يعتبر مارتن لوثر كينج من أهم الشخصيات التي ناضلت من أجل الحرية و حقوق الإنسان. وقد أسس في هذا الاتجاه حركة المسيحية الجنوبية، وهي حركة هدفت إلى الحصول على الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيين في المساواة، وراح ضحية قضيته التي آمن بها منذ صغره. لقد سطر كينج اسمه بأحرف من نور في سجل الخالدين الذين دافعوا عن مبادئهم و قيمهم حتى لقي مصرعه في سبيل ذلك. وضرب أروع الأمثلة في التضحية و الفداء في سبيل المبادئ التي يؤمن بها . ومنذ نحو خمسة عقود أطلق مارتن لوثر كينج صرخته المدوية في إحدى خطبه التاريخية( لدي حلم) هذه الصرخة التي شكلت أيقونة رددها الأفارقة الأمريكيون مطالبين بكسر أغلال العبودية، ومنادين عبر منهج سلمي لا عنفي بالمساواة و العدالة و احترام الآخر بغض النظر عن جنسه ولونه و عرقه . لم يأت حلم كينج من فراغ ،وإنما جاء تتويجا لمسيرة نضالية بدأها منذ بواكير شبابه ،إحساسا منه بالظلم الواقع على شريحة السود في الولايات المتحدة الأمريكية، وإيمانا منه بأن طريق التحرر من نير العبودية و أغلال الاستغلال ليس بالضرورة أن يمر بالعنف و القتل و الدماء ،وإنما يمكن أن تكون الكلمة الصادقة و المسيرات السلمية و التعبير الرمزي طرقا سالكة نحو فضاء الحرية الواسع الفسيح. وهكذا كانت مسيرة هذا الثائر الحالم الذي شق طريقه وصنع مجده عبر فتح نافذة الرفض السلمي لمواطنيه الأمريكيين من أصول افريقية ،وعبر إعلانه الصارخ في تلك المسيرة الحاشدة التي شاهدتها الولايات المتحدة الأمريكية قبل نحو خمسة عقود أن لديه حلما. وهو ليس حلم مارتن كينج وحده ،إنما حلم ملايين الأمريكيين من أصل أفريقي الذين ضاقوا ذرعا بالمعاملة التمييزية والعنصرية ضدهم، معاملة كانت تصل إلى حد المنع من الجلوس في مقاعد الحافلات ،مما ولد غضب المواطنة الأمريكية من أصل اسود روزا باركس التي رفضت أن تقوم من مقعدها في إحدى الحافلات ليجلس عليه رجل ابيض. وهو الأمر الذي شكل سابقة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأشعل ثورة الرفض التي قادها فيما بعد مارتن لوثر كينج عبر نضال سلمي مستمر لا يعرف الكلل و لا الملل، نضال دفع ثمنه لاحقا حينما تم اغتياله عام 1968.هذه الحادثة التي خلدت اسم مارتن لوثر كينج وكرست صورته ثائرا من أجل الحرية و المساواة و العدالة.
نشأة في مناخ عنصري
نشا كينج وولد في مدينة أتلانتا التي كانت تعج بالتمييز العنصري ،وتحتوي على أبشع مظاهر التفرقة العنصرية ،ومن هنا كان يغلب على الصبي مارتن البكاء حينما يقف عاجزا عن تفسير لماذا ينبذه أقرانه من البيض. ولكن فيما بعد بدأ الصبي يفهم الحياة و يعرف هذه التصرفات ،ومع ذلك كان يتذكر قول أمه لا تدع هذا يؤثر عليك بل لا تدع هذا يجعلك تشعر أنك أقل من البيض فأنت لا تقل عن أي شخص آخر. ومضت السنوات و دخل كينج المدارس العامة عام 1935 ومنها مدرسة المعمل الخاص بجامعة أتلانتا ،ثم التحق بمدرسة بوكر واشنطون. وكان تفوقه على أقرانه سببا في التحاقه بالجامعة في آخر عام 1942،حيث درس بكلية مور هاوس التي ساعدت على توسيع مداركه وتقوية غرادته وزودته بالقدرة على اكتشاف الخدمة التي يستطيع أداءها للعالم. وفي سنة 1947 تم تعيينه مساعدا في كنيسة أبيه و صار قسيسا معمدانيا ،ثم حصل على درجة البكالوريوس في الآداب عام 1948 وكان في التاسعة عشرة من عمره . ثم حصل كينج على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بوسطن. وفي عام 1951 حصل على بكالوريوس في اللاهوت كما حصل في عام 1955 على درجة الدكتوراه في التخصص نفسه. ودرس في الأيام الأولى من حياته الجامعية أعمال الكاتب الأمريكي ثورو و الذي كان يؤمن بالعصيان المدني. ولقد كان والد مارتن يمثل القدوة و النموذج بالنسبة له ،وشهد كينج والده و هو يقف ضد التمييز و أشكاله المختلفة ذات مرة عندما أوقفه ضابط شرطة أشار إلى الأب على أنه صبي لم يدع والده الموضوع يمر بل صحح للشرطي مفرداته مؤكدا على أنه رجل و الصبي هو مارتن.
النضال من أجل الحرية
لقد ناضل كينج نضالا مستمرا من أجل حصول السود من أصل أفريقي داخل أمريكا على حريتهم . وعندما دخل الجامعة عدل من موقفه تجاه البيض و ركز غضبه على الظلم بدلا من كراهية أشخاص بعينهم. وقد حدث ذلك عندما قرأ كتابات ثورو و غاندي ،حيث تعرف على فكرة العصيان المدني كسلاح من أجل التغيير ،وكذلك فكرة المقاومة السلمية، وهكذا بدأ يقول أن الحب يمنح قوة داخلية . ومن هنا فقد هزت حياة غاندي و طريقته كينج من الأعماق. فقد كانت الأوضاع تنذر برد فعل عنيف يمكن أن يفجر أنهار الدماء لولا أن كينج اختار طريقا آخر غير الدم فنادي بمقاومة تعتمد على مبدأ اللاعنف او المقاومة السلمية على طريقة المناضل الهندي غاندي. وكانت حملته في طريق الحرية إيذانا ببدء حقبة جديدة في حياة الأمريكان من أصول افريقية، وكان النداء بمقاطعة شركة الحافلات وهي المقاطعة التي امتدت عاما كاملا وأثرت تأثيرا كبيرا على إيرادات الحافلات ،حيث كان الأفارقة يمثلون 70% من ركاب تلك الحافلات. وبسبب تلك المقاومة و النضال من أجل الحرية و المساواة و الوقوف ضد التمييز العنصري تم سجنه عام 1960 بسبب حملات الاحتجاج السلمي. وبدأ كينج يطالب الحكومة الفيدرالية باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الظلم.
حق الانتخاب
في يونيو عام 1957 أصبح مارتن اصغر شخص وأول قسيس يحصل على ميدالية سينجارت التي تُمنح سنويا للشخص الذي يقدم مساهمات فعالة في مواجهة التمييز العنصري ،وكان في السابعة و العشرين من عمره ،وبهذه المناسبة وقف أمام نصب لنكولن التذكاري ووجه كينج خطابه الذي هاجم فيه الحزبيْن السياسييْن الرئيسييْن الجمهوري و الديمقراطي ،وردد صيحته الشهيرة أعطونا حق الانتخاب . وقد نجحت مساعيه في تسجيل خمسة ملايين من الأمريكان ذوي الأصول الأفريقية في سجلات الناخبين .
لدي حلم
قام أفارقة أمريكا في عام 1963 بثورة لم يسبق لها مثيل في قوتها حيث اشترك فيها 250 ألف شخص منهم نحو 60 ألفًا من البيض اتجهوا جميعا صوب نصب لينكولن التذكاري فكانت أكبر مظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية ،وهناك ألقى كينج أروع خطبة قال فيها قولته الشهيرة لدي حلم وقال أنه يحلم بيوم من الأيام يعيش أولاده الأربعة في شعب لا يكون الحكم على الناس بألوان جلودهم ،ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم. ووصف كينج المتظاهرين كما لو كانوا قد اجتمعوا لاقتضاء دين مستحق لهم، ولم تف أمريكا بسداده ، فبدلا من أن تفي أمريكا بسداده أعطت للزنوج شيكا على بياض وقد كتب عليه أن الرصيد لا يكفي لصرفه.
https://www.youtube.com/watch?v=e1rFaVNaPEA
إنجازات
وبسبب مسيرته في الدفاع عن الحقوق المدنية و العدالة و المساواة حصل كينج على جائزة نوبل عام 1964 ،وأطلقت عليه في العام نفسه مجلة تايم رجل العام ، فكان أول رجل من أصل أفريقي يمنح هذا اللقب ،كما كان أصغر رجل في التاريخ يحصل على جائزة نوبل وكان عمره 35 عاما. وواصل كينج مسيرته النضالية و لم يتوقف عن مناقشة قضايا الفقر عند السود ،وعمل على الدعوة إلى إعادة توزيع الدخول بشكل عادل. وكانت نتيجة جهوده أنه دفع حياته ثمنا لنضاله ، فتم اغتياله في مدينة ممفيس على يد جيمس ارل راي في الرابع من ابريل عام 1968.
لقد كان مارتن لوثر كينج مناضلا من الطراز الأول ، ترك بصمة لا يمحوها الزمن في سجل الخالدين، الذين كافحوا من أجل رفض التمييز العنصري، وإعطاء السود من أصل أفريقي لحقوقهم المشروعة من الحرية و المساواة و العدالة. وسيظل اسم كينج خالدا في سجل العظماء الذين ضحوا من أجل المبادئ السامية.