رؤى

بيت العنكبوت الصهيوني

في السادس والعشرين من شهر مايو (أيار) من عام ٢٠٠٠ وبعد يوم واحد من الانسحاب و الاندحار الصهيوني من جنوب لبنان بعد احتلال صهيوني  لتلك المنطقة دام نحو ٢٢ عاماً (١٩٧٨-٢٠٠٠) وصل الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله الى بلدة بنت جبيل المحررة في الجنوب وعلى مرمى حجر من قوات الاحتلال التي انسحبت لتوها من المنطقة٫ ألقى نصر الله خطاباً بات يُعرف لدى جمهوره٫ بل ولدى الصهاينة ايضاً باسم خطاب “بيت العنكبوت”.

حيث وصف السيد نصر الله الكيان الصهيوني في خطابه بأنه ورغم كونه دولة نووية ورغم كافة مظاهر القوة التي يظهرها هذا الكيان الغاصب  ورغم الدعم الأمريكي شبه المطلق الذي يتلقاه إلا أنه يعاني من ضعف وهشاشة داخلية تجعله “أوهن من بيت العنكبوت”.

محاولات صهيونية فاشلة

كان لهذا الخطاب صداه لدى المؤسستين العسكرية والسياسية في الكيان الصهيوني٫ وبدا الأثر الذي أحدثه  الخطاب واضحاً حين عاود الصهاينة محاولة غزو لبنان عام ٢٠٠٦ حيث كان الجيش الصهيوني عازماً على احتلال بلدة بنت جبيل  التي  اُلقي  فيها نصر الله ذلك  الخطاب بأي ثمن٫ بشكل يذكر بهوس هتلر بمحاولة احتلال مدينة “ستالينغراد” السوفيتية لا لشيء سوى لكونها تحمل اسم الزعيم السوفيتي ستالين.

الا ان محاولات احتلال البلدة ورفع العلم الصهيوني عليها باءت بالفشل بفعل ضربات المقاومة اللبنانية حيث أخفق سعي العدو المتتالي على مدار عدة أيام لاقتحام بنت جبيل سواء عن طريق قرية مارون الراس او عن طريق الالتفاف عليها وبقيت البلدة صامدة في حين اضطر جٌند “بيت العنكبوت” للانسحاب نظراً للكلفة البشرية الكبيرة  التي تكبدوها في هذه المغامرة.

بدا ان خطاب “بيت العنكبوت” يلاحق المحتل٫ بل وبدت معاركه المتتالية منذ العام ٢٠٠٠ بمثابة تجسيد حي لتلك المقولة٫ حيث اضطر الى الانسحاب الاحادي من جنوب لبنان ثم من قطاع غزة عام ٢٠٠٥ مع تفكيك الكتل الاستيطانية هناك٫ ثم انتهى عدوانه على لبنان في صيف عام ٢٠٠٦ دون أن يحقق نتيجة تذكر٫ فلا هو استطاع أن يعيد جنوده الأسرى لدى المقاومة ولا استطاع القضاء على قدراتها الصاروخية التي طالت جبهته الداخلية ولا هو استطاع إعادة احتلال الجنوب.

ثم أتت معارك الكيان الصهيوني مع قطاع غزة المحرر في أعوام ٢٠٠٨ ثم ٢٠١٢ ثم ٢٠١٤ بنتيجة تكاد تكون متماثلة في كل مرة٫ فسلاح الجو الصهيوني الذي طالما تباهى الصهاينة بسيطرته على أجواء المنطقة  لا يستطيع حسم المعركة من السماء ومحاولات التقدم البري في القطاع ذي المساحة الضيقة يواجه بمقاومة شرسة توقع خسائر فادحة في صفوف العدو٫ بل إن هذا التقدم كلفه في العام ٢٠١٤ نحو ١٣ قتيلاً وجندياً لا يزال أسيراً في قبضة المقاومة حتى يومنا هذا٫ ناهيك عن أن إعادة احتلال القطاع الذي انطلقت منه الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧ هي خيار غير مطروح لدى قيادة العدو فهي ببساطة تعني محاولة السيطرة على مساحة صغيرة من الأرض يقطنها أكثر من مليون نسمة.

ضربة في مقتل

وفي مواجهة عام ٢٠٢١ أطلت من جديد مقولة “بيت العنكبوت”٫ فالقبة الحديدية التي صورها الإعلام الصهيوني كتكنولوجيا دفاعية متقدمة وسعى لتسويقها لدول عدة بدت عاجزة عن حماية الجبهة الداخلية من صواريخ المقاومة٫ تلك الصواريخ التي طالت أماكن غاية في الحساسية في العمق الصهيوني مثل المطارات ومنشآت النفط والغاز الطبيعي ومبنى الكنيست ناهيك عن تل أبيب ذاتها.

بدا مشهد أعضاء الكنيست وهم يفرون من مبناه وهم في حالة من الهلع بمثابة تجسيد عملي لمقولة “بيت العنكبوت”٫ فالكيان الذي طالما تباهي بقدرته على اجتياح واحتلال الأراضي العربية بدا غير قادر على حماية مؤسساته التشريعية أو نخبته الحاكمة.

ولا يبالغ المرء إن قال إن عدم قدرة الكيان الصهيوني على توفير الأمن للمستوطنين تضرب مشروعه الاستيطاني في مقتل٫ اذ ان تأمين المستوطنات هو شرط استمرارية بقائها على الاراضي العربيه.

لم تقتصر الهشاشة الداخلية ل “بيت العنكبوت” التي كشفت عنها صواريخ المقاومة على الجانب الأمني فحسب – على أهميته- بل ظهرت أيضا  هشاشة “ديمقراطية” دولة الاحتلال التي تغنت بها طويلاً٫ فحين هب عرب الداخل المحتل عام ١٩٤٨ ليتضامنوا مع إخوانهم في الضفة وغزة٫ تناست المؤسسة العسكرية الصهيونية  تماماً ان هؤلاء٫ وفقاً للمنطق الصهيوني على الاقل٫ هم مواطنون وتعاملت معهم كاي جيش غاز ولم تجد حرجاً في إرسال قوات عسكرية إلى المدن ذات الأغلبية العربية في الداخل المحتل.

وفي اعقاب اعلان وقف اطلاق النار٫ ظهرت هشاشة بيت العنكبوت مرة أخرى في الانقسام السياسي الحاد والتخبط في مسألة تشكيل الحكومة الجديدة بين معسكري نتنياهو وخصومه فيما يبدو لا كصراع بين يمين ويسار وإنما بين يمين متطرف وآخر أكثر تطرفاً.

واغلب الظن ان مقولة “بيت العنكبوت” ستبقى مؤرقة للعدو ومُطارِدة له  في المرحلة القادمة خاصة في ظل تحذير محور المقاومة للعدو من حرب إقليمية شاملة في حال مساس العدو ومستوطنيه بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker