عرض وترجمة: أحمد بركات
كان جون جايرو كاستو بالانتا في العشرين من عمره عندما بدأ لأول مرة تنظيم عمال الموانيء في مدينة بوينافينتورا الكولومبية الساحلية. وفي أعقاب خصخصة الميناء في عام 1993، لاحظ بالانتا تراجع الأجور بدرجة كبيرة. وكان شاهدا على تفشي “الاستغلال، والتمييز، والإذلال، والاعتماد على الموارد الخارجية، وغير ذلك من الانتهاكات”.
بعد ذلك، أصبح كاسترو بالانتا رئيسا لاتحاد عمال ميناء بوينا فينتورا. وفي عام 2011، سافر إلى واشنطن أثناء مفاوضات اتفاقية تعزيز التجارة بين الولايات المتحدة وكولومبيا ليدلي بشهادته أمام الكونجرس على أوضاع العمال السيئة.
وفي ذلك الوقت تقريبا، بدأت التهديدات بالقتل تلاحقه، كما يتذكر أثناء حديثه إلى مجلة “فورين بوليسي” عبر الهاتف من نيويورك، حيث يعيش الآن كلاجئ سياسي بعد هروبه من بوينافينتورا في نوفمبر 2020.
سخط واستياء
تقع مدينة بوينا فينتورا التي يبلغ تعداد سكانها حوالي 460 ألف نسمة، وتنتشر على أرضها البطالة وعنف العصابات، على ساحل المحيط الهادئ في كولومبيا. وعلى مر السنين، حط الكولومبيون النازحون، بسبب الصراع الدائر في المدن الكولومبية غير الساحلية، رحالهم في هذه المدينة، حيث عاش كثير منهم في فقر مدقع. ويعتبر الميناء، الذي تتحرك عبره أكثر من نصف صادرات وواردات كولومبيا خروجا ودخولا، مصدر العمل الرئيسي في هذه المدينة.
لكن حالة السخط والاستياء تواصل تصاعدها بين سكان مدينة بوينا فينتورا، لأن الأموال القليلة التي تتدفق عبر الميناء لا تثري المدينة التي تعيث في أرجائها الجماعات المسلحة التي تسيطر على كل أوجه الاقتصاد، وترفع الأسعار حتى على المواد الغذائية الأساسية.
ويقول بالانتا وغيره من سكان المدينة إن السكان المحليين لا يتم توظيفهم إلا في الأعمال الوضيعة، ولا يحصلون على رواتب تسد رمقهم، أو يستفيدون من مزايا الضمان الاجتماعي، ويواجهون تهديدات بالقتل إذا حاولوا تنظيم نقابات أو تشكيل اتحادات. ويعمل الموظفون في الغالب 24 إلى 36 ساعة في الدورية الواحدة، ويبقون أحيانا لمدة 23 يوما دون العودة إلى منازلهم، حتى يتم تحميل السفينة.
اتفاقية التجارة الحرة
هذه الانتهاكات التي ترتكب بحق العمال هي التي أعاقت صياغة اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكولومبيا قبل توقيعها أخيرا في عام 2012، حيث استنكر المشرعون الأمريكيون توقيع هذه الاتفاقية مع دولة يُقتل فيها النقابيون ويفلت قاتلوهم من العقاب. وتوقع البعض أن هذه الاتفاقية ستكون الأولى من نوعها التي يتم التصويت عليها بالرفض في الكونغرس الأمريكي.
وللمضي قدما باتجاه إتمام الاتفاق، وقع الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، والرئيس الكولومبي آنذاك، خوان مانويل سانتوس “خطة عمل حول حقوق العمال” تضمنت التزاما بمواجهة العنف الموجه ضد أعضاء الاتحادات العمالية، وملاحقة مرتكبيه قضائيا.
وفي الوقت الذي تم فيه إبرام الاتقاقية – في وقت قريب من بدء المفاوضات الرسمية لإنهاء الحرب مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية – قالت لجنة “شراكة الأعمال بين الولايات المتحدة وكولومبيا” إن هذه الاتفاقية سوف “تعزز المؤسسات الديمقراطية في كولومبيا التي تخضع لتهديدات الجهات المتبنية للعنف في المجتمع الكولومبي، مثل المليشيات العصابية، وقوات الدفاع عن النفس، ومهربي المخدرات”، وتوفر “المزيد من فرص العمل الأكثر قانونية”.
ولكن، مع احتفال الدولتين بمرور ما يقرب من عقد من الزمان على توقيع هذه الخطة، لم يتحقق سوى القليل من تلك الوعود. ولم يزدد عنف العصابات والبطالة وتجارة المخدرات إلا رواجا. واكتسبت بوينافينتورا سمعة سيئة في الآونة الأخيرة بسبب ما عُرف بـ”بيوت االتقطيع”، حيث ينتهي المطاف بضحايا تعذيب العصابات والجماعات المسلحة ببتر أعضائهم.
وفي عام 2020، صنف ناشطون حقوقيون كولومبيا كأكثر دول العالم دموية، وتم قتل 172 نقابيا منذ تنفيذ “خطة عمل حقوق العمال”. ويؤكد السكان أن زيادة التجارة أدت إلى زيادة عنف العصابات حيث تتنافس الجماعات المسلحة على السيطرة على الأراضي المخصصة لتوسيع الميناء.
ربما كان لدى الرئيسين أوباما وسانتوس نوايا طيبة بشأن “خطة العمل العمالية”، لكن الخطة كانت تفتقر إلى آلية تنفيذ. في هذا السياق قال دانيال رانجيل، مدير أبحاث Global Trade Watch التابعة لمجموعة Public Citizen، المدافعة عن حقوق المستهلك: “كثير من التغيرات المؤسسية وكثير من السياسات التي كان يجب أن تبدأ، لم يتم تنفيذها كما يجب، وأحيانا لم تبدأ على الإطلاق. وبمجرد تمرير الاتفاقية في الكونغرس الأمريكي، لم تقدم حكومة سانتوس أي شيء لاستمرار هذه الأنواع من الالتزامات”.
وأضاف: “نظرا لأن الاتفاقية لم تكن جزءا من الصفقة الرئيسية، فقد كان من الصعوبة بمكان على أصحاب المصالح جعل الحكومة الكولومبية مسؤولة بسبب هذا القصور في إنفاذ الالتزامات”.
ويخمن كل من رانجيل وبالانتا أنه إذا كان الكونغرس الأمريكي انتظر لفترة أطول قبل تمرير الاتفاق، ربما لتمكن من تحفيز حكومة سانتوس على إجراء المزيد من التغييرات الملوسة من خلال الاستفادة من اتفاقية التجارة. “كان يمكن أن تكون اتفاقية التجارة أكثر عونا، لكنني أعتقد أنهم في غمرة حماستهم، أو بسبب ضغوط كبار رجال الأعمال والشركات متعددة الجنسيات، قامت الحكومتان بقلب الصفحة، كما قال بالانتا.
وأضاف: “كانت كولومبيا تكذب بشأن امتثالها، وصمًت الحكومة الأمريكية آذانها عن البيانات المختلفة التي أصدرتها المنظمات غير الحكومية والنقابات واللجان العمالية، والتي أكدت أن الأمور لم تتحسن على الإطلاق”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جينيفيف جلاتسكي – كاتبة في “بوليتيكو”، و”إندبندنت”، وغيرهما
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا