بقلم: – نضال البيطار.. كاتب سوري-فلسطيني مقيم في واشنطن
- حازم يونس..دبلوماسي فلسطيني سابق مقيم في السويد
ترجمة: كريم سعد
إذا كان هناك شئ كشفت عنه التطورات الحالية في فلسطين بوضوح ، فهو بلا شك:
1- ضعف النظام السياسي الفلسطيني الحالي.
2- وانفصاله عن الشعب.
فالظروف التاريخية التي أنتجت القيادة الفلسطينية الحالية لم تعد موجودة، ولم يعد هناك مشروع سياسي فلسطيني موحد، لذا فتلك القيادة الآن أصبحت منقسمة وتسيطرعلي فصائلها تحالفات وولاءات إقليمية وعالمية مختلفة ومتعارضة.
منظمة التحرير .. من القوة إلى الضعف
على مدى عقود، لعبت منظمة التحرير الفلسطينية ، التي تأسست عام 1964 ، دور الممثل الشرعي الوحيد لجميع الفلسطينيين. ولطالما كان الهيكل السياسي الفلسطيني هيكلا علمانيًا، بقيادة فتح وزعيمها ياسر عرفات، حيث كانت تتألف من مجموعة من الفصائل اليسارية، تأسست في الغالب في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في سياق حركة القوميين العرب وتوسع حركات التحرر الوطني في جميع أنحاء العالم. لكن نفوذ هذه الفصائل تراجع بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، وخسارتها لكل تلك المساعدات المالية والعسكرية التي كانت تأتي لها. هذا الانكماش للفصائل اليسارية ساعد حركة حماس علي إدخال المرجعية الإسلامية إلى السياسة والحركة الوطنية الفلسطينية،رغم ان العديد من الفلسطينيين كانوا ينظرون إلى حماس على أنها امتداد (للإخوان المسلمين).
وعندما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو في عام 1993، تم إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الهيئة الحاكمة لدولة فلسطين المستقبلية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن بعدها بسنوات ومع حلول الالفية الجديدة ، ومع حدوث الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والاستيلاء الاستيطاني الإسرائيلي للضفة الغربية ووفاة ياسر عرفات، ضعفت منظمة التحرير الفلسطينية إلى حد كبير.
نهجان مختلفان
وفي عام 2005، حين تولى محمود عباس قيادة منظمة التحرير الفلسطينية واعتلاء هرم السلطة وحركة فتح بعد وفاة عرفات، لم تحظ شخصيته بشعبية كبيرة، وخصوصًا عندما ضغطت الولايات المتحدة عليه لقبول خطة الجنرال (كيث دايتون)، تلك الخطة التي تستند لبرنامج يركز على تدريب قوات الأمن الفلسطينية لتقوم بالتنسيق الامني مع سلطات الاحتلال الإسرائيليةلمنع مقاومة الاحتلال . وكان ولايزال هذا التنسيق الامني مثار غضب وسخط كبير بين الفلسطينيين لدرجة أنهم بدأوا يشيرون إلى السلطة الفلسطينية على أنها سلطة (دايتون) المتعاونة مع دولة الاحتلال . ومهدت مشاعر الغضب هذه الطريق أمام حركة حماس للفوز في انتخابات عام 2006 .
ومع فشل حماس والسلطة الفلسطينية في تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد فوز حماس باغلبية في الانتخابات العامة أصبح من الواضح أنه لدى الحركتين الرئيستين نهجان مختلفان تمامًا لإدارة الأراضي والقضية الفلسطينية. حيث شجعت السلطة الفلسطينية ما أسمته المقاومة السلمية ضد استفحال الاستيطان في الضفة العربية واختارت خوض المعارك الدبلوماسية في الأمم المتحدة وحصلت على دعم عالمي، بينما بنت حماس حركة إسلامية عسكرية قوية بدعم من إيران وسوريا وحزب الله، وحصلت على المعدات والتدريب اللازم، مما جعلها تسيطر على قطاع غزة بالقوة العسكرية في عام 2007. ومنذ ذلك الحين حكمت غزة بقبضة من حديد، واعتقلت وهمشت المعارضين السياسيين (خاصة الذين ينتمون إلى حركة فتح) وفرضت طابعا اسلاميا على سكان غزة.
ومن خلال حماس، امتد الدعم الإيراني إلى الفصائل الفلسطينية الأخرى، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، ومن قبل ذلك كانت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الحركة الاولي التي بدات بالفعل في تلقي دعم منتظم من إيران.
ومن هنا بدأت المنظمات ذات الميول اليسارية في التوافق مع الأيديولوجية الثورية الإيرانية. ونتيجة لذلك، فتحت حماس ذراعيها للتعاون مع القوى الإقليمية وهو ما ساهم في المزيد من تحول القضية الفلسطينية إلى صراع سياسي إقليمي.
وباستثناء قادة فتح، فالكثير من قيادات هذه الفصائل الفلسطينية المختلفة يعيشون في سوريا و لبنان وقطرو إيران وتركيا؛ وقد تأثر هؤلاء القادة بالمصالح السياسية للبلدان المسضيفة لهم، تلك المصالح التي تم بناؤها من خلال إدارات الأمن والاستخبارات الخاصة بهذه البلدان، لذا فإنه ليس من المستغرب أن تشكر حماس، إيران لدعمهما ما اعتبرته نصرا في المواجهة الاخيرة مع إسرائيل الشهر الماضي.
أما السلطة الفلسطينية فقد تحولت إلى شركة خاصة ينخر فيها الفساد لمالي والاداري فلقد تعاونت مع الاحتلال، وعملت عن كثب مع السلطات الأمنية الإسرائيلية ولعبت دورًا وظيفيًا لصالحها ضد الشباب الفلسطيني. خصوصًا خلال الأحداث الأخيرة في القدس، حيث ساعدت قوات الاحتلال باعتقال النشطاء الشباب السلميين.
عبء ثقيل
ولا شك أن الفصائل الفلسطينية أصبحت عبئًا ثقيلًا على كاهل الشعب الفلسطيني ، وتحول الكثير منها إلى بنادق في يد القوي الاقليمية وبحسب ما هو متداول من تقارير دون دليل -فقد سلحت حركة حماس ودربت جماعات المعارضة المسلحة في سوريا،حتى أنها حسب هذه التقارير ( أرسلت مقاتلين من غزة للمشاركة في المعارك في سوريا وأشاد الحوثيون في اليمن بحركة حماس أيضًا. وكل هذا يخدم مصالح دول مثل إيران وقطر وتركيا. وبالتوازي تعمل فصائل أخرى، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، على تجنيد مقاتلين لخوض المعارك في الصراعات التي تشارك فيها روسيا في سوريا وليبيا وأرمينيا.
إن الحراك الحالي الذي اندلع في الشيخ جراح والمجتمع الفلسطيني كله على اختلاف أطيافه ، هو في جزء منه تعبير عن الإحباط الشعبي الفلسطيني، وعن يأس الفلسطينيين من الطبقة السياسية الفلسطينية الحالية، والتي فشلت في الدفاع عن حقوقهم . وأصبح ذلك الحراك يستخدم لغة مختلفة عن اللغة السياسية والعسكرية للقيادات الفلسطينية والتي كانت مُستخدمة لسبعة عقود. فهذا الجيل الشاب الذي يقود الحراك، يعمل على إضفاء الطابع الإنساني على الحقوق الفلسطينية وبناء خطاب موحد جديد ضد عنصرية دولة الاحتلال الاسرائيلية ضد شعبهم والنضال علي اساس قيم حقوق الانسان العالمية في العدالة والمساواة، ويحظي هذا التوجه بدعم عالمي لافت.
ولسوء حظ القضية الفلسطينية، فأن الهيكل السياسي الفلسطيني بوضعه الحالي غير قادر على الانضمام إلى هذ الحراك، بل وبسبب دعم حلفائها الاقليميين متعارضي المصالح فهو هيكل مؤسس علي احتواء هذا الحراك الجديد ومحاولة القضاء عليه.