عرض وترجمة: أحمد بركات
في مارس الماضي قام الجنرال كينيث (فرانك) ماكينزي، قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، بجولة سريعة في العراق وسوريا وأفغانستان ولبنان، حيث يوجد مسرح العمليات الأمريكي الأكثر تقلبا في العالم، والذي شهد، في حروب ما بعد سبتمبر، مقتل 7 آلاف جندي أمريكي، وجرح 54 ألفا آخرين.
ومع تولى الرئيس جو بايدن السلطة انخفض وجود القوات الأمريكية في هذه الدول الأربعة إلى 2% فقط مما كانت عليه في ذروة انتشارها، وعلى المستوى الفني، لم تعد هذه الفرق تمارس القتال، وباتت مهامها محصورة فقط في المساعدة في تجهيز الحلفاء المحليين، ورسم الاستراتيجيات، ومشاركة، أو الحصول على، المعلومات الاستخباراتية، وتوفير القوة الجوية في بعض الأحيان، ودعم عمليات السلام المحلية.
ومع ذلك، قد تكون هذه المرحلة الأخيرة من الاشتباكات العسكرية الأمريكية هي الأكثر إرباكا. فكما تبدو الأمور الآن، لا تستطيع الولايات المتحدة “تحقيق النصر” في أي بلد، إذ لا يزال حلفاؤها ضعفاء عسكريا، بينما اكتسب خصومها القوة. كما أن البيئة السياسية في جميع هذه البلدان حافلة بالتعقيدات وربما ازدادت الأوضاع سوءا عما كانت عليه عندما جاءت الولايات المتحدة لأول مرة.
السلام بشرف
منذ آلاف السنين، أعرب السياسيون، من شيشرون إلى ونستون تشرشل وريتشارد نيكسون عن رأيهم في “السلام بشرف” لإنهاء الاشتباكات العسكرية. كما أبدع الكُتاب من شكسبير وإدموند بروك وغيرهما في الكتابة عن هذا السلام. ويعتبر بايدن الرئيس الرابع الذي يحاول تحقيق ذلك في الشرق الأوسط وجنوب آسيا في القرن الحادي والعشرين. ويوجد الكثير من الجدل في واشنطن بشأن ما يجب عليه أن يفعله، وما إذا كان على الولايات المتحدة ببساطة أن تحزم أمتعتها وتنسحب من المنطقة، على غرار ما فعلته في فيتنام في 1973، وفي لبنان في 1984، تحت ضغط جماعات مسلحة مستعدة للتضحية بمزيد من الأرواح.
بالنسبة لبايدن، فإن إرثه يتمثل في أحد نقيضين بالنسبة للأمريكيين ، إما رئيس ينتشل أمريكا من مستنقعات الشرق الأوسط، أو قائد يتنازل عن الأرض لجهاديي تنظيم الدولة ونظام الأسد في سوريا، وللمتطرفين السنة والمليشيات الشيعية المسلحة في العراق، وحزب الله في لبنان، وطالبان في أفغانستان، ناهيك عن روسيا التي لديها الآن إمكانية الوصول إلى قواعد في البحر المتوسط، في سوريا وفي ليبيا وفي الغرب أبعد مما كانت عليه في أي وقت مضى. ومن ثم، فإن شرعية بايدن ستشكل شرعية أمريكا.
تزامنت رحلة ماكينزي مع “عملية الأسد المتأهب”، وهي حملة جوية ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية على طول الحدود العراقية مع سوريا، حيث نفذت الطائرات الحربية الأمريكية 133 ضربة جوية على مدى عشرة أيام (ما يفوق ما شهده عام 2020 بالكامل)، وقصفت من خلالها عشرات الكهوف الجبلية والمعاقل الصحراوية. وبعد عامين من انهيار تنظيم الدولة الإسلامية في مارس 2019، لا يزال هناك بين ثمانية آلاف وستة عشر ألف من مقاتلي التنظيم ينفذون عمليات اغتيال وتفجيرات انتحارية في العراق وسوريا، حسبما أفاد تقرير صادر عن البنتاجون في فبراير الماضي.
وقتلت آخر غارات جوية أمريكية أقل من 30 مقاتلا. وتكمن المشكلة الموازية في أن النقاط الساخنة في العراق (تقاسم السلطة السياسية وعائدات النفط بين الكتل الطائفية والإثنية والسياسية) لم يتم حلها بعد 18 عاما من إسقاط نظام صدام حسين من قبل الولايات المتحدة. حتى القضاء على تنظيم الدولة قد لا ينهي التهديد لأن التوترات التي أنتجت التطرف لم يتم علاجها، وبعبارة أكثر تحديدا، فإن الظروف التي أنتجت داعش لا تزال قائمة.
وبنفس الدرجة من الخطورة تأتي المليشيات الشيعية الجديدة في العراق، التي تشكلت لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في الفترة بين عامي 2014 و2017، ثم انتقلت ماديا وسياسيا إلى المساحات التي خلفها الجهاديون السنة.
صُنع الدوائر الشريرة
في هذا السياق، يعاني الرؤساء الأمريكيون من عادة سيئة تتمثل في القضاء على طرف شرير فقط لخلق دائرة من الأشرار الجدد الذين يشكلون تهديدات عسكرية محلية أو عالمية أكبر. وتقدم العراق نموذجا صارخا على ذلك. فقد تعهد رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، وهو شيعي، باستخدام نفوذه المحدود لكبح جماح المليشيات الشيعية، التي هاجمت كلا من السفارة الأمريكية والقواعد العراقية التي يستخدمها الجيش الأمريكي.
وكان شرطا على القوات الأمريكية، التي انخفض عددها من 165 ألفا في عام 2007 إلى 2500 فقط الآن، أن تبقى وتقاتل تنظيم الدولة. لكن الكاظمي لم يحقق نجاحا كبيرا. وينقسم الشيعة في العراق الآن إلى مؤيدين للكاظمي وداعمين للمليشيات، ويتمحور الخلاف بين المعسكرين حول رغبة كل منهما في بقاء الولايات المتحدة، أو رحيلها. وتزداد الهوة مع اقتراب الانتخابات في أكتوبر القادم، حيث يخشى المسؤولون الأمريكيون من اندلاع حرب أهلية بين الفصائل الشيعية.
وفي سوريا، زار ماكينزي “القرية الخضراء” وهي عبارة عن تجمعات سكنية متداعية بالقرب من منشأة نفطية تعرضت للقصف والتي كانت تستخدم كمقر عملياتي لضرب دولة الخلافة الداعشية في عام 2019.
في هذه الأيام، يأتي العمل العسكري الوحيد هناك من قبل القوات الأمريكية التي تطلق مدافع الـ “هاوتزر”، عيار 155 مليمتر، مرتين أسبوعيا في الصحراء المحيطة دون هدف محدد، فقط لتعلن عن وجودها. وقال ماكينزي إن الوجود العسكري الأمريكي (تسعمائة جندي في المحافظات الشمالية الشرقية) يوفر “قدرات تمكينية حاسمة” لقوات سوريا الديمقراطية، التي لا تزال تخوض حربا برية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
(يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روبن رايت – زميلة في جامعة كاليفورنيا، في مدينة سانتا باربارا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا