رؤى

حوار مع عالم أزهري مستنير

في وقتٍ الأذهان فيه مشدودة ومترقبة لمخاطر سد النهضة الوجودية بشأننا (من جهة).. ، ومع تعودنا علي بعض آراء شاذة بكافة المجالات (والدينية خاصة منها) من بعض أبواق متجمدة و/أو متطرفة معروفة – من جهة أخرى..

فإذا (واستثناءً عن هذا وذاك) بقضية دينية مستغربة التوقيت والمضمون تتفجر وتستعر – ليس لكونها فقط تنافي ما نشأنا عليه وآمنا به بديننا الحنيف.. ؛ بل (وأهم) لكونها صدرت عن عالم جليل مستنير له مكانته العلمية (وبنفوسنا)..

فضيلة الدكتور أسامة الأزهري.. وما صرح به مؤخراً حول ما يُسمى “بالإذن في الذكـر”.. ووفق “عدد معين لكل من أسماء الله الحسنى” – بحسب ما تفضل بتوصيفه بمنهج تجريبي علمي متوارث تم اختباره علي مدى أجيـال.

….

وهنـا.. ودون إنكـار أن لقضية الأعداد والحساب أهميتها القصوى بشريعتنا الخالدة – شريطة أن يكون لها أساسها وجذورها المقدسة التي لا تحتمل شكاً (من القرآن والسنة) – وليست المتواترة والمتوارثة عن زمن الجاهلية اجتهادياً بلا سندٍ أو منطق – فنستأذن شيخنا الجليل أن نتوقف معه عند قضايا ثـلاث :

القضية الأولي :

وتتعلق بمفهوم “الإذن بالذكـر”.. والذي حاول فضيلته أن ينفي فيه الوساطة بين العبد وربه.. ، فأضفى عليه – وبصورة غير مقنعة – عديدا من الصفات..

فمرة يصفه بالهدية.. وأخرى بالدعاء.. وثالثة بالنصيحة.. ورابعة التشرف بالخدمة.. وخامسة بنقل الخبرة والبركة.. ، و.. و..

وهي جميعها أوصاف مرفوضة شكلاً ومضموناً.. وبعيدة كل البعد عن معنى الإذن كما ورد بمعاجم اللغـة..

“اللغـة” فضيلة الشيخ التي ترفضون أي محاولة للاقتراب من الحديث في الدين وأحكامه ما لم يكن دراساً متعمقاً في لغـة القرآن العربية الرصينة المنضبطة – وليست المراوغة أو الخادعة..

فهل غُم عليكم جميعاً فضيلة الشيخ وعجزتم (كابرا عن كابر.. وعبر الأجيال) أن تجدوا مصطلحاً يعبر عن كل تلك الصفات التي أسهبت فيها والتي لا علاقة بينها وبين مفهوم الإذن لغوياً.. ؟!

 أم أن الأمر في حقيقته وجوهره توكيل.. ووساطة في العبادة.. وكهنوت مستتر.. ؛ سيما عندما نجد أن جمهرة من المدافعين عما قمتم بطرحه لا ينكرون قضية الوساطة التي تحاول أن تنفيها – بل ويفخرون بها.. ويبررونها .

القضية الثانية:

وتتعلق بما وصفته فضيلتكم بالمنهجية العلمية التجريبية في إعطاء قيمٍ متباينة لعدد مرات ذكر أسماء الله الحسنى المختلفة (ومفاتيحها) – والعلـم والتجريب منها بـراء..

فالتجريب في العلم يقوم (وباختصار شديد) علي أساس :

القياس الكمي والنوعي المحايد والموضوعي (وليس الذاتي) لمتغيرات – مستقلة وتابعة ووسيطة وضابطة – قبل وبعد الحدث..
علي عينات ممثلة للمجتمع يمكن معها – ووفق تحليل إحصائي دقيق – تعميم النتائج من عدمه.
استناداً لفرضيات يجري اختبارها قائمة أساساً علي علاقات منطقية تربط فيما بين أنواع المتغيرات جميعها..
والأهم .. ما يسمى بالمراوحة التجريبية للمتغير المستقل بقيم متدرجة.. ، لنصل لأكثرها تأثيراً علي المتغير التابع .
وضرورة حياد القائم بالتجربة.. وألا يكون متبنياً رأياً سلفاً بشأن نتائجها وما قد تسفر عنه..
……

فهل شيخنا الجليل توافرت تلك الشروط فيما تطلقون عليه بالمجربات في قضايا العدد لأسماء الله الحسني.. ، ووضعتم لها مقاييس موضوعية كمية ونوعية – وليست ذاتية لكل شخص علي حدة – وقمتم بالمراوحة التجريبية للأعداد من الصفر إلي مضاعفات الألف.. لكل اسم من الأسماء الحسني.. وقمتم بقياس أثر كل منها علي أفراد العينة كلها كمياً ونوعياً – بحيث تأكدتم تجريبياً أن العدد الذي تتبعونه هو الأفضل .. ؟!

أم أنكم توارثتم هذا العدد كمسلم به.. ، وهذا ما جرى بالفعل.. ؟!

وهو ما يبعد جوهرياً وجذرياً عما يسمى بالعلم ومنهجيته التجريبية..

ودعك (وهذا هو الأخطر) أن أسماء الله الحسنى جميعها أرفع وأسمى من أن توضع في مجال تجريبٍ – وحاشا لله..

سيما .. وأن العلم التجريبي قائم علي مبـداً القابلية للتكذيب والهدم و.. ، والذي بمقتضاه يمكن لأي باحث آخر أن يأتي بجديد يناقض ويهدم ما سبق التوصل إليه.. ، ويثبت جدوى وفعالية غيرها (كما يحدث بالدواء.. والغذاء.. و..)..

وبالقطع فإن قضايا الدين (وصفات الرحمن جل جلاله) أسمى وأقدس من أن توضع بتلك المكانة والاختبارات..

….

ومعذرة شيخنا الجليل..

فإذا كان الأتباع قد خالفوك في قضية الوساطة والإذن.. ، فإن أحد أساتذتك الكبار (فضيلة الشيخ علي جمعة) وهو من المؤمنين تماماً بقضايا العدد للأسماء الحسنى نفى تماماً عنها صفة العلم.. أو أن يكون لها حتى مشاهدات.. ؛ بل وجـزم بأنها ليست من الشريعة أصلاً.. وليست بفرضٍ أو سُنة.. ، وأنها ليست بأكثر من مجربات يمكن تنفع مع واحد (فالحكاية تمشي معاه.. علي حد وصفه).. ، وقد لا تنفع لغيره – ضارباً مثالاً بها ككوب “الشيح” لمن قد يشكو مغصاً..

…..

ومن ثم شيخنا الجليل فإنه بافتقاد تلك التي تطلقون عليها “بالمجربات” للمنهجية العلمية.. والتجريب الموضوعي.. وكونها ليست من الشريعة ولا فرض أو سُنة.. ، فمهما ذكرت من أسماء أعلامٍ أو جموع مريدين بالشام والعراق والهند والأزهر كله (على حد قولكم) تتبعها.. ، فذلك لن يُسبغ عليها أي سندٍ من موضوعية..

فالقاعدة الأزلية هي يُعرف الرجال بالحق.. وليس العكس.. ، مهما كان عدد الأتباع الذين ينقادون وراء مرشـدٍ أو فقيـه..

وصولاً للقضية الثالثة (والخطيرة) شيخنا الجليل

والتي لا تخصكم تحديداً.. بل  تتعلق بالأمر في جوهره (وبرمته).. وما ينبني عليه من إضفاء قداسة زائفة علي قضية العدد المتبعة لديكم..

والتي يرجع أساسها – وفق حديثكم وإجماعكم – لما كان يتبع قبل الإسلام بالجاهلية من إعطاء ارقام للحروف الأبجدية (بترتيب أبجد هوز حطي ..) ، والتي اتخذت أساساً لإعطاء قيم لحروف أسماء الله الحسنى – ومن ثم لعـدد مرات تكرارها..

وهو استناد واه.. ومنعدم.. ومطعون فيه من جوانب جوهرية أربع :

المطعن الجوهري الأول :

“ومن حيث المنطق والمبـدأ “

فما هو الأساس الموضوعي والمنطقي الذي يجعل لحرفٍ ما قيمة أكبر من غيره.. ، ما الذي يجعل الباء مثلاً ضعف الألف.. ، والجيم 3 أضعاف.. !!
فمثل هذا الترقيم في العلم (والذي يوصف بالتمييزى) لا ينعكس أبداً في صورة قيم تدريجية أو ترجيحية – كما هو الحال لأرقام الشوارع.. والبيوت.. والهواتف.. واللاعبين.. و.. ؛ والتي لا يصلح معها نهائياً وقطعياً إجراء أي عمليات حسابية عليها (جمع – طرح – قسمة – ضرب) كونها غير ذات معنى بالمرة..

فمعذرة شيخنا الجليل ..

فمن حيث المبدأ.. فإن إعطاء الحروف (تحكمياً) قيما– وليس أرقـاما – لا هو بالعلـم.. أو المنطق.. أو بالديـن..

…..

وليت الأمر اقتصر علي ما سبق فقط.. ، بل ونجد وفق هذا الترقيم قفزات تعطي بلا أدنى منطق لبعض الحروف بعشرات.. ثم بمئات الأضعاف – فما بعد الـ 10 : 20 ، 30 ، .. – وما بعد الـ 100 : 200 ، 300 ، ..
ثم نتخذ من هذا التبويب البشري الاجتهادي الموضوع (بلا أدنى سند) منذ العصر الجاهلي أساساً مقدساً لترجمة أسماء الله الحسنى (جل جلاله) لأعدادٍ وقيم تعبر عن مفاتيحها المؤثرة.. !!

أسماء الله الحسنى
أسماء الله الحسنى

…..

متضمناً ذلك (ويا للغرابة) ضربها في رقم 7 لمكانته الكونية الهائلة – وفق ما دلل عليه شيخنا الجليل : من عدد مرات الطواف.. والسموات.. وأيام الأسبوع.. وعدد فقرات الرقبة.. و..
فأي أساسٍ ومنطق هـذا.. ؟؟

والذي نستند إليه في استنتاج أسرار مفاتيح أسماء الله الحسنى.. !!

….

المطعن الجوهري الثاني :

وإذا افترضنا جدلاً أن هذا الأساس المنعدم والواهي – المتعلق “بقيم” متدرجة للحروف – يمكن أن يكون (تجاوزاً) صحيحاً..

فلماذا أخذنا بتبويب أبجد هوز.. ولم نأخذ مثلاً بتبويب أ ب ت ث – والمتبع بكل المعاجم اللغوية.. والدينية منها علي وجه الخصوص.. ؟؟

وذلك دونما أي سندٍ أو تبرير – سوى أن هذا ما وجدنا عليه مشايخنا (كابرا عن كابر).. !!

فهل اخضعتم هذا الترتيب البديل للحروف (أ ب ت ث) – و ما ينبني عليه من أرقام – للاختبار يا من تتحدثون عن التجريب.. ؟!

أم أن الأمر في جوهره ليس بأكثر من استماتة في تقنين ما وجدنا عليه مشايخنا.. !!

….

والشيء هنا بالشيء يُذكر .. ، فقـد أكدتم فضيلتكم أن هذا التبويب الذي كان متبعاً بالجاهلية (بقيمه وأرقامه).. تم الإقرار به بعد الإسلام.. وفُهم به “كثير” من الشرع الشريف..

فهل يمكنكم أن تعطينا بعض أمثلة من ذلك “الكثير”.. ، ويكون محل توافق وإجماع.. ؟

….

المطعن الجوهري الثالث :

والذي نصل فيه لقمة التناقض عن كل ما سبق – ووفق ما ورد بالفيديو المشار إليه لفضيلة الشيخ علي جمعة – والذي يشرح فيه الأساس الذي حُسب بمقتضاه عدد مرات التسبيح بعبارة “أهم سقك حلع يص”..(وتلك لها قصة طويلة ليس موضعها الآن).. هو 1111مرة .

وذلك علي أساس أن مجموع حروف العبارة 11 ، فإذا أضفنا لها 1 أصبحت 111
ثم 1 آخر تصبح 1111

……

وهنا نجد أننا بصدد منطق مناقض عجيب :

فهذه المرة.. وبدلاً من جمع قيم حروف (أهم سقك حلع يص) كالمتبع دائماً وفق منهجهم – فإذا بهم يأخذون بعدد حروفها فقط (11).. وليس بمجموع قيمها.. !!
استطراداً (وبنص حديث شيخنا الجليل علي جمعة) “طب حط عليهم واحد كمان تبقى 111 .. ، طب حط واحد كمان تبقي 1111” .
(قالوا نجرب نذكر هذه العبارة بهذا العدد.. فذكروا.. فالحكاية مشيت)

والعجيب هنا أنهم (وفضلاً عن تجاهلهم لقيم الحروف) عندما أضافوا 1 عليها أصبحت 111 وليس 12 ، والواحد الآخر أصبحت 1111 وليس 13 أو حتى 112
بل .. واعتبروا أن هذا الواحد تعبير عن “لا اله الا الله” – مع أنه كان من الواجب ترجمتها لقيم وفق نهجهم المتبع.. !!
……

الأمر الذي يوضح أن الأمر لا يعدو ان يكون تركيبات اجتهادية متعمدة ومقصودة للوصول لنتائج مُحددة ومستهدفة مسبقاً – لا تحكمها قاعدة واحدة أو منطق متماسك متسق ..

فمرات يأخذون بقيم للحروف.. وأخري يأخذون بعددها.. ، ثم يجعلون من “الإضافة” زيادة في خانات العدد (المئات والآلاف) بدلاً من “الجمع الحسابي” لها.. !!

….

المطعن الجوهري الرابع :

والذي نصل فيه لقمة التناقض  أكثر من  كل ما سبق..

فإذا كانت حقـاً كل التجارب (كابرا عن كابر.. وعلي مدى الأجيال) أثبتت صحة وجدوي وبركة هذا النهج – وأن الحكاية معه (وللجميع) مشيت.. !!

فلماذا إذن أحوال أمتنا (كابر عن كابر.. وصاغر) في تردي وانحدار وتمزق وانحلال جيلاً بعد آخر.. ، لدرجة الحسرة – بجل الأدبيات الدينية – علي ما وصلنا إليه.. ، وتمني العودة للماضي والمجد الذي ضاع.. ؟؟

لمـــاذا .. ؟!

يا من ترون أن التجارب نجحت.. والحكاية مشيت.. ، وتقومون بإهدائها للمريدين بالملايين.. !!

…..

ولماذا أيضاً وأنتم تملكون مفاتيح أقوى وأسمى صفات للرحمن (جل جلاله) – وبالملايين من أتباعكم المقتنعين بها – لم تستخدموها لتحرير المسجد الأقصى.. ، أو إنقاذ أهلنا وأطفالنا بغزة وفلسطين.. ، وبالهند والصين.. ، وصولاً لسد النهضة الذي بات يهـدد حياة ملايين المصريين والسودانيين (مسلمين ومسيحيين)..

فإذا لم تتكرموا علينا “بالتشرف بالخدمة والبركة” في مثل تلك الأزمات والمواقف.. فمتى إذن .. !!

….

وبعـــد ..

فنكتفي بهذا القدر.. ، آملين أن نبرأ بديننا عما ينال منه (بالغلو والادعاء).. ، وأن نحفظ للعلم رصانته وموضوعيته ودروبه في التوعية (لا التغييب).. ، ولوطننا ومجتمعنا ما يقلص من البلبلة والفرقة داخله –  في مرحلة حرجة لم تعد تحتمل المزيد..

وعلي الله وحده قصد السبيل ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock