عرض وترجمة: أحمد بركات
برغم أن طالبان لديها القدرة على أن تكون براجماتية، وبالتالي تغيير خطابها وسياساتها، إلا أن شخصيتها الدينية تحد من قدرتها على تقبل أفكار وتصورات تراها الحركة غير شرعية، بما فيها تلك المتعلقة بالحكم. ومن ثم فإن تصريحات طابان التي تحمل إرهاصات تغير في العقل الطالباني، حسبما تتراءى للبعض، ربما لا تنم عن شيء سوى إيماءات دبلوماسية لا تتعدى الحناجر.
وسائل الإعلام والاتصالات
يتمثل التغيير الاكثر جذبا للانتاه، برغم أنه ليس الأهم، في سياسات طالبان في تعاملها مع وسائل الإعلام والاتصالات. ففي أثناء وجودها في السلطة قبل خريف 2001، حظرت الحركة مشاهدة التلفاز، واستعاضت عنه للتواصل مع الناس بالوسائل المطبوعة والراديو، وفي أغلب الأحوال بالمواجهات المباشرة مع المجتمعات المحلية. كما صار استخدام الهواتف، وبخاصة هواتف الأقمار الصناعية النادرة، في تلك الأيام حكرا على عناصر الحركة.
أما الآن، فقد باتت طالبان منفتحة على جميع وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال التقليدية المتاحة تقنيا، بدءا من الراديو (الذي لا يزال بدون موسيقى)، ووصولا إلى المواقع الإلكترونية التي تعرض موادا مطبوعة وصوتية ومرئية بلغات متعددة.
وبناء عليه، تشير تقارير إلى أن الحركة أصبحت أقل قمعا تجاه مشاهدة التلفاز في المناطق التي تسيطر عليها، لكنها لا تزال تحظر تماما الهواتف الذكية. وينطبق هذا أيضا على مقاتليها القاعديين حتى تضمن عدم خضوعهم للمراقبة. ولا يُسمح باستخدام خدمات “ماسينجر” من الهواتف الذكية، كوسيلة للاتصال العسكري، إلا لعدد محدود من القادة والمقاتلين المصرح لهم.
وإجمالا، فقد أصبحت مقاربة طالبان لوسائل الاتصالات أكثر براغماتية الآن، حيث تحكمها متطلبات الصراع العسكري والدعاية. يعني هذا فرض قيود أقل على السكان في استخدام وسائل الاتصال في المناطق التي تهيمن عليها الحركة. ويمكن القول إن الدافع وراء التغيير في المقاربة الطالبانية ليس بالأساس التحول في الفكر العقدي للجماعة، وإنما في القناعة والتسليم بعدم قدرتهم على السيطرة على الانتشار السريع لوسائل الإعلام الجماهيرية والإنترنت في أفغانستان وإدراكها أن هذه التكنولوجيات يمكن أن تكون مفيدة لعناصرها.
حقوق المرأة
مثل الإقصاء واسع النطاق للمرأة الأفغانية من الفضاءات الاجتماعية والسياسية ملمحا رئيسا في الحكم الطالباني قبل خريف 2001. لكن الخطاب الطالباني بهذا الشأن شهد تحولا عميقا في السنوات الأخيرة (مع ملاحظة أنه لم يمر بخطوات عملية منهجية فيما يتعلق بالإدماج الاجتماعي والسياسي للمرأة في المناطق التي تسيطر عليها الحركة، فيما عدا في بعض التطورات المتعلقة بتعليم الفتيات، كما سيأتي تفصيله في الجزء الثاني).
ووفقا لتقرير “هيومن رايتس ووتش” في يونيو 2020، فإن “الأعراف الاجتماعية الصارمة المتعلقة بالزي – خاصة للنساء- والحركات النسائية شائعة بين المجتمعات المحلية في الكثير من المناطق الريفية الأفغانية، بما في ذلك في المناطق المحافظة التي تسيطر عليها الحكومة”. ومن ثم، فإن طالبان لا تتحرك في اتجاه عكسي، وإنما في نفس اتجاه الرأي العام الأفغاني.
وفي قرار “مؤتمر السلام الأفغاني” الذي عقد في الدوحة في يوليو 2019، والذي أطلق عليه في البداية “اجتماع الحوار الأفغاني”، وافقت طالبان على ضمان “حقوق المرأة في الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية ضمن الإطار الإسلامي للقيم الإسلامية” في المستقبل.
وتكرر ذلك مؤخرا في “رسالة مفتوحة إلى شعب الولايات المتحدة الأميركية “، من الملا بارادار، أحد قادة طالبان البارزين، في فبراير 2021، حيث شدد على أن طالبان “ملتزمة بدعم وضمان جميع حقوق المرأة التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية”.
وعادة ما يضيف قادة طالبان هذه الصيغة حول الحقوق والحريات إلى العديد من تصريحاتهم لإبعاد أنفسهم عما يعتبرونه تصورات ومفاهيم “غربية”. ففي مؤتمر عن أفغانستان، عُقد في موسكو في فبراير 2019، قال الملا شير محمد عباس ستاناكزاي لوسائل الإعلام إن “الإسلام منح المرأة جميع حقوقها الأساسية، مثل إقامة المشروعات التجارية والملكية والميراث والتعليم والعمل واختيار الزوج والأمن والصحة والحق في الحياة الكريمة”.
وأضاف أن “المرأة يمكن أن تترشح في الانتخابات، وتتبوأ مناصب سياسية عليا، فيما عدا رئاسة البلاد ورئاسة القضاء”. ومع ذلك، أكد الملا ستاناكزاي أنه “إذا كان العالم يعتقد أننا نمنح المرأة الحقوق التي تمنحها إياها أميركا أو الغرب، فإن هذا لا يتوافق مع ثقافتنا أو تقاليدنا أو ديننا”.
وكرر نائب زعيم طالبان، الملا بارادار، هذا الرأي في خطاب ألقاه في نهاية عام 2020، حيث ذكر أن العمل الوحيد الذي يتم في ظل الاحتلال باسم حقوق المرأة هو “الترويج للفجور والثقافة المناهضة للإسلام”.
وفي اجتماع الدوحة في يوليو 2019، قامت مجموعة من المشاركات الأفغانيات بالتواصل مع وفد طالبان بشأن قضايا ’الزي الإسلامي‘ للمرأة، فقالوا أن ’البرقع‘ الذي يغطي الوجه ليس مطلوبا، وأن الحجاب “الشاديري” يفي بالغرض الشرعي.
ورأت بعض النساء أن هذا يمثل تغييرا في العقلية الطالبانية بعد أن باتوا “أكثر استعدادا لمناقشة حقوق المرأة”. كما حمل أول اجتماع مباشر بين النساء الأفغانيات وطالبان في أوسلو في منتصف عام 2015 رياح انطباع عن مزيد من الانفتاح من قبل الحركة.
رغم ذلك، ربما كانت هذه التصريحات مجرد إيماءات دبلوماسية تهدف إلى تهدئة النساء الحضريات اللاتي قابلهن الوفد الطالباني في اجتماعات في الخارج. فقد أفادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنه “في المناطق الأكثر تنوعا أو تحضرا، فرض مسؤولو طالبان عقوبات وعززوا ضوابط اجتماعية صارمة في مجتمعات لم تشهد من قبل هكذا ممارسات” بعد حصولهم على مزيد من النفوذ هناك.
ولا تلعب النساء أي دور إيجابي داخل الهياكل التنظيمية في طالبان. فلا توجد نساء ضمن فريقهم التفاوضي في الدوحة، أو تقارير عن المشاركة الإيجابية للمرأة في الإدارة الموازية لطالبان، ناهيك عن الخطوط الأمامية.
وبصفة عامة، لا يزال الموقف الطالباني بشأن الدور الاجتماعي والسياسي للمرأة محافظا، وفي كثير من الأحيان متناقضا. ينعكس هذا أيضا في بيان اجتماع موسكو في فبراير 2019، حيث صرح كبير المفاوضين الطالبانيين، ستاناكزاي، هناك أن حقوق المرأة “فُرضت على المجتمع الأفغاني”، وأنه “باسم حقوق المراة كان هناك عمل من أجل إشاعة الابتذال الأخلاقي، والسفور ونشر ثقافة غير إسلامية”.
————————
توماس روتيغ: مدير ومحلل أول في “شبكة محللي أفغانستان”، وهي منظمة بحثية في كابول وبرلين
———————–
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي ومراجع الدراسة باللغة الإنجليزية من هنا