من الحكايات التي شاعت حول العندليب عبد الحليم حافظ ولم يتحقق أحد من صدقها أو كذبها -أنه أثناء تصوير فيلم يوم من عمري أحب حليم بطلة الفيلم التي شاركته البطولة زبيدة ثروت ،وأنه ذهب ليطلب يدها من والدها ابن الذوات فرفض رفضا تاما ، فهو سليل عائلات البشوات لا يزوج ابنته لمغنواتي على حد قوله مع أنه سمح لابنته بالعمل في الفن.
دخول زبيدة ثروت المولودة بالاسكندرية في مثل هذه الأيام وبالتحديد في 14 يونيو عام 1940 إلى عالم التمثيل كان محفوفا بالرفض ، فقد رفض جدها لأبيها المحامي الشهير بعروس البحر الابيض المتوسط دخول حفيدته إلى السينما بل إنه هدد والدها بحرمانه من الميراث إذا هو وافق على عمل ابنته بالفن ، لكن أمام إصرار الإبنة الجميلة وإلحاحها وتوسلاتها رضخ الأب لتوسلات زبيدة، واقنع جدها بعمل حفيدته في السينما.
نجومية مع عبد الحليم
في تلك الأثناء كانت زبيدة طالبة في كلية الحقوق التي التحقت بها إرضاءً لجدها ،اشتركت في مسابقة أجرتها مجلة الجيل لاختيار أجمل مراهقة ففازت بها زبيدة باكتساح وبفارق خمسة آلاف صوت عن صاحبة المركز الثاني .. وحين نشرت صورة زبيدة على غلاف مجلة الجيل بدأ المنتجون والمخرجون يلتفتون بشدة لصاحبة هذا الوجه الجميل التي تنفرد بجمال عينيها الإستثنائي حتى أنها لقبت بعد ذلك ب”صاحبة اجمل عيون في السينما المصرية ” وأظن أنها ستظل تحتفظ بهذا اللقب طويلا جدا.
وفي عام 56 شاركت زبيدة بدور صغير في فيلم دليلة لعبد الحليم حافظ وشادية وحققت واحدا من أحلامه صباها بأن تقف أمام نجم الجيل ومعشوق الفتيات العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.
وبعد هذا التاريخ بخمس سنوات فقط تجئ النقلة الكبرى في مشوار زبيدة ثروت الفني حين اختارها المخرج عاطف سالم لتقف أمام عبد الحليم حافظ مرة أخرى في فيلم يوم من عمري ولكن هذه المرة للعب دور البطولة وليس تمثيل دور صغير.
تقوم زبيدة في الفيلم بدور الفتاة الجميلة نادية ابنة المليونير حنفي أبو عجيلة التي تعيش سنوات في سويسرا ثم يقرر والدها أن يُعيد ابنته إلى مصر ،استجابة لإلحاح زوجة أبيها التي تريد تزويجها لشقيقها طمعا في كل ثروة زوجها المليونير والد الفتاة ، ويذهب الصحفي صلاح الذي قام حليم بدوره وصديقه المصور يونس “عبد السلام النابلسي” المغضوب عليهما من رئيس التحرير “محمود المليجي ” لتغطية عودة ابنة المليونير التي تعرف من الدادة مخطط زوجة والدها فتهرب في اوتوبيس كان يستقله صلاح ويونس اللذين يكتشفان انها ابنة المليونير لترتبط بقصة حب سريعة مع صلاح الذي يفضل حبها على ان يحقق انفرادا صحفيا وتنتهي الأحداث بالنهاية السعيدة .. زواج صلاح من نادية
وبعد هذا الفيلم بأكثر من خمسين عاما وفي ظهور نادر لزبيدة ثروت أدلت باعترافات لعمرو الليثي قالت فيها إنها احبت عبد الحليم حبا حقيقيا وأنها لم تعرف بحكاية تقدمه لخطبتها فربما أخفاها حليم عنها خوفا على مستقبلها واوصت بأن تدفن إلى جوار حليم
وقد حقق الفيلم نقلة كبيرة لزبيدة ثروت في حياتها الفنية وجعل صناع السينما يتهافتون عليها وكان متوقعا أن تكون قاسما مشتركا في أفلام الحب والرومانسية أمام جميع جانات السينما آنذاك غير أنها لم تستثمر ذلك النجاح الذي تحقق لها في يوم من عمري ، فقد كانت كسولة ولم تدرك حجم ما حققته من نجومية في يوم من عمري امام العندليب وتفرغت منذ نهاية السبعينات – ولم تكن قد أتمت الأربعين بعد وهو سن النضج الفني- لتربية بناتها الأربع قسمت وريم ومها ورشا من المنتج السوري صبحي فرحات ، وهو بالمناسبة من أنتج فيلم يوم من عمري.
فيلمان للتاريخ
ورغم هذا الكسل الفني ورغم انها لم تسع بشكل جاد لاستثمار نجاحها المبكر مع العندليب في واحد من اشهر أفلامه فإن زبيدة ثروت كانت تتمتع بموهبة فنية رائعة كانت تظهر بعض تجلياتها في بعض الأعمال التي شاركت فيها بدور البطولة مثل دور سامية في الحب الضائع عن قصة عميد الادب العربي طه حسين وسيناريو وحوار يوسف عيسى وإخراج هنري بركات الذي كان قادرا على اكتشاف مناطق الموهبة والتميز لدى هذه النجمة الجميلة التي لقبها بعض النقاد ب “ملكة الرومانسية ” ولقبها آخرون ب”قطة السينما المصرية “.. أدت زبيدة دور سامية على أبدع وأروع ما يكون ودخلت في مباراة فنية مع سعاد حسني ورشدي أباظة فهي الزوجة المحبة المخلصة لزوجها المحامي الناجح وهي الصديقة الصدوق المعطاءة المحبة لصديقتها ليلى التي حين ترملت وباتت وحيدة في تونس بلد زوجها الراحل تلح عليها لتستقدمها لتعيش في بيتها دون أن تحسب حسابا لما يمكن أن يحدث بين زوجها وصديقتها وحتى حين تكتشف سعي زوجها للتقرب من صديقتها تستمر في حبها وعطائها وصداقتها .. ثم صدمتها الكبرى حين تكتشف خيانة صديقتها وزوجها لها وهما اللذان أحبتهما حبا عظيما وكبيرا ..دور أدته زبيدة باحترافية عالية وبأداء متمكن ومقنع عبرت خلاله عن مشاعر زوجة وصديقة جريحة ومكلومة في زوجها وصديقتها .. وهو ما استطاعت زبيدة قبله بسنوات وبالتحديد عام 1964 أن تحققه في دور نوال في فيلم في بيتنا رجل أمام عمر الشريف وحسن يوسف ورشدي أباظة حين أحبت المناضل الثوري الهارب والمطارد إبراهيم حمدي ” عمر الشريف” الذي لجأ لبيتهم وحيث كان أخوها ” حسن يوسف ” زميلا له في الجامعة .. دور أدته زبيدة أيضا بشكل يشعر المشاهدين بالتعاطف المشوب بالخوف والقلق على مصير قصة الحب التي لم تكتمل في النهاية بهروب حبيبها المناضل الوطني المتهم بقتل مسئول كبير كان يتعاون مع الاحتلال الانجليزي ثم مقتله في النهاية .. واستطاعت زبيدة بتعبيرات وجهها الحزينة أن توصل الينا ما ينطوي عليه دورها من مشاعر خوف وحزن لإحساسها بأن حبيبها مطارد ومعرض للقتل أو السجن والإعدام .. مشاعر فتاة خائفة ومنكسرة رغم أنها تحاول دائما أن تبث الأمل لدى حبيبها ..والفيلمان “في بيتنا رجل “.. و”الحب الضائع “” جاءا ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
بعد بدايتها في فيلم دليلة في عام 1956 شاركت زبيدة ثروت فيما يقرب من ثلاثين فيلما وهي حصيلة قليلة بالمقارنة بسنوات عملها الفني منها نساء في حياتي مع رشدي أباظة والملاك الصغير مع يوسف وهبي ويحيي شاهين وقامت بدور البطولة أمام فريد الأطرش في فيلم زمان يا حب كما شاركت في فيلم المذنبون مع حسين فهمي وسهير رمزي وفيلم حادثة شرف وعاشت للحب وفيلم لقاء هناك مع نور الشريف و شاركت في لبنان أمام اللبناني أديب قدورة في فيلم الحب الحرام.
وقد كان فيلم المذنبون عام 1976 هو آخر أفلام زبيدة ثروت في السينما .. وبعده بعامين قامت بالبطولة أمام يحيي شاهين في مسلسل تليفزيوني وحيد اسمه وفاء بلا نهاية إخراج فايق اسماعيل حيث قامت بدور زوجة جراح شهير مريضة بالقلب وفي نفس العام “1978” شاركت زبيدة في مسرحية أنا وهي ومراتي مع فؤاد المهندس وشويكار قبل أن تختتم رحلتها مع الفن بمسرحية عائلة سعيدة جدا وأخيرا مسرحية مين يقدر على ريم عام.
https://www.youtube.com/watch?v=ir-f4XLkpnI
وفي أواخر حياتها مرضت زبيدة ثروت بسرطان الرئة الذي داهمها بسبب كثرة التدخين لترحل في الثالث عشر من سبتمبر عام 2016 عن ستة وسبعين عاما .. بعد مشوار فني حققت خلاله نجومية وحضورا فنيا لافتا .. على قلة أعمالها .. رحمها الله