شهير، في تاريخ التمثيل ببلادنا والعالم، أن يقوم أطفال بمشاركة الأبطال الكبار في الأعمال الفنية، وبديهي أن يتفوق بعض هؤلاء الأطفال على الممثلين الأفذاذ أنفسهم، كما تفوقت فيروز في معظم أفلامها، وكما تفوقت ليزا بطلة مسلسل “هند والدكتور نعمان”، وغيرهما، وكما تفوق صاحبنا شريف إدريس في كثير من الأعمال التي شارك فيها.. (في نهاية المقال قائمة بجميع أعماله).
مما يُذكر، في مسألة تمثيل الأطفال، أن أكثرهم يترك المهنة بعد ذلك، وقد يظهر ظهورا خفيفا، في حفلات الفنانين أو الصحافة الفنية أو الفضائيات، وقد يختفي اختفاء كليا محيرا، وفي الماضي توقع نقاد كثيرون للطفلة الرائعة فيروز أن تصير نجمة في شبابها، نجمة فوق العادة، غير أنها مع الوقت بهتت وانزوت وظل شريط السينما يحفظ أدوارها البديعة كطفلة عبقرية لم تصمد مع الزمن.
شريف مختلف؛ فقد قفز من الطفولة الفنية النابغة إلى النضج الهائل الباهر، استمر ألقه، بمرور السنين، ولا يزال مستمرا حتى الساعة، ويبدو أنه قرأ مشاهد السابقين الذين بدأوا مثله بدايات مبكرة، وأمسكت يده الخلل الذي جرى، واستطاع تجنبه في مسيرته إلى حد كبير. ولو أكمل شريف إلى النهاية، وأغلب الظن أنه سوف يكمل؛ لأنه قوي الإرادة ولأنه مثقف نبيه ذو رؤية شاملة ويحب عمله ويريد اعتلاء القمة، لصار أحد أكابر نجومنا في فن التمثيل نظرا لجذوره الراسخة في المجال.
الميلاد والنشأة والمؤهل والأسرة
ولد شريف إدريس في محافظة الأقصر في الثامن من يونيو عام 1982، أيام كانت مدينة تابعة لمحافظة قنا، فيصح أن يكون قناويا من باب الرجوع إلى المحافظة الأم، ويصح أن يكون أقصريا من زاوية التحديد، وبالذات بعد أن صارت الأقصر محافظة مستقلة إداريا عن قنا، ينتمي والده إلى قرية العشي التابعة لمركز الزينية بالأقصر، بينما والدته تنتمي إلى الإسكندرية، وجمعهما النصيب، تبدأ الرحلة من عُمان التي كان والده معارا فيها، كمدرس للموسيقى، وحملت الأم في جنينها هناك، فعادت إلى الأقصر حيث وضعته بها في أثناء إجازتها ، ثم إلى عُمان مرة ثانية لمدة ثلاث سنوات، إلى الاستقرار النهائي في القاهرة التي نشأ فيها وثبت واستقر كأن أصوله منها.. لا يبدو غريبا عن الفن طبعا بحكم عمل أبيه كمدرس للموسيقى، وأما عن أمه فإن صاحبنا من أبرِّ الناس بأمهاتهم (يرحم الله والدته) وفي كل مناسبة، وكثيرا بلا مناسبات، يرسل إلى قبرها مودة صافية وفاتحة وزهورا على صفحته بالسوشيال ميديا.. والبادي أنها كانت سيدة عظيمة حانية، حضنا حقيقيا صادقا فقده بعد أن لقيت ربها فجأة، وصدمته صدمة عمره، وهو إن كان تأثر بأبيه فنيا فقد تأثر بها إنسانيا لا محالة. لشريف شقيق وشقيقتان، ترتيبه الثاني بينهم.. تزوج من خارج الوسط الفني، وله من زوجته ثلاثة أبناء ما يزالون صغارا: حبيبة وعُمر وجواد.
مؤهله ودخوله الوسط الفني
بالرغم من خبراته الباذخة ككمثل، بدأ حياته العملية مع بزوغ شمسه ككائن صغير في مراحله الأولى، إلا أن صاحبنا أراد أن يصقل نفسه بالدراسة فيما بعد؛ فدخل المعهد العالي للفنون المسرحية، قسم التمثيل والإخراج، وحصل على شهادته في عام 2009، تأخر كثيرا هكذا إذ أمضى في المعهد عشر سنوات تامات؛ فقد صرفته انشغالاته بالأعمال الوافرة التي كانت تُعرض عليه عن التركيز الدراسي، مع جملة أسباب أخرى تخص الحياة وظروفها..
الأستاذ رفعت عزمي، المخرج المساعد، هو من كان السبب المباشر في دخوله مجال الفن، والصدفة أيضا كانت حاضرة في عملية اكتشافه؛ فقد رافق أباه مرة للسلام على ذلك الصديق، في موقع يجري فيه تصوير أحد المسلسلات، وكان في المسلسل طفل يلعب دورا ما، تغيب في ذلك اليوم الذي كتبه الله لصاحبنا، فاختبروه هو سريعا وتخطى الاختبار بامتياز وبدأ حينها فورا، ومن حسن حظه أن البداية كانت مع المخرج الكبير إبراهيم الشقنقيري، في مسلسله “النهر لا يحترق”، إنتاج 1987، ومن تأليف الكاتب الكبير ثروت أباظة، وبطولة نخبة من أعمدة التمثيل، من بينهم أمينة رزق وعمر الحريري وإبراهيم الشامي ودلال عبد العزيز وإبراهيم خان وجمال إسماعيل.
محطاته الفنية المهمة
عمل شريف إدريس مع معظم المخرجين والمؤلفين والنجوم الأعلام، في السينما والمسرح والتلفزيون، وقليلا في الإذاعة، غير أنه، ككل فنان متميز منتبه لتاريخه، لديه محطات فارقة، بعضها يظهر للمشاهدين فيقبضونه بأعينهم ومشاعرهم، ومحطات أخرى خاصة يعتز بها اعتزازا شخصيا بالغا، لأسباب تخص روحه، كفكرة الارتياح النفسي في أجواء أعمال دون سواها. عمله مع الزعيم عادل إمام كان فارقا بالطبع، ومن جميل القدر أن بداية انتقاله من مرحلة الطفولة بكاملها إلى أوائل مرحلة النضج، بفارق عام واحد، كانت مع السوبر ستار عادل إمام، وباختياره كما هو ذائع، في مسرحيته بودي جارد، ولمدة ستة مواسم كاملة، وذلك ضمن الذكريات الفنية السعيدة للممثل الشاب المدهش. على المستوى الآخر، أعني الارتياح النفسي الذي كنت أشرت إليه آنفا وما إليه، فإنه لا ينسى، مثلا، عمله مع الفنانة القديرة نجلاء فتحي في مسلسل اللص؛ فقد أهدته الزِّيَّ الذي ظهر به في أثناء التصوير، هو يؤمن بشخصيتها ويوقرها أصلا.. وكذلك يثني على شخصيات فنية معتبرة، حبَّذها في مساره، كمحمود عبد العزيز ومحمود الجندي (يرحمهما الله) وصلاح السعدني (أطال الله بقاءه).
https://www.youtube.com/watch?v=UU4U_-fzvoo
شكواه المضمرة
لا يصدح صاحبنا بالشكوى مما يعانيه في وسطه، هو يعاني بالتأكيد ككل مهني في كل وسط، بل الفنان أكثر رهافة من غيره كما هو معلوم، لكنه يؤثر السكوت، وفي تأملي لتواريخ أعماله؛ وجدت امتلاء مشبعا في الحقبة التسعينية التي كان في معظمها طفلا، ووجدت فترات كأنها سقطت من حساب السنين بعد ذلك؛ فما بين عمله في مسلسل المهنة طبيب (2004) إلى عمله في مسلسل الهروب (2012) مساحة خاوية كبيرة (ثماني سنوات)، وما بين مسلسل الهروب (2012) إلى عمله في مسلسل الخروج (2016) مساحة خاوية تساوي نصف المساحة الأولى (أربع سنوات).. لم يكن له في تلك المساحات مشاركات مذكورة، وقد يحيلنا الأمر في الحقيقة إلى مسألة استهلاك الموهبة بسِنِيِّ الطفولة إلى حد القضاء عليها، وهي مسألة حساسة، وليست محمودة على الإطلاق، ولعلها السبب في انصراف كثيرين من الذين بدأوا صغارا عن الفن مستقبلا، وزهدهم في العملية الفنية برمتها؛ أقصد لأنهم يكونون في تعب شديد وشعور بالفناء، كما أنهم لا يلمسون طلب الإنتاج نفسه عليهم بسنوات الشباب. من جهة أخرى فإن المتابع المدقق لن يجد بطولة مطلقة لشريف، بطول ما قدم، ولن يجد ما يمكن وصفه بالفرصة الكبرى لإبراز ما لديه، وهو كثير ومنوع ومهم دون ريب، ومن ثم فإن إحساسه بالظلم منطقي تماما، حتى لو كان إحساسا مضمرا، وحتى لو كان راضيا عن كثير من أدواره، ويعتبرها مؤثرة، فالجمهور راضٍ أيضا والجمهور كمثله يعتبر كثيرا مما عاينه له مؤثرا حقا، غير أن المراقبين المنصفين والمتخصصين العارفين بطاقته المتوهجة وإخلاصه للفن، يحبون له المزيد الأسمى مما يليق بمزاياه غير المحدودة!
من أعماله طفلا
أولا: أعمال مؤرخة: النهر لا يحترق (مسلسل- 1987) رحلة في نفوس البشر (مسلسل- 1987)، أسعد الله مساءك (فيلم- 1987)، مدرسة الحب (فيلم- 1988)، كل هذا الحب (فيلم- 1988)، عندما يتكلم الصمت (فيلم- 1988)، رأفت الهجان ج1 (مسلسل- 1988)، خطة بعيدة المدى (فيلم- 1988)، الطعم والسنارة (فيلم- 1988)، للآباء فقط (فيلم- 1989)، عائلة الأستاذ شلش (مسلسل- 1990)، رأفت الهجان ج2 (مسلسل- 1990)، امرأة ضلت الطريق (فيلم- 1990)، الوسية (مسلسل- 1990)، اللص (فيلم- 1990)، صراع الأجيال (مسلسل- 1991)، المفسدون (فيلم- 1991)، أيام الغياب (مسلسل- 1992)، الحجر الداير (فيلم- 1992)، البحث عن عبده (مسلسل- 1992)، الألبوم (سهرة تلفزيونية- 1992)، عصر الفرسان (مسلسل- 1993)، اليتيم والذئاب (فيلم- 1993)، أبناء ولكن (مسلسل- 1993)، صور ملونة (مسلسل- 1994)، حتى لا يغيب القمر (مسلسل- 1994)، بوابة المتولي (مسلسل- 1994)، إن فاتك الميري (مسلسل- 1994)، أرابيسك (مسلسل- 1994)، على باب الوزير (مسلسل- 1995)، أنا اللي أستاهل (مسلسل- 1995)، خالتي صفية والدير (مسلسل- 1996)، عوضين وإمبراطورية عين (مسلسل- 1996)، عباسية واحد (مسلسل- 1997)، تفاحة (فيلم- 1997)، أهالينا (مسلسل- 1997)، أمر إزالة (مسلسل- 1998).
ثانيا: أعمال غير مؤرخة (تخللت الأعمال المؤرخة غالبا): نسيج العنكبوت (مسلسل)، كفر الجنون (سهرة تلفزيونية)، كانوا في طفولتهم (مسلسل)، عندما تضحك الأوتار (مسلسل)، سلام يا أحلام (سهرة تلفزيونية)، حكاية البهلوان (سهرة تلفزيونية)، حتى تعودي (سهرة تلفزيونية)، جنة حتحوت (مسلسل)، تمساح البحيرة (مسلسل)، المفقود (سهرة تلفزيونية)، المستند الأخير (سهرة تلفزيونية)، الرحلة (مسلسل)، البريء والصورة (سهرة تلفزيونية).
من أعماله ناضجا
بودي جارد (مسرحية- 1999)، خيال الظل (مسلسل- 2000)، شباب على الهوا (فيلم- 2000)، الأصدقاء (مسلسل- 2002)، كناريا وشركاه (مسلسل- 2003)، رجل الأقدار (مسلسل- 2003)، عفاريت السيالة (مسلسل- 2004)، المهنة طبيب (مسلسل- 2004)، الهروب (مسلسل- 2012)، الخروج (مسلسل- 2016)، سمكة وصنارة (فيلم- 2017)، الجماعة ج2 (مسلسل- 2017)، نسر الصعيد (مسلسل- 2018)، صندوق الدنيا (فيلم- 2020)، سلطانة المعز (مسلسل- 2020)، النهارده يوم جميل (فيلم- 2021 لم يتم عرضه بعد).
يطل شريف على جمهوره، في رمضان هذا العام، من خلال شخصية سيف الدين سلامة في مسلسل قصر النيل. المسلسل من تأليف محمد سليمان عبد المالك وإنتاج محمد مشيش وإخراج خالد مرعي، بطولة النجمة دينا الشربيني مع مجموعة كبيرة من الفنانين المخضرمين والشبان، من بينهم صبري فواز وريهام عبد الغفور ومحمود البزاوي وأحمد مجدي وآية إبراهيم. من عجيب أنه تم تجاهل شريف في بوسترات الدعاية للمسلسل، لكنه علق في صفحته على فيسبوك بأن الأمر، وإن كان ليس مفهوما، لكنه لا يمثل له مشكلة، وأنه يرى المسلسل جيدا، ويشكر جميع زملائه الذين كانوا ملوكا في أدوارهم، على حد تعبيره، ويَعِد الجمهور بالاستمتاع. التحية لعطائه الجم ووفائه النادر، وعليه أن يفخر تماما بنفسه، وأما المتلقُّون الواعون ففي انتظاره دائما بالأشواق البالغة.