيم في وجه جنود العدو شملت تفخيخ أعمدة الكهرباء والسيارات بل وبيوتاً باكملها.
نتيجة لكل هذا٫ اخفق العدو في اقتحام المخيم لثمانية ايام كاملة وتكبد خسائر فادحة في صفوف جنوده وصلت في احد الايام الى حد مقتل ١٣ جندياً صهيونياً في كمين واحد بفضل الألغام التي زرعها المقاومون.
وأمام هذا الفشل المتكرر اضطر رئيس الأركان الصهيوني شاؤول موفاز إلى عزل قائد اللواء المكلف باقتحام المخيم وان يقود المعركة بنفسه.
الا ان المعركة استمرت ولم يتمكن العدو من دخول المخيم الا بعد ان نفذت ذخيرة المقاومين٫ وحتى حينها لم يستسلم المقاتلون الذين صمدوا ثمانية ايام بل اشتبك بعضهم بالسلاح الابيض مع العدو وعمد بعضهم الى تلغيم جسده مستهدفا مدرعات العدو وجنوده.
مجزرة تفوق الوصف
لم يستطع العدو أن ينال ممن أذلوه لأيام فأفرغ حقده في المخيم وارتكب مجزرة قال عنها مندوب الأمين العام للأمم المتحدة تيري لارسن “انها تفوق الخيال والوصف” وقال عنها صحفي فرنسي من شهود العيان بأن جنين باتت تشبه برلين عام ١٩٤٥.
حاول العدو مداراة إخفاقه بارتكاب مجزرة٫ الا ان الحقيقه ابت الا ان تظهر ولو بعد سنوات٫ ففي عام ٢٠١٤ وفي حوار مع موقع “والا” العبري اعترف موفاز بان “لحظات القتال داخل جنين وخاصة داخل مخيم جنين كانت لحظات غاية في القسوة والصعوبة” كما اقر ان جنوده واجهوا “حرباً حقيقيه” في المخيم.
وتبقى معركة مخيم جنين رغم كل ما ارتكبه العدو من جرائم٫ نموذجاً لما تستطيع حفنة من مقاتلين ان تحققه حين تؤمن بوطنها وعدالة قضيتها.
المصادر:
https://paltoday.ps/ar/post/195911/
https://www.palinfo.com/news/2021/4/5/19
كتاب “ملحمة جنين” -تحرير: عبد القادر ياسين- مركز الإعلام العربي- مصر- ٢٠٠٢.