رؤى

هل تغيرت طالبان؟ (2 – 2)

عرض وترجمة: أحمد بركات
كان فرض القيود على حقوق الفتيات والنساء سمة رئيسية في السياسة التعليمية الطالبانية منذ أن تقلدت حركة طالبان حكم أفغانستان وحتى خريف 2001. ففي طريقهم إلى سدة السلطة بين عامي 1994 و1996، وما بعد ذلك، اعتاد قادة طالبان بصورة شبه آلية إغلاق المدارس ، وبخاصة مدارس الفتيات، في المناطق التي سيطروا عليها.

وفي بعض المناطق، تم تحويل مدارس الفتيات إلى مدارس للبنين. وفي وقت تقلدها السلطة، تم حصر تعليم الفتيات على البنات قبل سن البلوغ. والتزمت المعلمات المنازل، ولم يسمح للمعلمين الذكور بتعليم  الفتيات. وتأثر تعليم البنين أيضا بالحظر الذي فرضته السلطات الطالبانية على المعلمات، حيث بلغت نسبة المعلمات في جميع المدارس الحكومية في أفغانستان 70% من إجمالي عدد المعلمين. ولا تزال الحركة تنظر إلى المدارس باعتبارها مدخلا لنشر القيم الغربية.

ولا تقتصر مقاربة نظام طالبان لتعليم الفتيات  على الإغلاق الشامل فحسب، وإنما تمتد أيضا إلى فرض قيود صارمة وسيطرة مطلقة. ففي عام 1998، أعلنت طالبان أن المدارس (بما فيها مدارس الفتيات) “لن يسمح لها بتعليم  الفتيات فوق سن الثامنة، وأن مدارس الفتيات يجب ترخيصها، وأنها ستكون مطالبة بقصر مناهجها على القرآن”.

ومن أجل منح هذه الإجراءات شكلا من أشكال القوة وإدخالها حيز التنفيذ، تم إغلاق حوالي 100 مدرسة في يونيو 1998. رغم ذلك، استأنفت العديد من المدارس المغلقة عملها مع تراجع الضغوط الفورية التي مارستها السلطة.

وحتى أثناء حكم طالبان، كان هناك عدد من مدارس الفتيات والمدارس المختلطة التي تعمل في كابول وفي أماكن أخرى. وكان بعضها يعمل في سرية تامة، ويديرها في الغالب معلمات أو ناشطات، وتدعمها ماليا منظمات مجتمع مدني أجنبية.

وبحسب إحصاء أجري في عام 1997، كان هناك “422 مدرسة للبنين، و125 مدرسة للبنات، و87 مدرسة مشتركة، وكانت جميعها مدارس ابتدائية أو مدارس منزلية” في 10 مقاطعات على أقل تقدير.

وسمح لبعض المدارس الاجنبية المختلطة والتي تديرها المنظمات غير الحكومية بالعمل بعد أن توصلت إلى اتفاقات مع السلطات الطالبانية. وقامت إحدى المنظمات غير الحكومية الألمانية (COFAA) بإدارة برنامج مدرسي في 13 مدرسة معظمها في كابول بإجمالي عدد طلاب 10 آلاف طالب، حيث تم تطبيق برامج تدريب للمعلمين بالاتفاق مع وزارة الشؤون الدينية في طالبان.

وكان نصف التلاميذ في هذه المدارس من الفتيات. واستمرت هذه المدارس حتى الصف السادس، متجاوزة بذلك الحد الأقصى للعمر المحدد في وقت سابق بثمانية أعوام. وفي عام 2000، قالت يولا أسبيرغ، المديرة الإقليمية للجنة السويدية لأفغانستان (SCA)، لوسائل الإعلام إن اللجنة أدارت مدارس بقوة 200 ألف طالب، من بينهم 37 ألف فتاة، على أساس بروتوكول تم الاتفاق عليه مع وزارة التربية والتعليم الطالبانية.

وقبل ذلك بعام، أفادت اللجنة السويدية لأفغانستان أنها قامت بإدارة 567 مدرسة، أغلبها كانت مدارس رسمية (إلى جانب 39 مدرسة منزلية)، وكثير منها في مناطق ريفية. وأشار تقرير حكومي أميركي إلى حالات نجحت فيها بعض المجتمعات في المناطق التي “استولت عليها طالبان حديثا، في تقديم التماس لممثلي طالبان لإعادة فتح المدارس”.

وفي أثناء عام 1999، تم تعليم 300 ألف إلى 350 ألف طفل في المدارس التي كانت  تديرها، أو تمولها وكالات مساعدة مختلفة ومنظمات غير حكومية. وبحلول ديسمبر 2001، كان ما يقدر بـ 500 ألف تلميذ وتلميذة   في أفغانستان مسجلين في مدارس تدعمها منظمات غير حكومية (دون تحديد لنسبة كل نوع).

وفي تقرير عن ممارسات حقوق الإنسان في أفغانستان في عام 2000، نقلت الحكومة الأميركية عن تقرير صادر عن “اليونيسف” أن “قرابة 25% إلى 30% من الأولاد، وحتى 10% من البنات كانوا يتلقون شكلا ما من أشكال التعليم المدرسي”. لكن تقريرا صادرا عن  “اليونسكو” أشار إلى أعداد أقل بلغت 3″% فقط من البنات الأفغانيات اللاتي يتلقين تعليما ابتدائيا مقارنة بـ 39% من البنين”.

وبرغم أنه، بوجه عام، كانت الترتيبات المتعلقة بالمدارس في الجزء الذي تسيطر عليه طالبان في أفغانستان متقلبة إلى حد ما، إلا أن القيود التي فرضتها طالبان لم يتم تطبيقها بشكل كامل، وتركت الحركة الأمر في بعض الأحيان لمطالب السكان المحليين أو المنظمات غير الحكومية، والتي كانت تصب في استمرار النظام التعليمي، بما في ذلك تعليم الفتيات، حتى لو في ظل القيود.

لطالما أعلن قادة طالبان أنهم لا يعارضون التعليم، بما في ذلك تعليم الفتيات، من حيث المبدأ. وألقوا باللائمة على الأوضاع الأمنية السيئة ونقص التمويل في إعاقة تعليم البنات. ومع عودة الأمن إلى ربوع البلاد، وعد قادة الحركة بإعادة فتح المدارس. لكن مع نهاية نظام طالبان، بدت حجة الحركة في غياب الأمن جوفاء، حيث كان القتال مشتعلا في أجزاء قليلة من البلاد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مقاربة طالبان التقييدية للتعليم كانت تعكس معتقدات متشابهة واسعة الانتشار في القطاعات المحافظة في المجتمع الريفي الذي انطلقت منه الحركة. لكن من المهم أيضا أن نلحظ أن توجهات أكثر اتساعا كانت فعليا بدأت تتغير قبل وصول طالبان إلى السلطة. فكثير من اللاجئين الأفغان الذين اضطروا للفرار إلى باكستان أثناء الحرب ضد الاتحاد السوفيتي السابق كانوا يقدرون التعليم الذي تلقونه هناك، بما في ذلك تعليم الفتيات.

وفي ترتيباتها مع الحكومة بشأن التعليم، وضعت طالبان شروطا بشأن كيفية عمل المدارس في المناطق التي تحكمها. ووضعوا قيودا على المناهج تقضي في الغالب بعدم السماح بتدريس المواد ’الغربية‘ مثل العلوم الاجتماعية والثقافة واللغة الإنجليزية للبنات، أو تقليل المساحة الزمنية المخصصة لدراسة هذه المواد مع تكثيف المواد الدينية. كما أجبروا الحكومة على الاستعانة بعناصر موالية لطالبان، أو مقاتلين طالبانيين سابقين كمعلمين، أو حاولوا ضم المعلمين لصفوفهم ليكون لديهم واحد على الأقل في كل مدرسة يمكنه الإبلاغ عن المعلمين الآخرين في حال عدم الالتزام بالإجراءات التي حددتها الحركة.

وفرضت طالبان الضرائب على رواتب المعلمين، كما فعلت مع دخول جميع السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وصادروا رواتب المعلمين ’الوهمية‘، وغرموا المعلمين المتغيبين، وهو ما وجد صدى طيبا لدى السكان المحليين، الذين يدين كثير منهم بالفضل للحركة، وليس الحكومة، في استمرار المدارس.

وبرغم النهج ’الناعم‘ الذي استخدمته طالبان تجاه قطاع التعليم، لا تزال رحى معركة السيطرة على التعليم والمدارس في أفغانستان دائرة، خاصة في المناطق المتنازع عليها. فهناك، تستخدم المدارس، التي غالبا ما تكون المباني الأكثر تطورا في بعض المناطق، كقواعد عسكرية مؤقتة سواء من قبل القوات الحكومية، أو قوات طالبان، كما تستخدم أيضا كمراكز اقتراع أثناء الانتخابات ما يجعلها مستهدفة بشكل عام.

———————————

توماس روتيغ: مدير ومحلل أول في “شبكة محللي أفغانستان”، وهي منظمة بحثية في كابول وبرلين

———————–

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي ومراجع الدراسة باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock