رؤى

بالتزامن مع عام “كورونا”: ازداد الأغنياء غنى وازداد الفقراء فقرا.. فانتظروا مزيدا من التطرف

عرض وترجمة: أحمد بركات

تتفاقم حدة التهديدات التي تفرضها الصراعات التي يقودها تنظيما القاعدة والدولة الإسلامي،ة والتنظيمات التابعة لهما، لا سيما في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وفي الآونة الأخيرة ظهرت أمثلة مروعة، كان ابرزها في شمال موزمبيق، وهو ما لفت أخيرا انتباه وسائل الإعلام العالمية للتمرد المستمر منذ أربع سنوات خلت.

ففي شمال موزمبيق، نجحت حركة “الشباب”، التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في اجتياح مدينة بالما في مقاطعة كابو ديلغادو في الهجوم الذي اندلع في 24 مارس الماضي، ما دفع بالآلاف من سكان المنطقة إلى النزوح.

تقع مدينة بالما في الشمال على مسافة 20 كيلومتر من الحدود مع تنزانيا، وهي مدينة كبيرة يقطنها 75 ألف نسمة. وبرغم مساحتها الجغرافية الشاسعة، نجح 100 متمرد فقط في الاستيلاء على المدينة الساحلية، عبر سلسلة من الهجمات الوحشية. ولكن الحكومة في مابوتو سرعان ما استعادت المدينة، وأعلنت انتصار قواتها، رغم أنه كان من الواضح أن المتمردين اختفوا ببساطة بعد أن حققوا هدفهم، وأظهروا قوتهم المتزايدة.

ويتناقض الانتصار الدموي مع دعوى أن “الحرب على الإرهاب” تمر بمراحلها الأخيرة، ومن المثير للاهتمام أن هذا الانتصار المزعوم يتشابه في كثير من تفصيلاته مع الأحداث التي وقعت قبل اربع سنوات تقريبا في مدينة ماراوي في جنوب الفلبين، حيث سيطرت الجماعات شبه العسكرية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية على المدينة لمدة أربعة اشهر، في نفس الوقت الذي كان التنظيم في العراق وسوريا يعاني من حالة شلل بسب الحرب الجوية الشاملة التي قادتها الولايات المتحدة.

نزوح أهالي مدينة بالما
نزوح أهالي مدينة بالما

عنف شديد

برز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في بداية عام 2014 من بقايا تنظيم القاعدة في العراق، وسرعان ما أظهر قوة هائلة. وفي شهر يوليو من هذا العام، احتل تنظيم الدولة مساحة تعادل مساحة المملكة المتحدة تقريبا، وتمتد عبر شمال سوريا والعراق، ويقطنها حوالي ستة ملايين نسمة.

وانتهج التنظيم العنف إلى أقصى درجة في أغلب الأحوال، خاصة ضد الشيعة الزيديين في شمال العراق. وخوفا من تهديد بغداد ذاتها، بدأت الولايات المتحدة حربا جوية مكثفة. وفي نهاية هذا العام، تشكل تحالف كبير للقوى الجوية ضم كلا من فرنسا والمملكة المتحدة وأستراليا وبعض القوى الإقليمية، وشن مئات الغارات الجوية كل شهر، واستخدم آلاف الصواريخ والقنابل دقيقة التوجيه.

وشهدت الحرب التي امتدت لأربع سنوات مقتل أعداد كبيرة من عناصر تنظيم الدولة تجاوزت 60 ألف مقاتل، لكن معظم القتال انتهى في منتصف عام 2017. في هذا التوقيت، بدأت الأحداث الاستثنائية حول ماراوي في الفلبين، على بعد حوالي 8000 كيلومتر  إلى الشرق، لتكذب دعوى القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية.

نشأت انتفاضة ماراوي من حركة إسلامية شبه عسكرية طالبت باستقلال جزيرة مينداناو، وبعد فشلها في تحقيق ذلك، اتخذت موقفا أكثر تشددا استلهمته، ولو بصورة جزئية، من صعود تنظيم الدولة في وقت سابق. ولم تحمل الحكومة الفلبينية في مانيلا تهديد الجماعة بالعنف على محمل الجد، حتى تمكنت جماعة “أبو سياف” المسلحة من السيطرة على جزء من المدينة في مايو 2017 في تمرد استمر أربعة اشهر.

الجيش الفلبيني في ماراوي
الجيش الفلبيني في ماراوي

لم يكن هذا الهجوم مجرد حركة تهدف إلى الاستمرار لأسابيع. ففي خضم تقدمها، وجدت القوات شبه العسكرية أن السيطرة على معظم أرجاء المدينة جاء أسهل بكثير مما توقعوا، حيث أثبت الجيش الفلبيني – المعتاد بدرجة أكبر على مكافحة التمرد في المناطق الريفية – عجزه في الحروب في المناطق الحضرية ضد المتمردين الأيديولوجيين المستعدين للموت من أجل قضيتهم.

وأرسلت الولايات المتحدة قوات خاصة وطائرات مراقبة، ولكن ثبت عدم صحة التوقعات المبكرة بشأن إمكانية تحرير المدينة، ولجأ الجيش إلى الاعتماد على الهجمات الجوية وسلاح المدفعية. لكن سرعان ما تبين أيضا أن الثقة التي كانت موجودة في أن الإسلاميين لن يبدوا مقاومة، وسيفرون من الأرض، أو سيقتلون فيها، لم تكن في محلها. وأشارت تقارير إلى أن ملامح انسحاب المتمردين من ماراوي لم تلح في الأفق الفلبيني إلا بعد أربعة اشهر من اندلاع الصراع.

كانت تكاليف المعركة باهظة. فقد تحولت المدينة التي يبلغ تعداد سكانها 200 ألف نسمة إلى مدينة مهجورة بفضل القصف شبه اليومي من قبل القوات الحكومية، ومقتل عشرات المدنيين، وجرح أكثر من ذلك، ونزوح الآلاف الذين بقوا على قيد الحياة.

 كان الهجوم الأخير على كابو ديلغادو أصغر من حيث الحجم والزمن من هجوم ماراوي، لكنه جاء في وقت يثير فيه التأثير المتزايد لتنظيم الدولة في أجزاء كبيرة من أفريقيا جنوب الصحراء قلقا عميقا، على الأقل في دوائر الأمم المتحدة.

في الواقع، كان تقييم أممي نشر في أغسطس من العام الماضي أشار إلى إنشاء “صندوق حرب” ضد تنظيم الدولة بقيمة 100 مليون دولار، وكانت هناك مؤشرات كثيرة بأن الحركة، برغم ما أصابها من ضعف في العراق وسوريا، تشهد تصعيدا في أنشطتها في جميع أنحاء القارة الإفريقية، من الساحل وموزمبيق إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية.

 جواهر الدعاية

ومن منظور أوسع، فإن تنظيم الدولة الإسلامية، والحركات شبه العسكرية المتطرفة المشابهة له لم تتداعى كما يصور البعض، وهناك أدلة كثيرة على أن قدرتها على تجنيد عناصر جديدة تتطور بسبب ما يعانيه ملايين الشباب في الجزء الجنوبي من العالم من تهميش، ما يجعلهم ثمارا ناضجة وجاهزة للقطف من قبل الحركات الأيديولوجية العنيفة.

فكابو ديلغادو مقاطعة مهملة ومهمشة اقتصاديا، وتقطنها أغلبية مسلمة في بلد يمثل فيها الإسلام دين الأقلية. وأصبحت هذه المنطقة موضع ثروة محتملة بسبب احتياطات الغاز الجديدة والاكتشافات الأخيرة لبعض أغنى رواسب الياقوت. لكن لا يزال من السهل على الأذرع الدعائية الداعشية أن تصر على أن قليلا من المكاسب ستتقاطر على سكان المنطقة، وستتجنب هذه المكاسب القطاعات الأكثر تهميشا. ولعل هذه الفكرة لها ما يبررها قياسا على ما حدث من قبل في موزمبيق ونيجيريا وغيرهما.

ربما تمثل ثروة الغاز في كابو ديلغادو مثالا محددا، لكن القضية الأساسية والشاملة التي تتكرر في معظم أنحاء الجنوب العالمي، هي الاتجاه العالمي الخبيث لوباء كوفيد – 19 الذي يؤدي إلى تفاقم الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية الموجودة بالفعل.

فبعد مرور عام على الوباء، أشارت مجلة “فوربس” إلى حدوث زيادة عالمية في عدد المليارديرات الذين تضاعفت أعدادهم خلال عام واحد من 660 إلى 2755. وتظهر القائمة السنوية للمجلة التي تم نشرها في منتصف أبريل 2021 ارتفاع ثروات المليارديرات من 8 تريليون دولار إلى 13.1 تريليون دولار في غضون عام واحد. وكما قال كبير مسؤولي المحتوى في المجلة: “الأغنياء جدا أصبحوا أغنى جدا”.

وفي الفترة نفسها، ارتفع عدد الذين يعيشون في فقر مدقع إلى 150 مليونا، وهي الزيادة الأولى في 20 عاما. وكما عبرت صحيفة “الجارديان”: “تضخمت أعداد الأثرياء مع تهديد فيروس كورونا حياة الملايين في جميع أنحاء العالم، وواصلت اسواق الأسهم الارتفاع إلى مستويات غير مسبوقة.

لا شك أن هذه الزيادة الفجة في ثروة الأثرياء تمثل أخبارا ممتازة لأى منصة دعائية تدعم التمردات شبه العسكرية. وينطبق هذا في الوقت الحالي بشكل خاص على الحركات الإسلامية. لكن لا توجد ضمانة واحدة على أن تأثير ذلك سيقف عند حدود الحركات الإسلامية وحدها. إن خطر هذا التهديد يتفاقم مع دخول العالم عصر تمردات الأطراف والتي تتفاقم بفعل تأثير الأوبئة.

——————————–

بول روجرز – أستاذ في قسم دراسات السلام في جامعة برادفورد

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock