رؤى

نوستالجيا رمضان: صوت النقشبندي وأشعار حجاب وفوازير نيللي وشريهان

“ومنين بييجى الشجن … من اختلاف الزمن ” هذا المقطع للشاعر سيد حجاب من تتر مسلسل “ليالي الحلمية ” أحد أيقونات الدراما الرمضانية والذي  كان يتابعه الملايين في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في مصر والوطن العربي

تعبير” سيد حجاب ” عن مصدر الشجن والحنين في مقدمته الرائعة يفتح  الباب لذلك الحنين الجارف  لأجيال عاصرت وتفاعلت مع شاشة التلفزيون خلال الشهر الكريم وتكون وعيهم وتشكل وجدانهم عبر أعمال فنيه ساهمت في صناعة مكانة الفن المصري عربيا

في كل عام يستعيد جيل الثمانينيات والتسعينيات تلك التفاصيل التي عايشوها خلال مراحل الطفولة والصبا وبداية الشباب الأمر الذي  جعل قناة “ماسبيرو زمان ” تحقق مشاهدة عالية خلال الأعوام القليلة الماضية بسبب عرضها للأعمال الفنية التي قدمها التلفزيون خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين.

ورغم التطور التكنولوجي الهائل والمذهل الذي شهده التلفزيون وما تبعه من قدرة فائقة على الإبهار والتنوع إلا أن تلك الأجيال التي يجرفها الحنين كل عام نحو الماضي تمسك بالريموت بحثا عن إحدى حلقات “بوجى وطمطم ” أو ” فوازير نيلي ” أو “شريهان ” وانتظارا لمسلسلات الشهد والدموع وليالي الحلمية ورأفت الهجان أو صوت الشيخ النقشبندى وفى وقت السحور تنتظر صوت “سيد مكاوي ” وهو يغنى كلمات الرائع فؤاد حداد في المسحراتى.

كل هذ الحنين

قد يبدو الأمر حنينا لمرحلة من العمر كانت أكثر نقاء وأقل مسؤولية…. مرحلة من الانطلاق والتمرد ومحاولات مستمرة لاكتشاف العالم ….

كان التلفزيون – ربما – هو المصدر الوحيد أو الرئيسي  للمساعدة على اكتشاف ذلك العالم قبل أن ندخل عصر الإنترنت والشبكات العنكبوتية التي جعلت كل شيء بين أطراف أصابعك وكل شيء متاحا بضغطة ذر

هذا الانحياز – الجيلي – يبدو منطقيا وقائما مع كل الأجيال لكن هذه الحالة التي نتحدث عنها من حنين واستحضار دائم لما قدمته شاشة التلفزيون بتلك المرحلة له أسباب أخرى من بينها أن الدراما كانت في عصرها الذهبي وبلغت مستوى من الجودة خاصة على مستوى الكتابة مازال محل إعجاب المشاهدين  بمختلف أعمارهم كما أن ذلك الزحام المربك الذي صارت عليه شاشات التلفزيون قد أحدث تأثيرا على قدرة المتلقي على المتابعة على عكس الماضي.

اضافة إلى غياب عدد كبير من الأشكال الفنية التي كانت محل اهتمام ومتابعة ليتوقف الأمر عند الدراما التلفزيونية التي تستحوذ على الغالبية العظمى من ساعات الإرسال بالإضافة إلى تحول شهر رمضان إلى مناسبة للإعلانات بشكل كبير مما يثير حفيظة  وغضب المشاهد الذي أصبح يتابع حلقة درامية لا تتجاوز مدتها 30 دقيقة فى وقت يزيد عن ساعة ونصف في أحيان كثيرة!

نيللي وشريهان وفطوطة

منذ ان نشأ التلفزيون المصري عام 1960 وفوازير رمضان شيء أساسي على مائدته بأشكال مختلفة إلا أن شهر رمضان 1967 شهد ظهور أول فوازير استعراضية قدمها “ثلاثي أضواء المسرح ” (الضيف أحمد وسمير غانم وجورج سيدهم) ومن إخراج أحمد سالم

وفي عام 1975ا ستعان المخرج “فهمي عبد الحميد ” بالفنانة “نيللي ” لتقديم الفوازير التي تعاقب على كتابتها شعراء كبار منهم صلاح جاهين وعبد السلام أمين وتمثل تجربة نيلي أحد أهم وأنجج الفوازير الرمضانية

وفى عام 1982 ابتكر “فهمي عبد الحميد “شخصية “فطوطة ” التي قدمها سمير غانم

 ثم قدمت الفنانة شريهان فوازير” ألف ليلة وليلة ” التي عرضت حتى 1988ووضعت شريهان في مكانة مميزة بين كل من قدموا هذا الشكل الفني لما امتلكته من قدرات استعراضية

وقد تناوب عدد كبير من الفنانين على تقديم الفوازير من بينهم صابرين، وهالة فؤاد، ويحيي الفخراني وشيرين رضا، ومدحت صالح. ومحمد الحلو وشيرين وجدي

وجيهان نصر ونيللي كريم ونادين ولوسي وياسمين عبد العزيز ومدحت صالح وغادة عبد الرازق ومحمد هنيدي.

ليبقى هذا الشكل الفني حاضرا في أذهان الملايين التي كانت تنتظره كل مساء في ليالي رمضان لأكثر من عشرين سنه متتالية. ويظل أسم كل من “نيللي ” وشريهان ” هما أروع من قدم هذا الفن وأكثرهم ابداعا.

بوجي وطمطم وبكار

فى عام 1983 ابتكر مخرج ومصمم العرائس الراحل ” رحمي ” شخصيات من روح مصر وأطلق عليها “بوجي وطمطم ” ويقدم أول مسلسل للعرائس في تاريخ التلفزيون المصري منذ عرضه فى موسمه الأول يسكن العمل قلوب ملايين الأطفال ويرتبطون بشخصياته ويتحول “بوجي وطمطم ” إلى طقس رمضاني ثابت لا يقل أهمية عن الكنافة وأطباق الخشاف لدى الصغار والكبار واستمر عرضه 18 عاما متتالياً، وشارك فيه نخبة من الممثلين وفى عام 2001 يقرر “صفوت الشريف ” وزير الإعلام آنذاك وقف المسلسل دون إبداء الأسباب !!

 وفى عام 1988 تطلق المبدعة “منى أبو النصر ” شخصيتها الساحرة “بكار ” هذا الصبي الأسمر الجنوبي الذي يحمل تفاصيل روح مصر وعبقها وحضارتها وتستطيع “منى ” أن تجمع حول عملها فى كل رمضان ملايين المشاهدين من مختلف الأعمار وظل “بكار ” ومازال يمثل نقطة مضيئة فى الأعمال التلفزيونية لعدة اعتبارات أهمها أنه أول مسلسل كرتون مصري خالص كما أنه من حيث المضمون والرسالة يعتبر واحدا من أهم ما قدم للأطفال واستمر حتى وفاتها عام ، واستكمله من بعدها ابنها حتى توقف عرضه في 2007

وفى السياق نفسه  قدم الراحل “فؤاد المهندس ” فوازير “عمو فؤاد ” التي قدمها لمدة عشرة سنوات كما قدم “عبد المنعم مدبولي ” فوازير “جدو عبده “

وكانت تلك الفوازير موجهه للأطفال الذين كانوا يتجمعون حول شاشات التلفزيون فى الثالثة والنصف عصرا لمتابعتها بشغف شديد.

ومن بين الأطباق الرمضانية المميزة فى تلك المرحلة كان مسلسل “ألف ليلة وليلة ” والتي قدمها عشرات النجوم ومن أشهر مواسم هذا المسلسل كان من بطولة “حسين فهمي “و”نجلاء فتحي ” ورغم المحاولات المتعاقبة لتقديمها بوجوه أخرى مثل دلال عبد العزيز وأحمد عبد العزيز وبوسي وماجد المصري إلا أن النجاح الكبير للثنائي الأول قد طغى على كل التجارب اللاحقة لهما

وليمة عامرة

ومع صوت النقشبندى كانت القلوب تسبح فى بحر من الوجد اللا محدود حين كان ينطلق صوته بالتواشيح محملا بكل تراث مصر المتسامح وكأنه صوت جاء من عصر النبوة يضفي  روحانية آسرة على صلاة الفجر التي تمثل في شهر رمضان طقسا جماعيا مختلفا

وقبل أن ينطلق صوت النقشبندى كان “سيد مكاوي ” يرتدى جلبابه حاملا طبلته منبها للسحور عبر كلمات الشاعر الكبير “فؤاد حداد ” ولم يكن المسحراتى مجرد صيحة للتنبه كي نتجمع حول مائدة السحور بل كان دوما مصباحا يضئ على أجمل ما لدينا من تاريخ وأفضل ما نملك من رموز وقيم.

ارتبط رمضان خلال الربع الأخير من القرن العشرين بعدد كبير من البرامج التي نجحت في لم شمل الأسرة حولها ومن بين تلك الأعمال كان “حكاوى القهاوى ” للراحلة “سامية الإتربى ” هذا البرنامج الذي خطف قلوب وعقول المصريين لسنوات طويلة لما تمتع به من تلقائية وبساطة وإلقاء الضوء على البسطاء والناس “العاديين ” بعيدا عن صخب أهل الفن والرياضة – ونجوم المجتمع

كما كان برنامج “حوار صريح جدا ” الذي قدمته “الإعلامية “منى الحسيني ” نقلة مهمة في البرامج الحوارية الجريئة والحيوية.

ويعتبر الراحل “إبراهيم نصر ” وبرنامجه “الكاميرا الخفية ” إحدى  أيقونات رمضان والذي ما يزال يحقق مشاهدات متزايدة رغم مرور الزمن.

عقود مرت على الأجيال التي تشكل وعيها بفضل ما قدمه التلفزيون المصري – المصدر الرئيس في ذلك الوقت – وما يزال الحنين يجرف الروح نحو هذا الزمن

هل لأن ما قدمه الإعلام  كان أكثر صدقا أم لأن الحنين إلى مرحلة الصبا والشباب بكل ما فيهما من شغف وانطلاق ورغبة في المعرفة هو المحرك لهذا الشعور المتنامي يوما بعد يوم.

المؤكد أن كلا الامرين صحيح وأن الصدق والحنين للصبا يدفعان المرء نحو البحث عن مواد تلفزيونية ومسلسلات تحترم عقله وتقدم له قيمة وترفع من وعيه وتغزى روحه ووجدانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock