رؤى

أصوات تلاوة القرآن: دراسة علمية تعيد الاعتبار لمدرسة القراءة المصرية في مواجهة “الوهابية”

عرض الكتاب: محررو اصوات
الدكتور محمد رياض العشيري
الدكتور محمد رياض العشيري

معظم الدراسات الصوتية تتخذ من أصوات الكلام المنطوق مادة للبحوث فيها، وفي هذا الصدد تمت دراسات صوتية متعددة عن أصوات اللغة العربية الفصحى والأصوات في عدد من اللهجات العربية المعاصرة.

غير أن هناك عددا من الباحثين – في صدارتهم الباحث السويدي يوهان سندبرج (Johan Sundberg) أخذوا يركزون قبل سنوات على الأصوات المغناة أو الأصوات كما تستخدم في الغناء بأنواعه المختلفة.

وكانت بحوثهم التي ركزوا فيها على أداء مُغنِي الأوبرا في الغرب بداية ظهور فرع جديد في علم الأصوات هو ما يعرف الآن بـ”علم الأصوات المغناة (The  Science of Singing sounds)”

وإحدى ميزات كتاب الدكتور محمد رياض العشيري أنه يعد أول دراسة في علم الأصوات العربية المغناة، إذ إن المؤلف يتخذ من أصوات تلاوة القرآن الكريم- في أسلوبيْها المشهورين: التجويد والترتيل كما تؤدى في مصر الآن – مادة لبحثه.

https://www.youtube.com/watch?v=I4LVFmXwRXk

دراسة على مادة حية

والدراسة من أولى الدراسات التي تجرى على مادة حية – وليست مسجلة مسبقا – أداها في المعمل الصوتي بجامعة لندن وسجلها ثلاثة من القراء المحترفين في مصر، هم الشيخ علي حجاج السويسي والشيخ أحمد محمد عامر والشيخ محمد عصفور. ولم تعتمد الدراسة على أي من التسجيلات المتوفرة في الأسواق.

طريقة التسجيل: ولابد من كلمة هنا عن طريقة التسجيل في معامل الأصوات التي تُتبع عادة في مثل تلك الدراسات الصوتية.

الشيخ محمد عصفور والشيخ أحمد عامر
الشيخ محمد عصفور والشيخ أحمد عامر

فعلاوة على ما يتخذ من ترتيبات في جلسات التسجيل تلك مشابهة لما يحدث في تسجيلات الاستوديوهات الإذاعية، يتم تسجيل الصوت بطريقتين: الطريقة العادية التي يستخدم فيها ميكرفون خاص شديد الحساسية يوضع أمام القارئ ويسجل مباشرة على قناة معينة في شريط التسجيل. والطريقة الأخرى لا يسجل فيها الصوت أو الأصوات المنتجة المصاحبة للهواء الخارج من الفم عادة ومن الأنف أحيانا، بل إن ما يسجل هو الصوت الصادر مباشرة من الوترين الصوتيين داخل الحنجرة قبل انتقاله في رحلة الخروج من الحنجرة إلى الحلق ثم الحنك ثم الخروج من الشفتين أو الأنف.

ويتم هذا التسجيل بوضع قطعتين من النحاس موصولتين بسلكين يحملان الصوت إلى جهاز التسجيل فيضعه على قناة مستقلة على شريط التسجيل ذاته. وبذلك يكون الباحث قد حصل على تسجيل شديد النقاء للأصوات الطبيعية كما نسمعها نحن البشر في المادة المسجلة على قناة معينة من الشريط يمكنه الاستماع إليها وقتما شاء وتحليلها عن طريق الكمبيوتر إذا أراد. ويكون قد تمكن أيضا من تسجيل ذبذبات الوترين الصوتيين خلال إنتاج أصوات المادة المسجلة، وذلك لأهمية هذه الذبذبات في التحليل الصوتي الحديث.

https://www.youtube.com/watch?v=gMh9xZQ6LF0

قياس أثر التدريب في إنتاج الأصوات

واتبع الدكتور العشيري في كتابه نهج بحوث علم الأصوات المغناة فاهتم بقياس أثر التدريب أو الدربة في أداء القراء، وهو عنصر شُغل به عدد من الباحثين في بحوثهم عن أصوات الغناء في الأوبرا.  وكان على الدكتور العشيري أن يقارن بين المحترفين من القراء وغير المحترفين ليرى أثر التدريب في طريقة نطق الأصوات خلال التلاوة لدى كل من المجموعتين. ولذلك استعان الباحث – إلى جانب القراء المحترفين الثلاثة – بأربعة من غير المحترفين ممن يتقنون قواعد التلاوة القرآنية لكنهم لا يتخذون التلاوة حرفة لهم ولا يمارسونها في جمهور

مقارنة أسلوب التجويد وأسلوب الترتيل

ولم يكتف الكاتب في بحثه للتلاوة بإجراء الدراسة على أسلوب التجويد فحسب، وهو الأسلوب المشهور الذي نسمعه في الاحتفالات الدينية ومن محطات الإذاعة والتليفزيون، بل قارنه بأسلوب الترتيل الذي يستخدم في الصلاة، مقارنا بين الأسلوبين من حيث نطق الأصوات وصفاتها والسياقات التي يستخدم فيها كل منهما.

أهمية صدور الكتاب في هذا الوقت

لكتاب الدكتور محمد رياض العشيري الذي يدور كله حول تلاوة القرآن الكريم في مصر أهمية خاصة في هذا الوقت الحالي، إذ أنه يصدر في وقت أخذت تتراجع فيه أصوات القراء المصريين حتى داخل مصر ذاتها وهي البلد الذي عُرِف بمدرسته في قراءة القرآن الكريم منذ تاريخ طويل. وامتلأت الأسواق بتسجيلات عدد من القراء غير المصريين (معظمهم من السعودية)، بل راح عدد من أئمة المساجد في مصر يقلدون طريقة هؤلاء القراء غير المصريين في صلواتهم، خاصة صلاة الجمعة. وهذا تراجع ربما قد يكون سببه وهم البعض ممن قضوا وقتا في السعودية أو وقعوا تحت تأثير المدرسة السعودية المتشددة في الفقه، فظنوا – كما يحلو لبعض الفقهاء في الجزيرة العربية أن يشيعوا – أن المدرسة المصرية في التلاوة أو الطريقة المصرية غير شرعية، بل مخالفة للطريقة الشرعية التي ينبغي أن يُقرأ بها القرآن الكريم، لأنها تتخذ من التغني سبيلا في الأداء. وقد لا يدرك هؤلاء أنه حتى القراء السعوديين أو غير المصريين يستخدمون هم أيضا دون أن يدروا بعض الأنماط الموسيقية في قراءتهم.

[[ ولهذا قد يكون صدور كتاب الدكتور العشيري جاء في وقته لأنه يرد الاعتبار بطريقة علمية أكاديمية للمدرسة المصرية في تلاوة القرآن الكريم.]]

فصول الكتاب

المقدمة:

يمهد الكاتب لدراسته بمقدمة يستعرض فيها الدراسات السابقة التي تناولت تلاوة القرآن الكريم ويخلص منها إلى أن معظم هذه الدراسات إما دراسات نظرية تناولت قواعد التجويد ووصف الأصوات العربية فيها مقارنة إياها بما توصل إليه علماء الأصوات المحدثون، وإما دراسات انثروبولوجية اجتماعية تعرضت لدور التلاوة في المجتمع وعلاقة التأثير والتأثر المتبادلة بين القراء وجمهورهم. إلى جانب فئة ثالثة ركزت على البنية الموسيقية في التلاوة واستخدام المقامات الموسيقية المختلفة وتوظيفها في توصيل معاني النص الكريم.

خلفية تاريخية:

وقبل أن ينخرط الكاتب في تحليل الخصائص الصوتية للتلاوة في مصر تعرض في فصل تمهيدي تأريخي للقرآن الكريم باعتباره نصا شفهيا يتلى ويسمع ثم مصحفا مكتوبا مدونا. ثم عالج تاريخ ما عرف فيما بعد بعلم التجويد والمراحل التي مر بها حتى انتهى إلينا علما مكتملا له قواعده. وتناول أيضا تلاوة القرآن الكريم في الماضي وتأثرها بالتراكيب النغمية التي كانت سائدة آنذاك. وختم المؤلف الفصل بالتعرض لطرق تعلم التلاوة في الماضي وتلاوة القرآن في مصر في الماضي.

كتب التجويد وموضوعاتها:

في الفصل الثالث بحث الكاتب أهم الموضوعات التي تعرضت لها كتب علم التجويد مركزا على وصف أصوات اللغة العربية فيها وخصائص تلك الأصوات كما حددها علماء التجويد.

أساليب التلاوة:

وانتقل الكاتب في الفصل الرابع إلى وصف أساليب التلاوة المشهورة في كتب التجويد: التحقيق والحدر والتدوير، ثم الأسلوبين الشائعين الآن: التجويد (المشابه بأسلوب التحقيق في الماضي) والترتيل (المشابه لأسلوب الحدر في الماضي). وقارن المؤلف بين المجالات التي يستخدم فيها أسلوبا التجويد والترتيل في العصر الحالي مركزا على ما بينهما من فروق في: سرعة الأداء والوقف وطوله وظاهرة إعادة بعض الكلمات أو أجزاء الآيات أو الآيات نفسها، وطول ما يسميه المؤلف بالمجموعة النَفَسية (وهي ما يقع بين وقفين خلال القراءة). وكان تحليل الباحث هنا تحليلا دقيقا قاس فيه هذه الفروق الصوتية بين الأسلوبين مستخدما الكمبيوتر ومحصيا في الوقت نفسه عدد مرات ورود تلك الظواهر الصوتية لدى القراء الذين استعان بهم في دراسته.

القراء الذين ساهموا في الدراسة:

وبعد أن مهد الكاتب لموضوع القرآن وتلاوته وكتب تجويده وما تهتم به من موضوعات وأساليب تلاوته بين الماضي والحاضر، قدم لنا  في الفصل الخامس قراء القرآن الذين استعان بهم في دراسته من محترفين وغير محترفين (من خلال المعلومات التي وفرتها له مقابلته مع كل منهم على حدة) متحدثا عن خلفية كل واحد منهم، ثم كيفية إعدادهم وتدريبهم من الناحيتين الدينية (كيف يحفظون القرآن الكريم وكيف يتعلمون قواعد تجويده) والفنية (كيف يتعلمون مبادئ الموسيقى والمقامات الموسيقية). واختتم الفصل بآرائهم في أسلوبيْ التلاوة المستخدمين الآن في مصر وعلاقة قراء القرآن بجمهورهم.

المادة التي أجريت عليها الدراسة:

في الفصل السادس تناول الكاتب المادة التي اعتمدت عليها دراسته والإجراءات العملية (والأجهزة) التي اتبعها واستخدمها في تسجيل المادة وتحليلها. وأوضح المؤلف أن دراسته بنيت أساسا على ثلاث من سور القرآن الكريم هي: الأعلى والغاشية والفجر. وقد أجريت الدراسة الفعلية والتحليل على سورتي الغاشية والفجر، وتعمد الكاتب استبعاد سورة الأعلى التي طلب من قرائه البدء بها خلال جلسة التسجيل إدراكا منه لأهمية عامل التهيئة الصوتية (أو ما يعرف بالتسخين) التي يحتاجها القارئ قبل أن يبلغ مرحلة الاستعداد الصوتي الكامل للإبداع في الأداء. وكان اختيار المؤلف لهاتين السورتين يعتمد على احتوائهما على حالات ممثلة لما يريد التعرض له خلال دراسته من ظواهر صوتية أهمها ظاهرة أصوات المد (التي تمثلها في الأبجدية العربية حروف الألِف (ا) والواو (و) والياء (ي)) والحالات المختلفة التي تُمد فيها هذه الأصوات مدا زائدا عن مدها الطبيعي. وقد طلب المؤلف من كل قارئ قراءة السورتين مرتين: مرة  بأسلوب التجويد ومرة أخرى بأسلوب الترتيل. وخلال هذا الفصل حلل الكاتب السورتين من حيث المعاني التي اشتملت عليها آياتهما وتحدث عن خصائصهما باعتبارهما سورتين مكيتين تتميزان بقصر الآيات وتناسق الفواصل. وأحصى الكاتب المقاطع الصوتية في السورتين بحسب المقاطع القصيرة والمتوسطة والطويلة وتأثير ذلك في التركيب الصوتي في كل سورة.

https://www.youtube.com/watch?v=kHKttFGnI9s

ظاهرتان اختصتهما الدراسة بالبحث المفصل:

في الفصلين السابع والثامن وهما أكبر فصلين في الكتاب يحلل الباحث الظاهرتين الآتيتين على التوالي: طبقات الصوت في أسلوب التجويد ومد الحركات الصوتية الطويلة ((ا)، (و)، (ي)) في التجويد والترتيل.

ولكن لماذا خص الكاتب هاتين الظاهرتين بالتناول والتحليل المفصل؟

لاحظ الكاتب خلال مراجعته لمصادر علم التجويد أن علماء التجويد ركزوا تحليلاتهم على الأصوات العربية المفردة فوصفوا مخارجها وتتبعوا صفاتها، ثم تعرضوا لما قد يعرض لهذه الأصوات من تغير في الصفات بسبب مجاورتها لأصوات أخرى. وكان الاهتمام في هذا الجزء من التحليل في كتب التجويد على الأصوات الصامتة Consonants مثل (ب)، و(ت) و (ث) وهكذا أكثر من اهتمامهم بالأصوات الصائتة أو الحركات Vowels التي تمثلها في الأبجدية العربية الحديثة علامات الضبط أو التشكيل من قبيل الفتحة والضمة والكسرة (وهذه هي الحركات القصار) و (الألف) و(الواو) و(الياء) التي تمثل الحركات الطوال. لكن علماء التجويد تعرضوا أيضا لظاهرة واحدة ترتقي فوق مستوى الصوت المفرد وهي ظاهرة “الوقف والابتداء” التي حددوا فيها الوقف بأنواعه (اللازم أو الواجب والحسن والجائز والممتنع والمكروه، أي متى يجب ومتى يمتنع ومتى يجوز) ومواضعه في القرآن الكريم. وهذه الظاهرة مرتبطة إما بالجمل أو أجزاء الجمل لأن لها علاقة وثيقة بالتراكيب النحوية والمعاني.

وهكذا أغفل علماء التجويد الظواهر الأخرى المهمة في التلاوة مثل التنغيم (الذي يفرق بين أساليب الإخبار والاستفهام والتعجب والنداء)، وطبقات الصوت (مثل القرار والجواب) ودرجة ارتفاع الصوت وانخفاضه وسرعة النطق. ولهذا كان توخي الكاتب لظاهرتيْ طبقات الصوت ومد الحركات الطويلة توخيًا يبرره غياب الأولى في مصادر التجويد والتناول العارض للثانية في تلك المصادر بسبب غلبة الاهتمام بالأصوات الصامتة.

ويقول الباحث إن ظاهرة طبقات الصوت لم يغفلها فقط القدماء مثل علماء التجويد، بل أغفلها أيضا علماء الأصوات اللغوية المحدثون من العرب لأنهم ركزوا في بحوثهم على تحليل الأصوات في الكلام وليس في الغناء أو التلاوة. ولذلك قرر الباحث تناول هذه الظاهرة بالبحث والتحليل في الفصل السابع من كتابه.

أما ظاهرة أصوات المد (أو الحركات الصوتية الطويلة) فقد حظيت – كما يقول الباحث – بالدرس في بحوث عديدة عن اللهجات العربية المعاصرة وبعض الأبحاث التي تعرضت للفصحى. ولكن لم يسبق تحليلها في إطار الغناء أو التلاوة، كما لم يسبق التعرض للمواضع المختلفة التي يؤدي ظهور أصوات المد فيها جنبا إلى جنب بعض الأصوات الأخرى إلى مدها مدا زائدا عن المعتاد. ومن أجل ذلك خصص الكاتب الفصل الثامن من كتابه لبحثها وتحليلها تحليلا مستفيضا.

ظاهرة طبقات الصوت:

خلال تحليل المؤلف لظاهرة طبقات الصوت الذي خاض خلاله في غمار علم الأصوات الأكوستيكي المطبق على الأصوات المغناة مما قد يشق التعرض له هنا بإسهاب، كان عليه أن يتعرض للبحوث السابقة التي أجريت على مغنيي الأوبرا في الغرب لينظر في طرق التحليل التي اتبعوها ليختار أنسبها فيطبقه في دراسته على تلاوة القرآن الكريم.

وتناول الكاتب الفروق بين طبقات الصوت لدى كل من الرجال والنساء.

وبعد بحثه للمادة التي سجلها القراء جميعا محترفين وغير محترفين من أجل معرفة عدد طبقات صوت كل واحد منهم، عرض المادة ذاتها على ثلاثة من الموسيقيين المصريين ممن يتخذون الموسيقى حرفة لهم، وعرض المادة ذاتها أيضا على باحثة إنجليزية كانت تدرس الموسيقى الشرقية. وكان سؤاله لهم جميعا: كم طبقة يمكن إدراكها في تسجيل كل قارئ؟

وخلص الباحث إلى أن القراء المحترفين يستخدمون ثلاث طبقات: طبقة دنيا تعرف في الغناء العربي بطبقة “القرار” وطبقة متوسطة ..ثم طبقة عليا تعرف بطبقة “الجواب”. ولكنه لم يجد تلك الطبقة الأخيرة لدى القراء غير المحترفين. وهذا يدل على سعة القدرة الصوتية لدى المحترفين وفقدانها لدى غيرهم. ويرجع ذلك إلى أن المحترفين من القراء يستطيعون بسبب الدربة والخبرة التي اكتسبوها التحكم في ذبذبة الوترين الصوتيين ليصدرا أصواتا حادة تصنع “الجواب” أو أصواتا رخيمة تصنع “القرار”. ولينتقلا بسلاسة وعذوبة من “قرار” إلى ”جواب” أو من “جواب” إلى “قرار” دون أي “شرخ” في الصوت.

وعقد الباحث في الشق الأخير من هذا الفصل مقارنة بين نتائج الدراسات الغربية التي أجريت على مغنيي الأوبرا والنتائج التي توصل هو إليها في دراسته التي أجريت على قراء القرآن الكريم في مصر. ووجد الباحث أن هناك سمات صوتية مشتركة بين مغنيي الأوبرا المحترفين في الغرب وقراء القرآن المحترفين في مصر (من حيث نطق الأصوات وطريقة إنتاجها خلال الغناء أو التلاوة). وتتضح هذه السمات في قدرة مغني الأوبرا المحترف وكذلك قارئ القرآن المحترف على إسماع فئات جمهوره حتى وإن كانوا في الطرف الآخر البعيد من القاعة. ويتضح هذا بجلاء في صور التحليل الطيفي التي يظهرها برنامج تحليل الأصوات على الكمبيوتر. وبالطبع لا تتوفر هذه القدرة لدى غير المحترفين في كلتا الثقافتين الغربية والعربية.

ظاهرة تطويل أصوات المد:

في الفصل الثامن من الكتاب تناول المؤلف بالتحليل الدقيق ظاهرة المد في القرآن الكريم، وهي مد أصوات الحركات الطويلة مدا زائدا عن المعتاد عند وقوعها في مجاورة بعض الأصوات الأخرى.

في بداية الفصل تعرض الكاتب لما يميز ظاهرة الحركات الطويلة في اللغة العربية، وهي أن طول الحركة (أو الفترة الزمنية التي يستغرقها نطق الحركة) يؤدي إلى تغير المعنى في العربية. فالفرق في المعنى بين (كَتَبَ) و (كَاتَبَ) سببه تطويل الحركة القصيرة (الفتحة) بعد الحرف الأول بحيث تحولت إلى حركة طويلة (ألف المد).

بعد ذلك عرض الكاتب لأنواع المد.- المقصود هنا المواضع المختلفة التي تظهر فيها الحركات الطويلة والأصوات التي تجاورها فيها فيؤدي هذا التجاور إلى مد الحركة الطويلة إما مدا قصيرا أو متوسطا أو طويلا-. وهنا لابد من الإشارة إلى أن ما يميز ظاهرة تطويل أصوات المد من ظاهرة طبقات الصوت أن ثمة قواعد تحكم تطويل أصوات المد ذكرتها كتب التجويد، ولكن علماء التجويد – كما أشرنا سابقا – لم يتعرضوا لموضوع طبقات الصوت. ولذلك كان أحد أهداف المؤلف في الفصل الثامن الخاص بأصوات المد هو بحث إلى أي مدى يلتزم قراء القرآن الكريم في أدائهم بقواعد تطويل أصوات المد التي نصت عليها كتب التجويد.

https://www.youtube.com/watch?v=q7kqjuJlaME

المد قبل الهمزة والصوت المشدد

أهم هذه الأصوات التي تؤثر في طول الحركة الطويلة إذا جاورتها صوتان: الهمزة والصوت المشدد، ويحدث مد الحركة إذا وقعت قبل أي منهما، مثال الأول (سَمَاء)، ومثال الثاني (ضالّ). يُضاف إلى ذلك أي صوت ساكن قبل الوقف، مثل (عادْ).

ورصد المؤلف جميع الكلمات التي استوفت شروط المد في سورتي الغاشية والفجر، ثم قاس أطوال الحركات الطويلة فيها جميعا بالميللي في الثانية باستخدام الكمبيوتر في أسلوب التجويد وأسلوب الترتيل لدى المحترفين وغير المحترفين. وقارن الكاتب نتائج قياسه أولا بالمد الطبيعي للحركات الطويلة ذاتها بعيدا عن الهمزة أو الصوت المشدد أو الصوت الساكن قبل الوقف. ثم قارن نتائجه بما توصل إليه الباحثون من قبل في الدراسات التي تمت على طول الحركات الطويلة في الكلام. وقارن نتائج طول الحركات في أسلوب الترتيل بطولها في أسلوب التجويد. وأخيرا قارن نتائج طول الحركات لدى القراء المحترفين بما وجده عند غير المحترفين.

أهم مميزات الكتاب ونتائجه

الكتاب هو أول دراسة في علم أصوات اللغة العربية المغناة: من بين أسلوبيْ نطق الأصوات المعروفيْن (أسلوب الكلام وأسلوب الغناء)، وتعد دراسة الكاتب أول دراسة لبحث خصائص الأصوات العربية وصفاتها في أسلوب الغناء (إذ إن تلاوة القرآن الكريم كما تؤَدَى اليوم لا يمكن أن تندرج تحت أسلوب الكلام وإنما تحت أسلوب الغناء). وحتى يقارن الكاتب بين خصائص الأصوات وصفاتها في كلا الأسلوبين طلب من القراء الذين استخدمهم في البحث تسجيل فقرة قصيرة باللهجة العامية المصرية بعد تسجيلهم للمادة القرآنية.

مازال هناك مجال لدراسات أخرى: أظهر استعراض الكاتب للدراسات السابقة في موضوع التلاوة أن درس أصوات التلاوة مازال بحاجة إلى المزيد من الدراسات الصوتية التجريبية.

الفروق بين أسلوبي التلاوة: كان من بين ما أكدته دراسة الباحث بالقياس العلمي الدقيق في الفروق بين أسلوبي التلاوة: التجويد والترتيل. وهنا يقول الباحث إن الفروق التي لاحظها الدارسون من قبله وقاسها هو قياسا علميا فيما يتعلق بسرعة الأداء (Tempo) والوقف (Pause) من حيث تكراره ومدته إنما ترجع في الأساس إلى السياق الذي يستخدم فيه كل من الأسلوبين: فالتجويد أسلوب عام يستخدم في الاحتفالات والمناسبات، أما الترتيل فأسلوب خاص يستخدم في الصلوات والتعبد.

جوانب جديدة للقارئ الغربي عن الثقافة العربية: دراسة الدكتور محمد العشيري واحدة من الدراسات القلائل المنشورة في الغرب التي تشرح للقارئ الغربي طريقة تنشئة وإعداد قراء القرآن دينيا من حيث حفظ القرآن الكريم وطريقة كل منهم في مراجعته، وموسيقيا من حيث تعلم أصول النغم والمقامات الموسيقية، والمتون التي ينبغي عليهم دراستها لمعرفة قواعد تجويد القرآن الكريم.

أول دراسة صوتية عن طبقات الأصوات في التلاوة: لعل دراسة الدكتور العشيري أول دراسة تتناول بالدرس العلمي ظاهرة “طبقات الصوت” في التلاوة القرآنية كما تؤدى اليوم في مصر.

طبقات الصوت بين المحترفين وغير المحترفين: وقارن الباحث في تحليله الصوتي للظاهرة بين أداء القراء المحترفين وغير المحترفين. وفي هذا الصدد توصل الباحث إلى أن لدى المحترفين من القراء قدرة صوتية وسعة في الأداء تمكنهم من استخدام ثلاث طبقات صوتية: طبقة القرار (وهي أقل الطبقات حدة من الناحية الصوتية) وطبقة الجواب (وهي أكثر الطبقات حدة صوتيا) والطبقة الطبيعية (وهي طبقة متوسطة تستخدم غالبا في الكلام العادي).

https://www.youtube.com/watch?v=jvkby-7x7wc

طبقات الصوت بين قراء القرآن ومغني الأوبرا: كما قارن أيضا في بحثه للظاهرة طبقات الصوت بين الثقافة العربية ممثلة في تلاوة القرآن كما يؤديها المحترفون والثقافة الغربية ممثلة في الغناء الأوبرالي. وهنا وجد الباحث أن كلا من القراء المحترفين في الثقافة العربية ومغني الأوبرا في الثقافة الغربية يتمتعون بميزة صوتية تظهر في رسوم التحليل الصوتي على الكمبيوتر يفتقر إليها غير المحترفين في الثقافتين. وهذه الميزة – التي تظهر في قدرة القارئ أو المغني على إسماع معظم أفراد الجمهور مهما كان موقعهم في قاعة الحفل – ترجع إلى عنصر التدريب الذي يتوفر لدى المحترفين فقط.

وتوصل الدكتور العشيري أيضا إلى أن طبقة الجواب في التلاوة القرآنية لدى المحترفين – رغم ارتفاع حدتها صوتيا – أقل درجة من حيث عدد الذبذبات من نظيرتها لدى المحترفين من مغني الأوبرا في الغرب. لكن القراء ومغني الأوبرا جميعا يتفقون في طبقة القرار.

نبذة عن المؤلف:

دكتور محمد رياض العشيري

  • عمل محاضرا في علم اللغة بكلية البنات جامعة عين شمس بالقاهرة،
  • وعمل أيضا محاضرا للغة العربية والثقافة العربية بجامعة برمنجهام البريطانية لأكثر من ست سنوات.
  • شارك في عدد من المؤتمرات اللغوية ببعض أبحاثه، ومن بينها:
  • “صوت الجيم في ضوء قواعد تجويد القرآن الكريم
  • “الغنة في تلاوة القرآن الكريم: دراسة صوتية”
  • “القلقلة وتغير الأصوات في اللغة العربية”
  • “بعض الملامح الإنجليزية في اللغة العربية المعاصرة المستخدمة في مجال المعلومات”
  • “أسلمة اللغة في الخطاب الإسلامي المعاصر في مصر”
  • “اتجاهات المصريين نحو اللغة: دراسة في صحيفة الأهرام”

من مؤلفاته:

  • “كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”
  • “Qur’anic Arabic: a Short Introduction”عربية القرآن الكريم: مقدمة مختصرة”
  • “Arabic for Muslim Learners” “اللغة العربية للطلاب المسلمين”

ماذا قالوا عن الكتاب:

البروفيسور بروس إنجم (أستاذ علم اللغة في جامعة لندن) في تقديمه للكتاب:

”كتاب مهم للباحثين في مجال الدراسات العربية ودراسة علم اللغة الذين يرغبون في التعرف أكثر على علم التجويد، هذا العلم المثير الذي لم يحظ في الغرب إلا بقدر ضئيل من الاهتمام“

 البروفيسور يرن نيلسن (أستاذ ورئيس دائرة الدراسات الإسلامية بجامعة كوبنهاجن) قال في عرضه للكتاب:

”قليل من الباحثين تجاوزوا النظرية في مجال دراسات التلاوة القرآنية كما يؤديها القراء المحترفون وغير المحترفين – كما فعل الدكتور العشيري – إلى بحث الجانب العملي للتلاوة كما تؤدى فعلا، رابطين إياه بالتحليل الصوتي الدقيق “

 البروفيسورة لوسي كولارد (الأستاذة بجامعة وستمنيستر) في عرضها للكتاب:

”هذا كتاب جذاب ومليء بالمعلومات وغني من الناحية الثقافية … ورغم أنه كتاب أكاديمي متخصص يبحث جوانب أصوات التلاوة القرآنية كما يؤديها المصريون، فإنه يقدم إلى جانب ذلك الكثير من النواحي الأخرى المهمة

عنوان الكتاب:

عنوان الكتاب الأصلي باللغة الإنجليزية:

‏(Sounds of Qur’anic Recitation in Egypt: a Phonetic Analysis)

عنوان الكتاب باللغة العربية:

“أصوات تلاوة القرآن في مصر: دراسة صوتية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock