رؤى

كيف وحدت قضية “الشيخ جراح” الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وخارجه

عرض وترجمة: أحمد بركات

شيء ما يحدث الآن في الآونة الأخيرة لم يحدث منذ سنوات داخل الحركة الموالية للفلسطينيين؛ لقد تحول نضال سكان القدس الفسطينيين ضد طردهم من ديارهم من قبل منظمات تسعى إلى توطين يهود في حيهم إلى قضية فلسطينية جامعة. وتبنى هذه القضية سكان القدس الشرقية وصولا إلى المدن العربية في إسرائيل وحتى الفلسطينيين في قطاع غزة. ولا أحد يفهم حقا أسباب ذلك.

يقاتل فلسطينيو “الشيخ جراح” في القدس الشرقية منذ قرابة عقد ونصف من الزمان ضد طردهم من قبل منظمات يهودية لإحلال مستوطنين يهود محلهم. ومنذ أكثر من عشر سنوات، تخرج مظاهرات شعبية أسبوعية في كل جمعة يشارك فيها إسرائيليون وفلسطينيون ضد جهود توسيع نطاق الوجود اليهودي في هذا الحي.

وصدمت إسرائيل منذ شهر بمقطع مصور لضباط شرطة يضربون عضو الكنيست من القائمة المشتركة، عوفر كاسيف، في أحد الاحتجاجات في حي “الشيخ جراح”. ولكن، قبل ذلك، فيما عدا فترات قليلة، فشلت جهود تمديد الاحتجاجات إلى نطاق شعبي أكبر. حتى في داخل القدس الشرقية، كان يُنظر إلى هذه القضية باعتبارها قضيىة محلية ترتبط فقط بسكان هذا الحي، إذ كما كان سكان قرية “العيسوية” في القدس الشرقية يكافحون ضد عنف الشرطة، أو كما كان أهالي قرية “سلوان” يحتجون على عمليات الحفر في المناطق الأثرية، كان سكان “الشيخ جراح” يقاومون الجهود اليهودية لإخلائهم.

فلسطين الشيخ جراحلكن في الآونة الأخيرة، يبدو أن “الشيخ جراح” صار رمزا. فالشباب الفلسطيني الذين كانوا يجتمعون عند باب العامود في القدس منذ بداية شهر رمضان بدأوا يحثون الآخرين على الذهاب إلى “الشيخ جراح” بعد الانتهاء من الصلاة في المسجد. وكانت ’الوفود‘ تأتي إلى “الشيخ جراح” كل ليلة.

واتسمت ردة فعل الشرطة الإسرائيلية بالقمع والعنف، فعمدت إلى تفريق الوافدين بالقوة. ولم تتلاشى رائحة السائل كريه الرائحة الذي أطلقته الشرطة على الحي في أعقاب الاشتباكات الليلية التي وقعت مؤخرا، والتي تضمنت عمليات اعتقال، واستخدام الغاز المسيل للدموع وانتشار قوات الخيالة.

وجاءت دائرة دعم أوسع من المواطنين العرب في “أم الفحم” و”يافا” وغيرهما الذين أعربوا عن دعمهم للشيخ جراح، وتوافدوا على الحي في احتجاجات الجمعة. وفي يوم الأربعاء من هذا الأسبوع نشطت حركة التظاهرات أيضا في وسط أم الفحم بسبب هذه المشكلة.

فلسطين الشيخ جراح

وشكلت تصريحات القائد السري للجناح العسكري من حماس، محمد الضيف، الذي نقلت عنه وسائل إعلام فلسطينية قوله “إذا لم تتوقف إسرائيل عن مهاجمة سكان حي “الشيخ جراح”، فلن نقف مكتوفي الأيدي، وسيدفع العدو ثمنا فادحا” مصدرا آخر للدعم.

كما قدمت قضية “الشيخ جراح” موضوعا ساخنا للنقاش على وسائل التواصل الاجتماعي. فقبل أيام، حققت النسخة العربية من هاشتاج “#انقذواالشيخ جراح” المركز الرابع في إسرائيل على “تويتر”، متقدمة على النسخة الإنجليزية. واجتذب كل واحد منهما عشرات الآلاف من التغريدات وإعادة التغريدات. وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي أيضا بمقاطع الفيديو، والرسوم الكاريكاتورية والبيانات دعما لسكان حي “الشيخ جراح”.

مرة أخرى، لم يكن سبب فورة هذا الحراك واضحا بالكامل. لا شك أن إحساس النصر الذي اجتاح فلسطينيي القدس في أعقاب قرار الشرطة الإسرائيلية بالتراجع، وإزالة الحواجز التي وضعت للسيطرة على الحشود عند باب العامود شجع الشباب على البحث عن قضية جديدة.

بالإضافة إلى ذلك، بدت حركة حماس وكأنها كانت تبحث عن أسباب لتصعيد التوتر مع إسرائيل بشأن القدس، بعد أن قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. وأطلقت حماس صواريخ من غزة دعما للفلسطينيين في القدس على الحواجز الموجودة عند باب العامود.

فلسطين الشيخ جراح

لكن كل هذا يأتي في مرتبة لاحقة على الدراما القانونية التي ظهرت مؤخرا من جديد. فمنذ 30عاما تقريبا، واجه السكان الفلسطينيون في “الشيخ جراح” مخاطر الإخلاء بحجة أنهم يعيشون على أرض تم شراؤها من قبل يهود في نهاية القرن التاسع عشر بالقرب من قبر سمعان العادل. المعركة القانونية تدور رحاها بين السكان الفلسطينيين وشركة نخلات شمعون، التي يسيطر عليها نشطاء يمينيون يسعون إلى تسكين اليهود في هذا الحي.

وفي الأشهر الأخيرة، عانى الفلسطينيون من سلسلة من الهزائم القانونية، ما وضع حوالي 300 مواطنا فلسطينيا من سكان “الشيخ جراح”، بما في ذلك عشرات الأطفال، على شفا الإخلاء الفوري. وعلى عكس عمليات الإخلاء السابقة، فإن عدد الحالات الآن يمثل دليلا يدعم ما يذهب إليه الفلسطينيون بأن ما يحدث على الأرض ليس نزاعا مدنيا على الأرض على المستوى المحلي، وإنما محاولة متعمدة ومنسقة لتغيير طبيعة وشخصية منطقة بأكملها عن طريق جلب سكان من اليهود.

وفي يوم الخميس 13 مايو، من المقرر أن يقوم نواب عن منظمات فلسطينية ويهودية بإبلاغ المحكمة العليا عما إذا كانوا توصلوا فيما بينهم لتسوية قانونية. ويجب أن يتضمن الاتفاق، التي تؤكد جميع الشواهد أنه لم يتحقق، إصدار بيان بالاعتراف المتبادل، حيث يعترف الفلسطينيون بحق اليهود في الأرض، فيما يعترف اليهود بحق الفلسطينيين كمستأجرين محميين، ليكون بيت القصيد هو تأجيل الإخلاء، في مقابل أن يصبح مؤكدا في نهاية المطاف.

فلسطين الشيخ جراح

وفي حال عدم الاتفاق، ستضطر قاضية المحكمة العليا، دافني باراك إيريز، إلى البت في طلب الفلسطينيين الإذن بتقديم استئناف آخر للمحكمة العليا، بعد أن أكدت محكمة القدس الجزئية الإخلاء. وفي حال اتخذت قاضية المحكمة العليا قراراها ضد الفلسطينيين، فإن العشرات من السكان سيواجهون خطر الإخلاء الفوري في منتصف الشهر، بعد نهاية شهر رمضان. وسيشهد أغسطس موجة أخرى من الإخلاءات.

ونظرت الإجراءات القانونية في حدود قطع الأراضي التي اشتراها اليهود، وطبيعة الشراء، وقانون الأراضي العثماني ذي الصلة بهذه القضية، وحقوق الفلسطينيين الذين استوطنوا في هذا الموقع بجوار الحكومة الأردنية والأمم المتحدة في خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت الأردن تسيطر على القدس الشرقية. كما يشتمل الأمر أيضا على النظر في الإجراءات القانونية على مدى السنوات الأربعين الماضية.

لكن قد يُنظر إلى كل هذه الأمور من الناحية المجازية باعتبارها أشجار، وليست الصورة الكبيرة، أو الغابة، المتمثلة في السياسة الإسرائيلية في القدس التي تسمح فقط لليهود باستعادة الممتلكات التي تم التخلي عنها أثناء حرب الاستقلال في إسرائيل في عام 1948. فقط الفلسطينيون هم من يخضعون لإخلاء ديارهم حيث استقروا بشكل قانوني منذ 70 عاما.

كشفت الأسابيع الأخيرة أيضا أن ما يحدث في “الشيخ جراح” ليس محصورا في هذا الحي. ففي حال استمرت عملية الإخلاء، كما تأمل الجماعات اليهودية، وألقي المئات خارج بيوتهم، فإن هذا سيصعد بقوة من حدة التوترات الأمنية في القدس وغيرها. و ستتبدد آمال استعادة المدينة هدوءها مع انقضاء شهر رمضان.

*نير حسون ـ صحافي إسرائيلي

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock