فن

خالد النبوي.. سبيكة الوعي والموهبة

كلما تفاقمت أزمة الفن في مصر وتراجع دور الفنان وغرس الشك أنيابه في جسد ثقتنا بقوتنا الناعمة كلما جفت منابع التأثير وجفت شرايين الوجدان وتوقفت أمواج الإبداع كلما حدث هذا كله في أوقات المحنه وارتفع ضجيج التسليع والإسفاف بينما يخفت صوت القيمة وتعاني المواهب الحقيقة من تغييب ربما متعمد في ظل سطوة وهيمنه معايير العلاقات الشخصية والشللية.

 كلما حدث ذلك أطلت عيون  وجوه لتثبت أن مصر بخير وأن فنها رغم ما أصابه من عطب ما يزال حيا ينبض بالصدق ويقوم بدوره حتى وإن تراجع إلا أنه لم يمت.

من بين تلك الوجوه تضئ ملامح “خالد النبوي ” بالوهج المصري والروح المتوهجة بالإبداع والثقة المستندة إلى ثقافة عميقة ووعى كامل بدور الممثل وإدراك شديد لتأثيره المجتمعي والإمساك بتفاصيل الوطن بكل مكوناته

كل هذا وغيره يجعل من “خالد “النبوي ” أحد أهم المواهب الفنية في جيله ليس فقط محليا لكنه استطاع أن يخترق حواجز الجغرافيا ومعوقات اللغة والثقافة ليصل إلى  السينما العالمية.

من هنا كانت البداية

 في 12 ديسمبر من عام 1966 ولد الطفل خالد محمد النبوى بمدينة المنصورة لأسرة متوسطة وهو الاخ أكبر لخمسة أشقاء هم وليد وإيمان وشريف وإيناس ووائل.

التحق بالمعهد العالي للتعاون الزراعي وأثناء دراسته فيه كان ضمن الفريق المسرحي للمعهد وأثناء مشاركته في أحد العروض أمام عدد من كبار الفنانين أعجبوا بأدائه كثيرًا ونصحوه بدراسة التمثيل مما دفعه للالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرج منه عام 1989

كانت بداياته في المسرح حيث شارك  بعد تخرجه في عدد  في عدد من المسرحيات منها “البحر بيضحك ليه” و” الجنزير” و” لعب عيال” و” كفاح طيبة”

بدايات سينمائية

كانت بداية “خالد ” عندما شارك عام 1990 مع المخرج “محمد عبد العزيز ” في فيلم ” ليلة عسل ” مما لفت إليه الأنظار فأسند إليه المخرج الكبير “صلاح أبو سيف ” دور “توفيق ” في  الفيلم الرائع  “المواطن مصري “

ويعتبر هذا العمل هو البداية الحقيقية للنبوي وضعه في مكانة مميزة أهلته إلى محطة فنية استثنائية فى مسيرته عندما وقع إختيار الراحل الكبير “يوسف شاهين ” عليه  للقيام ببطولة فيلم “المهاجر “عام 1994 بعد أن شارك في الفيلم القصير “القاهرة منورة بأهلها “عام 1991

ولايمكننا تناول مسيرة خالد النبوى دون التوقف طويلا أمام شخصية “رام ” في المهاجر  التي  صنعت منه  نجما مختلفا من حيث طريقة الآداء وتلك الثقة الهائلة التي ميزته وهو الشاب الصغير الذي يقف أمام عمالقة كبار ويعمل مع مخرج شديد الاختلاف في عمل أثار جدلا واسعا واستطاع النبوى أن يحصد عن هذا الدور جائزة أفضل ممثل في مهرجان “جوهانسبرج ” عام 1995 كما نال شهادة تقدير من جمعية فن السينما عن نفس الفيلم .

وحول تأثير يوسف شاهين على مسيرته قال النبوى في أحد اللقاءات التلفزيونية ” “يوسف شاهين بالنسبة لي كل حاجة، ولو مفيش المهاجر كان خالد النبوي بقى حاجة تانية في الفهم والطريق وكل حاجة، هو كوّن جزء كبير من العلام الكبير اللي عرفته في الدنيا، وهو كبير الحكاية بتاعتنا دي كلها “

بعد ثلاثة أعوام يعود “يوسف شاهين ” للاستعانة بخالد في رائعة “المصير ” عام 1997 ليؤكد “النبوى ” تميزه ويزداد نضجا ويجسد شخصية “ولى العهد ” ببساطه وعمق ظل يتميز بهما خلال مسيرته حتى الآن .

وتتعدد الأدوار التي قدمها  خالد بعد ذلك منها “إسماعيلية رايح جاي ” عام 1997، و”القتل اللذيذ ” عام 1998و ” فتاة من اسرائيل “عام 1999 و” عمر 2000 عام 2000، و”تايه في أمريكا “عام 2001″ حتى أحدث أعماله ” يوم وليلة ” وفى كل عمل يقدمه يؤكد امتلاكه لموهبة غنيه متعددة الجوانب وتتنوع زوايا تعاطيه للشخصيات التي يقدمها.

نبوءة يوسف شاهين

عندما سئل يوسف شاهين عن خالد قال ” أنه ممثل جاهز للعالمية ” وربما فتحت تلك العبارة خيال النبوى نحو تحقيق هذا الحلم وتلك النبوءة فبدأ فى تأهيل نفسه ليتمكن من الطيران في تلك العوالم ويقترب منها مع بداية عام 2005 عندما تم اختياره للعمل مع المخرج العالمي ” ريد سكوت ” في فيلم مملكة الجنة، وجسد فيه دور أحد الرجال المقربين من صلاح الدين الأيوبي.

وتكون هذه الخطوة هي بداية لخطوات ناجحة فى السينما العالمية ما تزال مستمرة فقد شارك  النبوي في فيلم “دخان بلا نار ” عام 2008 وهو عمل من إنتاج لبناني ناطق بالإنجليزية ويتناول الوضع فى بيروت ما بعد الحرب الأهلية حتى اغتيال رئيس الوزراء   الأسبق رفيق الحريري. وجسد خلاله شخصية ” خالد” المخرج المصري الذي يصور فيلماً عن الحريات المقموعة في العالم العربي وشارك الفيلم وفي مهرجان لندن السينمائي ومهرجان هامبورج السينمائي

وفي عام 2012، قام خالد النبوي  بأول بطولة عالمية له، في فيلم ” المواطن” للمخرج سامي قاضي وتدور أحداثه حول مواطن عربي يصل إلى أمريكا قبل أحداث 11 أيلول بيوم واحد ويرصد العرب في ظل الواقع الجديد. كما جسد شخصية الرئيس الراحل “أنور السادات ” في مسرحية أمريكية تحمل اسم ” كامب ديفيد “

وعبر خالد مرارا عن  تمسكه بالبقاء في مصر وعدم رغبته في الانتقال إلى السينما العالمية بشكل كامل والاكتفاء بما يعرض عليه من أعمال باللغة الإنجليزية باعتباره ممثلا مصريا.

وقد نجح خالد  حتى الآن في تحقيق تواجد مميز بالمقارنة بزملائه من الفنانين المصريين الذين خاضوا تلك التجربة مثل “عمرو واكد ” و”خالد أبو النجا ” وغيرهم

النبوى في الدراما

عبر مسيرة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود انشغل خلالها بالسينما باعتبارها الوسيلة الأكثر بقاء في الذاكرة الفنية إلا أن مشاركات “النبوى ” في الدراما التلفزيونية كان معظمها شديد التميز واستطاع أن يحقق نجاحا كبيرا من خلال مشاركاته المتعددة والتي بدأت مع مسلسل ” صائمون والله أعلم “عام 1987 إلا أن دوره فى “بوابة الحلواني ” بأجزائها الثلاثة والتي بدأت عام 1992 كان بداية حقيقة  له  في الدراما  كممثل متفرد يتمتع بمكانة مهمة.

وفى عام 2001 قدم خالد  شخصية “داوود باشا ” عن رائعة نجيب محفوظ “حديث الصباح والمساء ” ومرورا بعشرات الأعمال فإن محطة “واحة الغروب ” التي قدمها عام 2017 مع المخرجة كاملة أبو ذكرى تعد واحدة من علامات الدراما المصرية وقد استطاع النبوى أن يتفوق على نفسه فى تقديم شخصية ضابط البوليس “محمود عبد الظاهر ” ولعل النص الذي كتبته “مريم نعوم ” لرائعة الروائي بهاء طاهر قد منح الشخصيات غنى وتعددا في زوايا الدراما وساعد النبوى وأبطال المسلسل على التقاط روح الشخصية بشكل متميز.

يمثل “واحة الغروب ” ذروة مرحلة النضج لدى النبوى فقد ساعده العمل على أن يستثير كل ملكاته وخبراته الفنية وتمكن من الانتقال بين انفعالات مركبة ومعقدة دون أي عناء أو ادعاء

وفى عام 2019 يواصل خالد  التفوق من خلال شخصية ” طومان باي ” في مسلسل “ممالك النار ” وهو من إخراج البريطاني ” بيتر ويبر ” ويعد واحدا  من أضخم المسلسلات العربية من حيث الإنتاج.

وتتواصل مسيرة “النبوى ” ويظل الملمح الأهم في تلك المسيرة الفنية الغنية والمميزة أننا أمام فنان يدرك من اللحظة الأولى أهمية دوره في مجتمعه ولا يتوقف عند حدود موهبته المتوهجة بل يمتد إلى أعمق حيث يمزج بين الوعي والموهبة ويجمع بين الثقافة العميقة والأداء الرفيع

 ويؤكد دوما أن مصر بخير وأن بها من يستحقون أن نفخر بهم ونقدمهم كقدوة لأبنائنا ولعل تجربة خالد  المبهرة عندما قام بصناعة وإنتاج إعلان لمواجهة انتشار ظاهرة التحرش “مصر محدش يتحرش بيها ” وأهداه بدون مقابل للقنوات التلفزيونية  تؤكد أننا أمام فنان يعيد إلى الأذهان نموذج الفنان الحقيقي الذى يلعب دورا في تشكيل الوعى الحقيقي وليس ذلك الوعي  الزائف.

خالد النبوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock