رؤى

في هَبَّة القدس.. الفن سلاح أيضًا

“عَلَى هَذِهِ الأرْض ما يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ:

هُتَافَاتُ شَعْبٍ لِمَنْ يَصْعَدُونَ إلى حَتْفِهِمْ بَاسِمينَ

 وَخَوْفُ الطُّغَاةِ مِنَ الأُغْنِيَاتْ”.

هذه الأبيات الشعرية التي صاغها الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش لا يملك من يقرأها اليوم سوى أن يتساءل : هل كان درويش يكتبها بوحي مما يحدث اليوم على أرض فلسطين؟

تكاد الصورة التي ترد بشكل يومي من أنحاء الأرض المحتلة المختلفة تكون نسخة حرفية من تلك التي رسمها درويش في قصيدته٫ اذ أن كافة اللقطات٫ أو أغلبها على أقل تقدير٫ التي تُظهر قوات الاحتلال وهي تعتقل متظاهرين في القدس أو متضامنين مع أهالي الشيخ جراح  المهددين بالتهجير٫ تُظهر هؤلاء المعتقلين وهم يرسمون على وجوههم وشفاههم ابتسامات فيما يبدو وكأنها اتفاق ضمني غير مكتوب بينهم وهو أن يحرموا المحتل من لذة التشفي ساعة الاعتقال وأن يسخروا بابتساماتهم من الاحتلال وجبروته.

درس مريم

ولا أدل على “خوف الطغاة من الأغنيات” من ذلك المشهد الذي صاغته بشجاعتها وصمودها الفنانة الفلسطينية الشابة مريم عفيفي ابنة ال٢٦ ربيعاً وعازفه آلة الكونترباص الكلاسيكية في أوركسترا فلسطين للشباب والتي اعتُقلت على يد قوات الاحتلال في القدس وفي مشهد يظهر مدى استئساد جنود العدو على العُزَّل شرع جندي صهيوني في تقييد الفتاة المقدسية٫ إلا أن مريم المدركة لوجود الكاميرات سخرت من جلادها برسم ابتسامة عريضة على وجهها وتداولت مواقع التواصل مشهداً مصوراً لها  وهي صامدة رغم قيودها وتوبخ الجندي الصهيوني  باللغة الانجليزية.

“جنه .. يا وطنا”

وكما هو الحال مع مريم ٫ فإن أغلب المنتفضين في القدس والضفة والداخل المحتل اليوم يدركون تماماً قيمة الكلمة المغناة٫ وفي مشهد يبرز التلاحم بين الشعوب العربيه٫ اقتبس المدافعون عن القدس والمسجد الاقصى كلمات أغنية أبدعها الفنان العراقي ماجد المهندس وحولوها إلى هتاف في باحات الحرم القدسي الشريف :

“جنه جنه جنه

والله يا وطنا

يا وطن يا حبيب

يا ابو التراب الطيب

حتى نارك جنه”

الحق سلاحي.. وأقاوم

ومن الفنانين الحاضرين بقوة في هبَّة القدس رغم الحدود وتباعد المسافات الفنانة اللبنانية جوليا بطرس٫ المعروفة بأغانيها المؤيدة للمقاومة سواء في وطنها لبنان أو في فلسطين المحتلة.

بدأت علاقة جوليا بالأغنيات الوطنية منذ انطلاقتها في الثمانينات حين قدمت أغنيتها “غابت شمس الحق” المعبرة عن صمود أهالي جنوب لبنان في وجه الاحتلال الصهيوني لأراضيهم والذي انتهى باندحار المحتل عام ٢٠٠٠.

وفي أعقاب حرب يوليو (تموز) عام ٢٠٠٦ وفي لفتة متجاوزة للطائفية والحزبية٫ قدمت جوليا أغنيتها “أحبائي” التي حولت فيها كلمات الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله في رسالته الى المقاومين الى قصيدة مٌغناه وهي الأغنية التي لاقت رواجاً واسعاً في لبنان والعالم العربي بشكل عام.

حضرت بطرس مع المنتفضين في القدس حين تَغنَّي المعتصمون في حي الشيخ جراح بكلمات أغنيتها “الحق سلاحي” والتي أهدتها عام ٢٠١٤ الى المقاومة في غزة:

“الحق سلاحي وأقاوم

أنا فوق جراحي سأقاوم

انا لن استسلم

لن ارضخ

وعليك بلادي

لا اساوم”.

ومع بداية تساقط صواريخ المقاومة الفلسطينية على الداخل المحتل عادت الى الأذهان مرة أخرى اغنية أبدعها الفنانان الفلسطينيان شادي البوريني وقاسم النجار عام ٢٠١٤ بعنوان “اضرب تل ابيب” وهي أغنية تسخر من المحتل وقبته الحديدية المزعومة التي لم تنجح رغم تكلفتها الفائقة في حماية جبهته الداخلية ولامستوطنيه المستعمرين   الغاشمين  بينما تُحَيٍّي في الوقت ذاته المقاومة الصامدة في قطاع غزة المحاصر.

وفي وقت يبدو فيه العدو الصهيوني وجيشه الذي وُصف ذات يوم بأنه جيش “لا يقهر” متخبطاً وحائراً في مواجهة مشهد غير مسبوق متمثلاً في هذه الهبة الجماهيرية الشاملة٫ فان الشعب الفلسطيني المنتفض يبدو أنه يزداد يوماً بعد يوم ابداعاً لا على صعيد الميدان فحسب بل على صعيد الفن ايضاً الذي تمكن من تحويله الى سلاح لا يقل في فعاليته ولا في تاثيره على العدو عن الصواريخ التي تمطر مستعمراته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock