ترجمة: كريم سعد
مصدر الترجمة: tasteofcinema
يُعد القرن العشرون على وجه التحديد زمنا خاصا جدًا للبشرية، حيث ساهمت حربان عالميتان كبيرتان، وثورات لا حصر لها ونزاعات مسلحة لا تنتهي، فضلًا عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والفنية الكبرى؛ في وضع رؤية لا تحمل سوى اليأس للأوضاع الراهنة وما يُخبئه لنا المستقبل، سواء على المدى القريب أو البعيد.
وليس من قبيل المصادفة أنه في هذا القرن، بدأت السينما تتطور بصورة أكبر، وسرعان ما بدأ الفنانون السينمائيون في التعبير – من خلال أفلامهم – عن رؤاهم المتشائمة حول مصير البشرية.
وتحتوي القائمة التالية على 10 أفلام تتناول كل هذه المستويات المُختلفة من الياس؛ تلك التي أتت من أهوال الحرب، وموت الإيدولوجيا والإيمان الديني، ووجهات النظر القاتمة حول ما يتجه نحوه المجتمع، من أزمات لا نهاية لها في عالم يُمجد الفردانية والتنافسية.
10. عاري – مايك لي 1993
في أحد أهم أفلامه الأكثر شهرة ، يُحدثنا المخرج البريطاني مايك لي عن حياة جوني ، تلك الشخصية البغيضة التي لا هدف لها في الحياة، ولا ملجأ لها، سوى العنف، والانحطاط، حيُث يثير سلسلة من ردود الفعل المختلفة في كل شخص يعترض طريقه.
وجوني هو رجل بلا مأوى وعاطل عن العمل ومريض نفسيًا، وسرعان ما يدرك المرء أنه ليس في خضم هذه الحالة فقط بسبب السياق الاقتصادي والاجتماعي المعقد الذي يعيش فيه، ولكن أيضًا بسبب تمسكه العنيد برغباته الخاصة.
ويراهن الفيلم بشدة على حوار جوني مع الشخصيات الأخرى لتقديم حججه، والتي تشبه أحيانًا مسرحية حقيقية. وهُناك عنصر مسرحي آخر يستخدمه فيلم لي بشكل جيد هو التلاعب بالضوء، حيث يُستخدم الظلام أحيانًا كاستعارة للموقف – في إشارة إلى ما يناقشه الشخص – وكذلك المصير الذي ينتظرهم جميعًا.
ويبدو أن فيلم “عاريٍ” يؤكد في جميع الأوقات على أنه بغض النظر عن مقدار ما نشاهده من شخصيات فاسدة ومتحللة، فإن الظلام سيدلف عاجلاً أم آجلاً على قدم المساواة داخل الجميع.
9. أقف وحيدًا – غاسبار نوي 1998
يواصل المخرج غاسبار نوي بعد فيلمه القصير “كارن” عام (1991) عمله ويعود لتقديم شخصية الجزار العدمي الذي يعمل كمتحدث حقيقي لأكثر الآراء تشاؤمًا ومأساوية حول الإنسانية. حيث يلعب فيليب ناهون دور جزار من ضواحي باريس مهووس بابنته المعاقة، سينثيا، ويمتلك كراهية مميتة تجاه المهاجرين.
وإذ كان نوي يراهن في الفيلم القصير “كارن” أكثر على روتين الجزار الُمرهق والخاوي من داخله، بدلًا من بعض المظالم والأفعال السيئة التي واجهها هو وابنته، إلا أنه في فيلم “أنا أقف وحيدًا” ، يتعمق المخرج في العقلية القاسية والمريضة للجزار، ويقدمه بطريقة قاسية لا تُطاق، من خلال تعايش الشخصية نفسها مع أفكارها الخاصة، وكذلك تعايشها مع بقية المجتمع.
ويحتوي الفيلم على مونولوجات صوتية طويلة يتلو فيها الجزار أطروحات حقيقية حول كراهية البشر، معبرًا عن أكثر الأشياء البغيضة والقاسية في الوجود البشري. ومن أكثر النقاط إثارة للاهتمام في الفيلم أنه على الرُغم من أن المشاهد خلال أحداثه يشعر بالغضب تجاه شخصية الجزار، إلا أنه وبرغم كل تلك الأعمال الوحشية التي يقوم بها البطل، يبدو من الصعب ألا ترى، وسط خطاباته ، نقدًا حقيقيًا وصحيحًا، للامبالاة البشرية تجاه يأس الآخرين، وندائهم الحقيقي من أجل المساعدة.
8. ربما يكون الشيطان – روبرت بريسون 1977
تشارلز هو شاب باريسي في نهاية حياته الطلابية يبدو أنه غير قلق على الإطلاق بشأن مستقبله. وعلى الرغم من الاحترام الذي يكنه له الطلاب الآخرون، وقدرته على جذب انتباه الفتيات وإظهار قدرته القوية على التحصيل الدراسي، حتى أنه يقوم بتعليم بعض زملائه، إلا أنه لم يكن متحمسًا بشان مستقبله، مهما بدا واعدًا.
حيث يبدأ الشاب في التواصل مع بعض الشخصيات الغامضة التي تشاركه وجهات نظره حول العالم، والتي تبدأ في إثارة قلق والديه، حيث أنه حتى بمساعدة الطبيب النفسي لا يستطيع تغيير نظرته العدمية وأفكاره الانتحارية. وعازمًا على التخلص من “الابتذال” في الانتحار ، يبدأ تشارلز في البحث عن شخص يستطيع إنهاء حياته، وهو شيء مشابه لما تحاول شخصية عباس كياروستامي في فيلم طعم الكرز (1997) القيام به.
ويُعد فيلم روبرت بريسون هو نقد حقيقي لأسلوب الحياة الحديث، ويقدم نظرة تشاؤمية إلى حد ما للمستقبل الذي تتخلله النزعة الاستهلاكية والسطحية والفردية في المجتمع الرأسمالي الجديد.
7. أوسلو ، 31 أغسطس – يواكيم ترير
يُصور فيلم “أوسلو ، 31 أغسطس” لحظة معقدة إلى حد ما في حياة الرجل النرويجي أندريس. وهو رجل في أوائل الثلاثينيات من عمره على وشك مغادرة مصحة إدمان لمحاولة استئناف حياته. وأول موعد له بالخارج هو مقابلة عمل، لكنه ينتهز الفرصة لقضاء يوم في أوسلو للقاء الأصدقاء والعائلة القدامى، وليتامل في ماضيه وما ينتظره في المستقبل. لكنه يتذكر تدريجيًا صدمات الماضي ويأسف لها، ويُدرك أن الخيارات المتبقية لديه قد لا تكون قادرة على مساعدته في مواصلة حياته.
ويعتمد فيلم يواكيم ترير على كتاب “احتراق داخلي” من تأليف الفرنسي بيير دريو لاروشيل، وكذلك فيلم لويس مالي الذي يحمل نفس الاسم. ومن الصعب عدم مقارنة الفيلمين مع الأخذ في الاعتبار بأن نص ترير له ميزة كبيرة عن الفيلم الفرنسي ألا وهو السياق النرويجي المعاصر. فمن خلال فيلمه، نُدرك مدى اليأس الذي تعيشه الشخصية، مهما كان محيطها سلميًا ويرحب بها داخله.
ويظهر الشعور بالوحدة والسأم في متابعة البطل لحياته في الفيلم جليًا تمامًا. فبقدر ما يجد أندريس خيارات وطرق للمتابعة، فإن صعوبة التغلب على أخطاء الماضي وقبول المستقبل الذي ينتظره تجعل من المستحيل عليه الُمضي قدمًا.
6. الخنازير والبوارج – إيمامورا شوهيه 1961
يُعتبر إيمامورا شوهيه أحد أساتذة معالجة الجانب السيئ للإنسان في السينما، ولكن الشيء العظيم في “الخنازير والبوارج” هو أنه يحشد العديد من الموضوعات داخله. فعلى خلفية السنوات التي أعقبت هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، يتناول الفيلم اليأس وأهوال الحرب، وفقدان الإيمان الديني، والحياة الُمهينة للمضطهدين على هامش المجتمع، وانحطاط الطموح بداخلهم.
وتدور أحداث الفيلم في مدينة يوكوسوكا الساحلية ويتناول حياة هاروكو وكنتا، وهما زوجان يتعين عليهما مواجهة كل الصعوبات والنكسات في لحظات ما بعد الحرب من أجل البقاء، وكأن كل المضاعفات الطبيعية للحظة لم تكن كافية، فكلاهما ينتهي بهما المطاف في خضام أزمة مع عصابات الياكوزا اليابانية.
ويعيش الشاب مع والده المدمن على الكحول ويقضي أيامه في محاولة جني الأموال على حساب البحارة الأمريكيين الذين يمرون عبر البلدة، بينما تحاول هاروكو إقناعه بتغيير حياته. ويتناول فيلم “الخنازير والبوارج” الجانب القاسي للإنسان ويجلب الاستعارة المجسمة للخنازير لتمثيل اضمحلال الإنسان وسط إحساس ما بعد الحرب، باليأس والكآبة.
5. طعم الكرز – عباس كياروستامي 1997
نُتابع من خلال أحداث “طعم الكرز” قصة السيد بادي، وهو إيراني يبلغ من العمر 50 عامًا يهيم بلا كلل في شوارع مدينة إيرانية بحثًا عن شيء غير عادي، ألا وهو شخصً ما يساعده على الانتحار وأن يتعهد له بدفن جسده بعد أن يُقضي نحبه، وسيتواصل السيد بادي مع عدد من الشخصيات، وخلال طريقه سيوافق ثلاثة أشخاص على ركوب سيارته، إلا أنهم يختلفون تمام الاختلاف فيما بينهم ، حيث أحدهم شاب في الجيش، واخر متدين في منتصف العمر، وهُناك أيضًا خبير تحنيط كبير في السن.
وليس من قبيل الصدفة هذا الاختلاف في العمر والتنوع الاجتماعي لكل هؤلاء الركاب، فكل واحد منهم يظهر كتجسيد لجانب من جوانب الحياة المريرة الذي يريد السيد بادي تركه عن طريق إنهاء حياته، وفي داخل السيارة، سيُقدم كل منهم حججًا لا حصر لها للسيد بادي للتخلي عن خطته، إلا أنه تشبث برأيه، وسرعان ما عارض كل هذه الحج وأفصح عن نظرته السلبية للوجود، كما لو كان الفيلم عبارة عن حوار مستمر بين الأمل واليأس.
وجدير بالذكر أن هناك أيضًا مزيج مُر من كراهية البشر والشعور بالوحدة في شخصية السيد بادي، وهو شيء يتجلى بين كلماته، مما يجعل المشاهد يشعر بالأسف تجاه بطل القصة، الذي يبدو حازمًا وواثقًا من قراره، مع كل تلك العزلة والكآبة التي تقبع بداخله.
4. فيركميستر هارمونيز – بيلا تار 2000
يحاول دائمًا المخرج بيلا تار أن ينأى بنفسه عن المقارنات المختلفة التي أجريت بين أعماله وأعمال مخرج سينمائي عظيم آخر من أوروبا الشرقية، أندريا تاركوفسكي.
وبالرغم من أنه هناك العديد من الاختلافات والخصائص بين أعمالهما، ولكن يبدو أنه من الصعب عدم ملاحظة عدد من العناصر التي تظهر في فيلم “فيركميستر هارمونيز” تتأثر بصورة قوية بأعمال تاركوفسكي، خاصة فيما يتعلق بعمل الكاميرا وطول مدة الفيلم. ومن اللافت للنظر في أفلام بيلا تار، هو قدرته على التفكير في معنى للحياة في وسط عالم يتخلله العنف والقسوة.
وتعد حبكة الفيلم بسيطة نسبيًا، حيث تدور أحداثه في مدينة صغيرة في أوروبا الشرقية ، محاطًة بالضباب والبرودة شديدة باستمرار، ويجذب وصول السيرك من نوع ما انتباه جميع سكانها. وعامل الجذب الرئيسي لهذا السيرك هو الحوت الضخم، الذي يتم تحميله في شاحنة ، حيث يتسبب الحيوان في مجيء أشخاص عديدين من أماكن أخرى.
ويتمخض عن هذا الحدث تغيير في روتين المدينة بأكملها، وحين يبدأ الأشخاص الغرباء وغير المألوفين في القدوم، ويحاولون الاستفادة من الموقف. يتصاعد العنف والثورات داخل البلدة، وينكشف الحجاب عن الجانب المظلم لسكان تلك المدينة الصغيرة.
3. بنادق الأشجار – يوناس ميكاس 1961
يُظهر فيلم “بنادق الأشجار” جانبًا مختلفًا بعض الشيء من مخرجه الامريكي الليتواني المولد الشهير يوناس ميكاس، سواء من ناحية الأسلوب السينمائي أو حبكة الأحداث. وعلى الرُغم من أن أكثر أعماله شهرة دائمًا ما تحمل شعورًا بالكآبة، إلا أن في العمل الذي نتحدث عنه، يُبرز نظرة أكثر تشاؤمًا حول الوجود البشري، وخاصة نظرة الفنانين المثاليين الشباب في الستينينات والذي بدوا مثل ميكاس نفسه، الذي تتنبأ بمستقبل مظلم لذواتهم في خضم مواجهة فشلهم بإحداث ثورة اجتماعية وسياسية وثقافية.
ويتتبع الفيلم حياة أربع شخصيات شابة يحاولون منذ البداية فهم سبب انتحار أحد أصدقائهم، وفي حيرة من أمرهم تجاه الحدث المفاجئ والمأساوى، نرى كيف أن الوضع في تلك اللحظة التاريخية قدم أفقًا قاتما لهؤلاء الشباب الذين حلموا بمجتمع مختلف عن المجتمع الذين يعيشون فيه.
ومن المثير للاهتمام كيف أن الراوي في بداية الفيلم يطرح السؤال بشكل مباشر وهو “لماذا ينتحر المرء هذه الأيام؟” وطوال السرد الفيلم يحاول الرد من خلال صياغة سؤال أخر وهو “كيف لا ينتحر المرء في هذه الأيام؟”
2. فيل جالس ساكن – هو بو 2018
يُعد فيلم “فيل جالس ساكن” هو أحد تلك الأفلام التي تُعد محاولة تقييمها أمرًا عسيرًا للغاية، بسبب سياق الأحداث المعروف، حيث يكاد يكون من المستحيل أن تُشاهد هذا الفيلم دون أن تعرف القصة المأساوية مخرج الشاب، هو بو، مما يجعل تجربة مشاهدة الفيلم معقدة للغاية.
ومع ذلك، من الصعب عدم الإتفاق على أن فيلم “فيل جالس ساكن” هو أحد أكثر الأفلام المُحزنة في السنوات الأخيرة، وقد حقق ذلك من خلال التعبير المثير للإعجاب لنصه، الذي يُصور مرارة الحياة الصعبة للشخصيات الصينية، ولغتهم التي تُبرز بلا هوادة المزاج الكئيب والعدمي للفيلم.
ويستعرض الفيلم نموذجًا متعدد اللقطات نتابع فيه حياة أربع شخصيات رئيسية ليوم كامل في نفس المدينة، ولا ترتبط حياتهم بقصصهم فحسب، بل أيضًا بالحزن الذين ينغمسون فيه، فكل واحد يعيش في سياق أكثر تعقيدًا من الأخر، ويُعاني من مشاكل مع أسرته، سواء في المدرسة أو العمل وأيضًا في حياته العاطفية. وبالإضافة إلى ذلك، فيبدو أن وجود فيل جالسًا طوال الوقت في مدينة قريبة يُثير إعجاب كل الشخصيات الرئيسية.
وتم سرد القصص من خلال لقطات طويلة متتابعة ومتحركة، وخلال ما يُقرب من اربع ساعات نرى الحزن يتجلي في نهاية المطاف، حيث تشهد كل الشخصيات الرئيسية ذروة حدث عنيف، لكن يبدو الأمر كما لو أن الفيلم تعامل مع ذلك بلا مبالاة ملحوظة، فحتى بعد هذه الذروة الشديدة، تظل الحالة المزاجية للشخصيات مكبوتة، كما لو لم يكن أي حدث، مهما كان عنيفًا ومُدهشًا، سيُحدث أي فارق في “هذا العالم المثير للاشمئزاز” كما يقول أحد الأبطال في كثير من الأحيان.
1 – الختم الخامس – زولتان فابري 1976
في حانة في بودابست ، قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة، يتجمع خمس شخصيات، وبصرف النظر عن صاحب الحانة، يتواجد صانع ساعات ومصور ونجار وبائع كتب. والرفاق الخمس يشربون ويتحدثون عن الأمور الاعتيادية التافهة، إلى أن يثير أحدهم قضية أخلاقية معقدة، حيث يتعين على المرء فيها أن يختار بين أن يكون ظالمًا أو مظلومًا. وبعد الجدال لبضع دقائق فيما بينهما، تعود الشخصيات الخمس إلى منازلهم، لكن المشكلة ستبقى معهم وتؤثر بلا هوادة على مصيرهم.
ويحتوي فيلم “الختم الخامس” على العديد من الإشارات حول أهوال الحرب والاستبداد والأنانية، من خلال نص رائع يُمكنه أن يحبس أنفاسك دون اتباع أي من القواعد الشهيرة للنص. فالسؤال سيبدو بسيطًا حين يتم طرحه في المشهد الأول إلا أنه سينتج عنه سرد مثير للإعجاب يتكشف رويدًا مع أحداث الفيلم، حيث نشهد الخيارات المختلفة لكل من الشخصيات الرئيسية.
ومثل فيلم “بنادق الأشجار”، يطرح “الختم الخامس” أيضًا سؤالًا ويبدو أنه يجيب عليه في جميع أنحاء السرد، أنه بغض النظر عن الجانب الذي تقف فيه، سواء كنت ظالمًا أو مظلومًا ، فإن مصير الإنسان سيكون مسرحًا للمعاناة واليأس.