لنتفق أن طفل اليوم مختلف جدا عنا لظروف عصرة وماواكبه من تقدم تكنولوجي ومعرفي كبير مما يمثل تحديات كبري عند الكتابة له
فلم يعد ذلك الطفل الذي كناه يوما ؛ يصدق أبسط الأشياء وتسعده أقل الأمور إدهاشا طفل اليوم أصبح أكثر انفتاحا على العالم يعيش الحروب والأحلام والمشاكل و يواجهها معنا ؛ لذلك يحتاج إلى لغة خاصة تناسب عقليته وجموح خياله الذى فاقنا بمراحل ؛ من هنا كانت الكتابة للطفل أصعب بكثير من الكتابة للكبير.
وبالنظر إلى كتابات المليحان للطفل نلاحظ أنها تجربة تمتزج فيها القيم مع جانب الضرورات التعليمية محرضا قارءه الصغير على التفكير والتساؤل
وليس أدل على اهتمامه الكبير بالطفل من إصداره مجموعته “الهدية” وطباعته 15٠٠00 نسخة أهداها للطفل مجانا .
ولغة القصص عنده ممتلئة بالمفردات التي تناسب الطفل العربي وهمومه ومشاكله مثل الصحراء والنخيل والجداول والزواحف والصخور والجبال والغنم
كما يظهر عنده جانب الوعظ غير المباشر الذي تتقبله عقلية الطفل بترحاب كبير- وكقصصه القصيرة – لاتخلو كتابته للأطفال من الدلالات والرموز التي يفهمها الكبار ويفسرونها ويحبها الصغار ويفهمونها أيضا.
نرى قيمة الحرية ورموز القمع
في قصة “طارت حمامة ” الطفلة وأخيها مع ابيهما في السوق وعند بائع الطيور استوقفتها الطيور والحيوانات داخل الأقفاص فتساءلت
من أي أرض جاءت؟
وفي أي عش كانت تغرد؟
كيف جاء الطائر إلى هنا ولماذا؟
هل افتقدته أمه وأخوته هناك ؟
لماذا يستورد الناس الطيور؟
وتستمر في تساؤلاتها حتى نصل لحوارها مع الأب ذات يوم بأن الناس كانوا يستوردون الناس ويبيعونهم داخل أقفاص ، فكل شيء للبيع ، ناس ، طيور ، غنم وأشياء أخرى .
نجد أيضًا إشارة لدلالاتى الحرية والقمع
في التناقض بين رعاية الفتاة وأخيها للحمامتين كل حمامة داخل قفص الفتاة تحنو على حمامتها تقدم لها احتياجاتها من طعام وشراب وتلعب معها وتجعلها تطيير وتلهو وفى المساء تعود لبيتها
عكس الأخ الذى يقص ريش حمامته ويمنعها من الطيران لتظل حبيسة القفص حتى تطلق الفتاة سراحها لتلعب بصحبة حمامتها لكنها بعد أن تطير وتلعب معها في المساء تعود الحمامة وحيدة لعشها في حين حلقت حمامة الأخ بعيدا هربا من العودة للآسر.
دعوة للخروج على العادات والتقاليد
تظهر ملامحها في ” قصة الجدول الصغيرة ” الخروج على العادات والتقاليد القديمة التي في ظنه أنها انتهت والدعوة للتواصل والانفتاح على أفق أكثر اتساعا ورحابة من العالم
عند قراءة القصة من الوهلة الأولى نظن أن السرد يأخذنا لعاقبة الخروج عن الجماعة لكن نجده ينحى بنا منحى آخر؛ يترك الجدول الصغير مساره وينفلت إلى الصخور البعيدة حيث يمتد الفضاء غير ملتفت لنداء النهر يبحث عن مسار جديد له، وجد صخور متراكمة التف حولها وتسلل من تحتها حتى مرت من أمامه رأى الكثير من الشجيرات والأعشاب العطشى، ركض نحوها وسقاها ،وجاءت الطيور والعصافير والزواحف، شربت وأكلت ؛ فانشرح الجدول واستقر مكونا بحيرات وسمع ضحكات اصدقاءه الجدد فازدادت سعادته
تحريض الطفل على التفكير
كما في قصة ” الصديقان ” دب الأبيض والقط الأسود ، القصة تحكى عن طبيعة معيشة كل منها وتنعتهما بالصديقين رغم الاختلاف الشديد بينهم ؛ الدب الأبيض يتصف بالكسل، والقط الأسود يمتاز بمهارته وبشرته وطبيعة حياته التي ترمز للعربي ، لكل منهما حياته الجميلة وتسعهما الغابة يلقى كل منهما تحية المساء من مكانه على الآخر ناعتا إياه بصديقي، حتى نصل لنهاية القصة فيحدث نوع من التحول فالدب الكسول أصبح أسود ومايرمز له اللون الأسود هنا من دلالة النفط التي يطمع فيها الغرب فيأخذها
في الصباح يقول الدب الأسود :صباح الخير أيها الصديق، فيرد القط الذى أصبح أبيض كسولا أخذ من الدب الأبيض فقط التكاسل والتخاذل الذي أصبحنا فيه
صباح الخير ياصديقي..
نجد دعوة للأتحاد
كما فى قصة ” قوس المطر” والحكمة التي عبر عنها وفيها دعوة للأتحاد بينا، تمثلت في قصة الألوان التي كانت تتشاجر حتى دعاها حكيم اللألوان لتتحد سويا ، فاتحدوا جميعا في السماء المطيرة ورسموا قوس قزح يتراقص في السماء بألوان كثيرة ومبهجة .
عندما يتحدث جبير المليحان للطفل فهو يحترم عقليته ويحمله قدرا من المسئولية
فهو رجل الغد، والأمل الذي يحدونا في الأجيال الجديدة ففربما يصلحون ما أفسده الكبار بتعاونهم وتوحدهم نرى في قصة ” الشجرة الأم “
كما نعتها الطفل ” ناصر” بطل قصة “حلم ” أنها تتهاوى أمام العاصفة الشديدة وعندما طلب منه المعلم كتابة موضوع تعبير كتب عن حلمة بالشجرة الأم التي تنقذها الأشجار الصغيرة بتعاونهم
“وقالت شجيرة صغيرة: الأشجار مثل الاخوات ويجب أن نساعد أختنا فهوت الشجيرات والنباتات بأغصانها ثم التفتت إلى الشجرة الكبيرة المتوجعة ومدت الشجيرات أغصانها الصغيرة إلى الأعلى كما مدت الأعشاب سيقانها ووريقاتها وأخذت تلتقط رذاذ المطر وتجمعه حيث تجمع جدول يتجه إلى جذور الشجرة فيسقيها وظل العمل طوال الليل وفى الصباح كانت الاغصان المرتوية تشبه أذرع التلاميذ وهم يرفعونها في طابور الصباح مرردين الأناشيد.”
يمتد الخيال في قصة طيور الأسئلة يصحب الكاتب الطفل في رحلة خيالية جميلة صور فيها الأفكار بمثابة عصافير صغيرة تختبىء داخل صناديق أسئلة التلميذات وأثناء الاختبار تخرج من صناديقها تحط على وريقات الإجابة تلتتقط الحروف كما تلتقط الحب وإذا كانت إجابات التلميذات خطأ تنبههن بأى وسيلة كهز القلم أو حك إصبع الفتاة لتقول لها أن تفكر أكثر ثم تطير لمكان كبير ينتظر فيه الاختبار تحط في أذنه إجابات الفتيات التي عبرن عنها بكلمات جميلة. ثم تطير بعدها إلى بيوتهن تساعد الأهل في تجهيز الهدايا
يتحول الخيال إلى الخيال العلمي في قصة ” قرية المريخ ” وفضيلة الصمت والدعوة للتأمل والعمل حيث ” ناصر” الطفل يتخيل نفسه والريح صديقته تحمله إلى المريخ فيرى الماء ألوان وكل لون له طعم فاكهة أو نبات اللون الأحمر طعم الفراولة والأسود طعم الباذنجان ويرى مجلس الحكماء الذين يتأملون في صمت بعد أن أصابهم الصمم وهذا الشرط ليبصبح حكيما، الصمت فضيلة والتأمل والتفكير نعمة ؛ لكن ماذا أفاد مجلس الحكماء وناصرالطفل علم الصغار ذوى الأذان الكبيرة أن يزرعوا البذور بجانب النهر وتنتهي القصة بناصر – ولاحظ تكرار اسم ناصر في أكثر من قصة للكاتب وماله من دلالة – يستيقظ من نومه وهو يقول : كيف للإنسان أن يعرف ماسيفعله الأطفال في المستقبل؟ فهم الرهان الذى نلعب عليه إذا حلمنا بغد أفضل .