هذان كتابان نشرا منذ حوالي ثلاثين سنة للدكتور محمود عمارة. ورغم مضي السنين لا يزال ما كتبه يستحق الاهتمام والتفكير فضلا عن متعة القراءة. الكتابان نتاج لواقع وخبرة حياة لم يتغير كثير من مظاهرها وقضاياها. بل تلح علينا قضاياها كل يوم. اندهش جدا أنه رغم ما كتبه ورغم مقالاته التي كانت لسنوات طويلة بجريدة المصري اليوم لا تزال هذه القضايا قائمة.
أيام في لندن
الكتاب الأول هو ” أوراق مهاجر” نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب . أكثر من نصف الكتاب عن الرحلة الي أوربا للعمل فيها في النصف الأول من السبعينيات. في ذلك الوقت كان بعض طلاب الجامعة في الإجازة الصيفية يسافرون للعمل المؤقت في بلاد مثل انجلترا وفرنسا. هنا رحلته وهو طالب لم ينته بعد من الدراسة في كلية الحقوق مع مجموعة من زملائه إلي لندن بانجلترا ثم فرنسا. بدأ ذلك عام 1973 . كان السفر حلما لهم وللكثيرين. وهنا تصبح اللغة الأدبية رائعة في وصفها للرحلة وتشبيهاتها ومشاعرهم التي هي بين الأمل والقلق . القلق الذي يجعل قلوبهم لا تزال مهشمة رغم وصول الطائرة لسماء لندن وبداية نزولها في المطار. حين وجدوا عملا بعد أيام في غسيل الصحون والأكواب وغيرها في أحد المطاعم تغير فيه لون أياديهم بسبب غسيل أكثر من ألف طبق في اليوم فضلا عن المياه الساخنة والصابون الانجليزي الحارق. بعد أن صار مع كل منهم ستة عشر جنيها استرلينيا يغيرون سكنهم من الخيمة التي جلسوا فيها إلي حجرة واحدة لهم – وكانوا أربعة- تبعد خمسة كيلومترات عن حي البيكاديلي الذي يعملون فيه وكانوا يقطعونها سيرا علي الاقدام .
تتغير الأعمال والمكابدات التي يصفها بشكل رائع وتتغير الأحياء وأماكن العمل ويأخذهم الحديث إلي السياسة حين يقابلون إحدي اليهوديات وغير ذلك. يتحدث بعضهم عن مشروعاته وآماله بشكل تري فيه الجميع أمامك فهو يصفهم شكلا وطريقة كلام. تحدث حرب اكتوبر وهم هناك وهنا يتغير كل شئ بين التهليل والصراخ الله اكبر بينما أحدهم – مصطفي – يغمي عليه بعد أن صرخ الله اكبر. بعد أن يُفيقوه يقص عليهم قصته مع حرب 1967 هو الذي تم تجنيده قبل الحرب وترك الجيش قبل حرب اكتوبر. يحكي كيف لم يحارب وكيف انتهت المعركة قبل أن تبدأ وكان الجيش ضحية ظلم فادح . يأخذهم الحديث إلي السياسة وجمال عبد الناصر . المصريون في الخارج لاينسون بلادهم. يختلفون في تقييم عبد الناصر والسادات لكن صداقتهم لا تنتهي .
حكايات باريسية
يعود محمود عمارة إلي مصر وفي العام التالي بعد أن أنهي دراسته لا يتمكن من الحصول علي فيزا للندن مرة ثانية فيتجه إلي فرنسا وتبدأ قصص أخري ملحمية الطابع. كان ممن معه هذه المرة خالد ابن المخرج صلاح أبو سيف . علاقات وشخصيات كثيرة يتحدث عنها من الناس العاديين والمسؤولين، ورحلة يتقدم فيها من العمل عند الغير إلي استئجار محل إلي شراء محل ثم أكثر الي التجارة إلي جانب ذلك مما لم يذكره ونعرفه مثل رحلته مع الدراسة في السوربون وحصوله علي الدكتوراه في الاقتصاد السياسي . هنا التركيز علي الهجرة والمهاجرين.
هكذا يكبر وسط المعاناة، ويتزوج سيدة من تولوز ويشرح لك ويصف حياة المهاجرين العرب في باريس والأحياء التي يعيشون فيها و المشاكل التي يتعرضون لها ، وكيف أن كل من يعملون لايجدون إلا أعمالا عضلية لا فكر فيها، وكيف أن هذه رؤية الغرب الاستعماري للعرب. أعمال عضلية من نوع البناء والحفر وجمع القمامة حتي باتت حكرا عليهم لا ينافسهم فيها سوي بعض البرتغاليين والأفارقة. يطوف بك في أحياء وشوارع باريس ويتوقف عند كثير منها مثل الشانزليزيه ويتحدث عن عظمة المترو الفرنسي وغيره من مظاهر الحضارة. ينتقلون للعمل في الحقول لجمع العنب والبرقوق والخوخ وغيره.
وتعود الحوارات عن مصر دائما بينهم، خالد أو بكري أو حسين وغيرهم. يحدثك بإسهاب عن شغف الشعب الفرنسي إلي الثقافة والفنون والآداب. التقي صدفة بشخص توقف بسيارته الفيات يسأله عن الطريق إلي أحد الفنادق بالانجليزية، ولأنه كان يسكن بجوار الفندق بالحي الرابع عشر يأخذه السائل في سيارته. يكتشف أنه مصري يعيش في أميركا واسمه الدكتور صلاح جودة الذي رغم عمله بالطب والعيادة فهو صاحب أرض في أميركا يزرعها ويقوم بالتصدير إلي فرنسا وجاء لتسويق منتجاته. يأخذه الحديث عن المصدرين المصريين وكيف لا يلتزمون بمواصفات مايصدرونه فلقد ألصقوا علي البضائع ما يفيد صحة كل شئ، لكن مع أول اختبار في المطارات أو الموانئ للمنتجات الزراعية يتم اكتشاف الحقيقة التي تكون عكس المطلوب والمكتوب، فتكون الخسائر والسمعة السيئة. كيف سبقتنا دولة مثل إسرائيل في أشياء كثيرة في الزراعة أو التصدير علي أفضل مايكون. تتسع الأحلام وأن لم يقل ذلك وتصير صداقة بينه وبين الدكتور صلاح جودة ويزوره بدوره في أميركا حيث يعيش في ولاية ميتشيجان.
خمس سنوات من العمل كبرت فيها أعماله وصار لديه أكثر من محل للفواكه في ضواحي باريس ولم يتخل عن واحد ممن ساعدوه أو كانوا معه، وحديث رائع عن المصريين والمطاعم فلقد صاروا ملوك البيتزا سواء في مطاعمهم او في المطاعم التي يعملون فيها. لقد أسس الجالية المصرية في فرنسا وصار رئيسا لها ومستوردا ومصدرا وصاحب محلات وحسابات في البنوك تدعو إلي احترامه، لكنه لاينسي الحديث عن مشاكل المصريين في مصر وخارجها فيلقي أضواء مهمة عليها من خلال لقاءاته بالمسؤولين من الوزراء وغيرهم ممن يزورون باريس. المشاكل التي تقابل الاستثمار في مصر ومنها وعلي رأسها الروتين والبيروقراطية وكيف يحتاج المستثمر إلي عشرات التوقيعات من جهات عديدة مما يجعله في النهاية ينهي أعماله. يزداد الأمر سوءا حين يكون العمل في استصلاح الأراض في الصحراء فكم هي الموافقات المطلوبة من وزارة الآثار والمحافظة ووزارة الزراعة والمساحة وغيرها كثير جدا، ولا تتم الأمور بسهولة أبدا، وهكذا كل شيئ موجه ضد الاستثمار.
رغم أن الكتاب تدور أحداثه في زمن السبعينات والثمانينات إلا أن هذه التعقيدات ما زالت مستمرة . يتحدث عن التناقض الموجود بين مجانية التعليم ثم عدم الاستفادة من المتعلمين وتوفير فرص عمل لهم، أو كيف أن مجمل ساعات العمل للمصري وفقا للاحصاءات الدولية هو ساعة في اليوم بينما هو نفسه الذي يعمل ثماني وعشر ساعات في الخارج. كذلك مشاكل المهاجرين مع تصاريح العمل أو الاقامة الشرعية خاصة إذا عرفنا أن الباسبورات التي كانت تقدم للطلاب وقتها كانت صالحة لستة أشهر فقط. كل ذلك تثيره في نفسه وعقله حياة المهاجرين بالخارج. كثير من المسؤولين التقي بهم هناك ووجدهم أيضا لا يقدمون علي حل شئ فالأمور أعقد منهم، بينهم وزراء وسفراء وقناصل. يتلخص الأمر في عبارة “جهاز التعطيل المصري” ويطول الكلام عن التفاصيل التي للأسف لازال الكثير منها مستمرا .
أمريكا للبيع
الكتاب الثاني لمحمود عمارة هو رحلة أخري مليئة بالتشويق والأحلام. يبدأه بما انتهي به الكتاب الأول عن عقم نظام الاستثمار في مصر والمشاكل التي تقابل المستثمرين حتي يتركوا العمل. يفكر بعد فشله في الاستثمار في مديرية التحرير بسبب هذه الإجراءات التي تصل إلي عشرين جهة للموافقة عليها أن يستثمر في أميركا. لقد قضي في فرنسا خمسة عشر عاما وانتهي من دراسته في السوربون وكبرت أعماله. يتصل بالدكتور صلاح جودة الذي لم تنقطع علاقته به والذي يستثمر في الزراعة في أميركا إلي جوار عمله كطبيب. يسأله هل يمكن أن يشاركه. لا تنتهي المكالمة إلا وقد اتفقا علي كل شيئ.
من باريس إلى نيويورك
يأخذ عمارة زوجته وابنهما الصغير الذي كان في السابعة بالطائرة إلي أميركا. إلي نيويورك. هنا يجد دموعا في عيني زوجته التي سبق ووافقت علي السفر بحماس. يعرف إنها دموع الفراق لوطنها ويتذكر حاله حين سافر أول مرة إلي انجلترا . تصل ذكرياته إلي طرافة ارتباكه في ربط حزام الطائرة أول مرة، بينما ابنه الصغير لم يرتبك وقام بذلك كأنه خبير سفر. يقضيان أياما قليلة في نيويورك قبل السفر إلي فلوريدا. يري التناقض بين الفقراء من الأجانب في أول شارع سار فيه التاكسي إلي الفندق بينما كان الشارع الثاني الذي اجتازه بورجوازيا في كل شئ وحديث رائع عن نيويورك يذكرك بأحاديثه عن باريس.
الحقيقة التي تدركها من الكتابة أن محمود عمارة علي ثقافة عظيمة ليس بالاستثمار والسياسة من واقع حياته ودراسته فقط لكن بالآداب والفنون . كيف لايكون كذلك من قضي خمسة عشر عاما في باريس؟ ينعكس ذلك علي لغته في السرد.
لقد وضع خطة لاستمرار أعماله في فرنسا قبل السفر.حديث عن سهولة كل شئ قبل أن يسافر. الفيزا ونظامها وسرعة إنجاز الاجراءات وتحايا من نوع نتمني لك النجاح في بلاد العم سام . لقد قام بتحويل مدخراته في البنوك في مصر أو فرنسا وإخطار الضرائب في غاية السهولة. أمنياته في الحياة علي المحيط في فلوريدا في ساحل النخيل. الحديث يأخذه إلي كتاب صغير تقدمه السفارة الفرنسية لمن يترك فرنسا من الفرنسيين بالخارج وفيه كل شئ يحتاجه الفرنسي وجهات الاتصال في أي مشكلة تواجهه ومن هم المُناط بهم مساعدته. فقد كان يحمل الجنسية الفرنسية. ويذكر كيف أن للمهاجرين عشرة أعضاء معينين في مجلس النواب مهمتهم متابعة أحوالهم وخدمتهم في أي مكان في العالم .
بلد الفرصة الثانية
يبدأ عمارة في الحديث عن الآمال الكبيرة لكل مهاجر وكيف يحقق في أميركا المستحيل فهي بلد الفرصة الثانية بينما بلادنا فرصة واحدة لو ضاعت تضيع كل الفرص . يقدم إليك معلومات مدهشة عن بعض المشاهير. ماكدونالد مثلا الذي صلت مبيعاته عام 1989 إلي عشرين مليار دولار وستصل إلي ثلاثين مليار عام 1990 . شركة واحدة أسسها فرد واحد تحقق أكثر من الدخل القومي المصري. يقارن هذا بافريقيا كلها. حديث رائع مفصل عن المهاجرين وأنواعهم والفرص أمامهم، أو كما قال مارك توين “هنا تأتلف أمة من الأمم” أو كما قال جون كينيدي “المهاجر هو المجتمع” .
حديث طويل عن المهاجرين الفرنسين والإيرلنديين والإنجليز والألمان والبولنديين واليونانيين واليهود وغيرهم بالأرقام عبر تاريخ الولايات المتحدة التي تتسع لا للغريب الموسر فقط لكن للمضطهدين والملونين في كل الأمم والأديان . يدخل في تفاصيل الحياة فالتليفزيون يأخذ منه مساحة كبيرة . محطة السي إن إن وكيف انتشرت في العالم . مائتا محطة تليفزيونية لكن الإعلانات تقطع كل البرامج. يلخص الأمر في أنك لو تملك مائة الف دولار فاستثمر منها خمسة وعشرين ألفا بينما خمسة وسبعين ألفا في الاعلانات وستكسب ماتريد.
قصة طريفة عن شاب مصري اسمه جورج قابله في نيوجرسي المليئة بالمصريين، حكى له جورج كيف هرب إلي أميركا بجواز سفر مزور وتأشيرة مزورة وتم اكتشافه، وكان معه جواز آخر حقيقي لكن تم ترحيله. كيف ذهب إلي أوربا وكيف عاد إلي أميركا في رحلة صعبة مدهشة وصلت به إلي المكسيك وكيف هرب من الحدود. السؤال هو من المسؤول عن هذه الأجيال التي تحب الوطن ولا تجد فرصة فيه وترحل ويكون الرحيل أملا .
ينتقل عمارة إلي فلوريدا ويبدأ سرد ا عن أغنياء العالم وقتها وأولهم سلطان بروناي الذي كان في الثالثة والأربعين ويحكم دولة لايزيد سكانها عن مائتي وثلاثين ألفا وثروته تقدر بمائتي وخمسين مليارا من الدولارات. في قائمة أثرياء العالم لا يجد من مصر إلا عثمان أحمد عثمان وتقول المجلة أنها لم تصل لمعلومات عن أثرياء العالم الثالث لأنهم يخفون كل شئ !. كان الحديث عن أغني مائتي شخص في العالم وكان أغلبهم من أميركا واليابان والمانيا الغربية وانجلترا بالترتيب ، بينما الإسم المصري الوحيد وقتها هو عثمان احمد عثمان الذي قدرت المجلة ثروته بألف وخمسمائة مليون دولار وكان ترتيبه السادس والخمسين بين الأثرياء. كانت ملكة انجلترا هي الثانية بعد سلطان بروناي . يأخذه حديث الأغنياء إلي عائلات شهيرة منهم عائلة كينيدي وتاريخها منذ هاجر الجد الأول من إيرلندا عام 1848 . أبناؤه ثم أحفاده الثلاثة جون وروبرت وإدوارد وكيف قتل جون كينيدي وروبرت كينيدي، الأول حين كان رئيسا والثاني حين قرر خوض الانتخابات الرئاسية، فقررت الأم الحفاظ على الثالث ومنعته من ذلك، فاكتفي أن يكون عضوا بالكونجرس الأمريكي. يلخص حكاية زواج جاكلين كينيدي بعد مقتل زوجها بالمليونير أوناسيس في قولها ” أنا لست إلهة ولاقديسة ولست رمزا. إنني بشر من لحم ودم . سيدة في أجمل سنوات عمري . جميلة ثرية تواقة للمرح والحياة ” ينتقل إلي تاريخ عائلة روتشيلد اليهودية وتطورها من العمل في الروبابكيا حتي صارت أغني أغنياء العالم. يتذكر ذلك كله وهو في الطائرة حتي تنزل به إلي فلوريدا كأنه يمني نفسه بالأمل. يجد في انتظاره بالمطار الدكتور صلاح جودة وتبدأ رحلة الاستثمار في أميركا.
تفاصيل من بلاد العم سام
كل شئ يمر بسهولة وحديث شائق زاخر بالمعلومات عن كيف يتم الاستثمار، وكيف أن كل الطرق مفتوحة وأن البنوك تعطيك ما تريد ما دامت تثق في فهمك وقدراتك، وأن كل الأوراق بعد الشراء للتسجيل أو غيره تتم بسرعة دون أي عقبات ومقارنات طبعا بما يحدث في مصر تؤلمك . وهكذا دخل محمود عمارة سريعا شريكا مع الدكتور صلاح جودة واثين آخرين في مزرعة كبيرة مساحتها ألف فدان. حديث عن فهمه وتعلمه طرق الزراعة بجميع تفاصيلها من مساعد الدكتور صلاح جودة أسامة الشريف المصري الذي يشتهر بإسم سام وحديث أو أحاديث عن الحياة الأمريكية وحريتها التي وراء الفوضي أحيانا في الملابس في المنطقة الريفية والسهرات وغير ذلك ووضع المرأة أمام الرجل الذي يعطيها أكبر من أي حقوق فتبيع وتشتري فيه وعن المناخ في ولاية فلوريدا ومقارنته بغيرها مثل كاليفورنيا. معرفة عميقة بكل شيئ حتي تفاصيل أنواع الموالح وطرق زراعتها ومقارنة ذلك في مصر.
تأخذ الحياة في أميركا مساحة كبيرة وتصل إلي كيف يعيش البواب حياة رفاهية لا يحياها زعيم الحزب الشيوعي في البلد الشيوعي إذا لم يستغل منصبه. الاوكازيونات التي تصل تخفيضاتها إلي سبعين بالمائة والفصال في الأسعار الذي لايوجد مثله في فرنسا وكيف يربي الناس أبناءهم على العمل وهم تلاميذ ليعتمدوا علي أنفسهم في سن الثامنة عشر ولا يكلفون أهلهم شيئا لا في التعليم ولا في الحياة .
يأخذنا عمارة أيضا إلى غرائب الحوادث مثل اللص الذي رفع قضية علي صاحب فيلا لأنه تعثر في حديقتها وكيف لم يضع صاحبها سورا يرشده للابتعاد فأصابه ضرر من التعثر، وكيف حكمت المحكمة له بالتعويض فهو لم يسرق أو لم يعرف أحد أنه كان ينوي أن يسرق رغم أن تاريخه يقول ذلك . البنك الذي رفع قضية علي مستثمر اقترض منه الكثير ولم يرد القرض وأراد البنك أن يوقف أعماله، وحكم القاضي باستمرار الأعمال فكيف حقا يمكن إيقاف أحد عن الاستثمار، ويعطي المقترض الوقت ليرد ديونه. غرائب الناس الذين يتركون ثرواتهم للكلاب أو الخنازير . كيف وأنت تستخرج أوراقك الشخصية يسألونك ما إذا كنت تحب أن تغير اسمك.
أمريكا للبيع بمعني أن لك كل الفرص فيها مهما كنت فقيرا أو مهاجرا ما دمت تريد . لكن الحياة لا تمضي دون آلام. يموت سمير أحد شركائهم في المزرعة ويصاب هو بحصوات في المرارة وينتقل بالطائرة إلي مستشفي في ميتشيجان لإجراء الجراحة. ويعرف وهو هناك أن زوجته في فلوريدا انتقلت إلي المستشفى للولادة وابنه الطفل الصغير وحده في البيت، ويأتيه خبر وفاة أخيه في مصر بالسرطان الذي انتشر في جسمه . تكون لحظات صعبة يبكي فيها بكاء مريرا كما نبكي نحن من تأثير الاحداث وصدق لغته وتصويره . كل شئ في وقت واحد وهو رهين المستشفي. بعد التفاصيل المذهلة. العمل في المزرعة واتساع العالم بالأحلام تجتاح الولاية ليلة تنخفض فيها الحرارة إلي خمس درجات تحت الصفر فتفسد شتلات الأشجار التي زرعوها أو بذروها ويخسرون خسارة كبيرة . ،
تنويعات أخيرة
ويضيف عمارة إلى عمله عملا آخر هو الاستثمار العقاري بشراء أرض وبيعها وهنا حديث آخر عن كيف يكون المكسب مضمونا. حديث رائع مفصل عن مدينة ديزني لاند وفروعها في أميركا وما تفعله في السياحة ومكاسبها بالمليارات، وكيف كان هناك اقتراح منه بها يوما لتكون في مصر تقدم به إلي فاروق حسني وزير الثقافة وقتها ، ووصل الاقتراح إلي حسني مبارك ولم يتم مثل أشياء كثيرة لا تتم بسبب الروتين والبيروقراطية . ينهي الكتاب بعودة إلي باريس كزائر ويراها كسائح هذه المرة رغم أنه يعرفها جيدا وأحاديث عن التغير في المظهر في شارع الشانزليزيه وأحياء مثل الحي اللاتيني وفرساي وغيره وتاريخ وحاضر كل منها وعشرات ممن رآهم من الكتاب والصحفيين المصرين والمسؤولين. خلال ذلك لايفوته الحديث عن العلاقات الفرنسية المصرية منذ الحملة الفرنسية التي كان على رأسها نابليون الذي أتي ومعه فريق من العلماء قدموا الكثير جدا في سنوات قليلة وعصر محمد علي، فتعرف مثلا أن أقدم سفارة لفرنسا في الخارج كانت في مصر في الإسكندرية عام 1832 في عهد محمد علي، وكذلك أقدم مدارس فرنسية في الخارج كانت في مصر. إنه كتاب يعكس خبرة حقيقية بكل ما يتكلم عنه مكتوب بلغة أدبية رغم مافيه من حقائق ساطعة وراءها مفكر وباحث كبير كثيرا ما ينحو نحو الشعر في الصور والتشبيهات، وكثيرا ما يستشهد علي مايقول بكلمات لأدباء وفنانين من العالم العربي والعالم تؤيد حديثه من حيرة أو من حقيقة. لقد قرأت الكتابين في يومين متتالين وهذا نادرا مايحدث لي لكن لغة الدكتور محمود عمارة وحقائقه وأفكاره جعلت كلا من الكتابين يضئ أمامي ويشعلني بالرغبة في الطيران في فضاءات العالم رغم تقدم العمر وكل الصعاب.