رؤى

وداعًا محمد مهران.. عيون الوطن

عن عُمر يناهز ٨٣ عاماً٫ ترجل فارس آخر من فرسان الوطن هو المناضل البورسعيدي محمد مهران الذي انتقل الى جوار ربه بعد مسيرة حافلة بالكفاح الوطني.

كان مهران الذي وُلد عام ١٩٣٨ أحد أبرز رموز ووجوه المقاومة الشعبية التي خاضها شعب مدينة بورسعيد ضد قوات العدوان الثلاثي إبان معركة قناة السويس عام ١٩٥٦ واحد الذين ضحوا من اجل الوطن وكرامته واستقلاله بأعز ما يملك وهو نور عينيه.

محمد مهرانبطل في الأسر

مع بداية العدوان على مصر في اكتوبر من عام ١٩٥٦ الذي  حدث  نتيجة اتفاق بين حكومات ثلاث : حكومة جي موليه الفرنسية وانطوني ايدن البريطانية وديفيد بن جوريون الصهيونية بهدف اسقاط نظام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي اتخذ قرارا تاريخياً بتأميم شركه قناه السويس٫  وقد لجأت القيادة المصرية  إلى أسلوب الحرب الشعبية لمواجهة العدوان ووزعت السلاح على المتطوعين من أفراد الشعب ونظمت صفوفهم فيما عُرف باسم الحرس الوطني.

وكان مهران أحد المتطوعين الذي حملوا السلاح للدفاع عن الوطن وخاض تدريبات خاصة أهلته لأن يتولى قيادة إحدى السرايا.

خاض مهران مع رفاقه معركة حامية الوطيس ضد  المظليين البريطانيين الذين بدأ إنزالهم على مدينة بورسعيد في محاولة لاعادة احتلال منطقة القناة وصمد مع سريته طويلاً رغم القصف الوحشي الذي شنه طيران العدوان على المدينة٫ إلا أنه في النهاية أصيب وتم أسره على يد الجنود البريطانيين.

نقل البريطانيون مهران الى قاعدتهم في جزيرة قبرص حيث تعرض لتعذيب وحشي بغرض انتزاع معلومات منه وهو ما رفضه مهران تماماً.

العمى أهون من خيانة الوطن

حين لم يجد ولم ينفع  التعذيب مع المناضل المصري الصلب٫ لجأ الغزاة الى المساومة حيث ساوم طبيب انجليزي مهران وعرض عليه عرضاً عجيباً وهو انه مخير بين ان يفقد كلتا عينيه أو أن يكتفي بفقأ عين واحدة ومنح قرنيتها لجندي انجليزي فقد عينه في مواجهات بورسعيد٫   وخلافا لكل المواثيق الإنسانية ولحقوق الأسرى مضى الطبيب الإنجليزي الحقير  في محاولة فاشلة لمساومة البطل مهران  مؤكدا له أن  الإبقاء على عينه له ثمن وهو ان يدلي الفدائي المصري بحوار إذاعي عبر اذاعة تابعة لدول العدوان يؤكد فيه-كذباً- أن الشعب المصري في بورسعيد قد استقبل قوات العدوان بالترحاب وأنه قد انقلب على النظام الحاكم.

تظاهر مهران بالموافقة وما آن وضعه الغزاة أمام ميكروفون الإذاعة لكي يدلي بالحديث المتفق عليه حتى فاجأ البطل المصري الجميع وصاح قائلاً: «تعيش مصر حرة كريمة ويحيا عبدالناصر سنهزمكم ونقتلكم».

جن جنون الغزاة وانهوا الحوار وصفع احدهم مهران ونقل الى المستشفي حيث اقتلع الجلادون عينيه وحين أفاق مهران صاح بجلاديه “اقتلعتم عيني ولكن لا تستطيعون ابداً أن تقتلعوا وطنيتي مني”.

اٌعيد مهران إلى بورسعيد٫ ونما ذلك إلى علم قائد العمل الفدائي في منطقة القناة كمال الدين رفعت الذي استطاع في عملية أمنية معقدة أن يختطف مهران من مقر القيادة البريطانية في بورسعيد وينقله الى مستشفى عسكري في القاهرة.

الفدائي محمد مهران وزوجته الحاجة حميدة إسماعيل
الفدائي محمد مهران وزوجته الحاجة حميدة إسماعيل

تلقى مهران العلاج هناك٫ وحين تماثل للتعافي فوجئ بزيارة من الرئيس عبد الناصر الذي طلب منه أن يعيد على مسامعه ما جرى معه في قبرص٫ وحين فرغ مهران من رواية قصته قال الرئيس : “لقد ارتكب الإنجليز خطآ فادحاً يا مهران٫ اقتلعوا عينيك ظناً منهم أنك  ستكون عبرة٫ والحقيقة انك ستكون قدوة لكل مصري ولكل عربي ولكل حر”.

وفي ديسمبر ١٩٥٦ انتصر مهران وكل من هم مثله على جيوش العدوان حين أُرغمت هذه الأخيرة على الانسحاب من مصر دون أن تحقق اياً من اهداف عدوانها.

أما مهران فقد أخذ على عاتقه مهمة لا تقل أهمية عن نضاله وجهاده في ساحة المعركة وهي حفظ الذاكرة الوطنية ونقل بطولات الأجداد الى الاجيال الجديدة والصاعدة حيث عمل في متحف بورسعيد الحربي معنياً بالتوجيه المعنوي وتقديم المعلومات التاريخية للزائرين لا سيما  طلبة المدارس الذين رأوا فيه قدوة ومثالاً يحتذى.

رحل محمد مهران بعد حياة حافلة بالعطاء الوطني والإنساني ليلحق برفاقه من جيل المقاومين في بورسعيد الذين سبقوه الى العالم الاخر مثل محمد حمد الله وسيد عسران وغيرهم من حماة الوطن وعيونه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock