عشرون عاما مرت على رحيل السندريلا سعاد حسني التي رحلت في الحادي والعشرين من يونيو عام 2001 ولا زال حضورها طاغيا ووجودها متوهجا كأنها لم تغب ولم ترحل ولم تفارق ..لم تكن سعاد فنانة موهوبة وعبقرية استثنائية في فن التمثيل فقط لكنها كانت شعلة فن تمتلئ بالعطاء والوهج والنور .. وحين أشاهد اليوم ادوارها في أفلام مثل القاهرة 30 والزوجة الثانية واهل القمة والكرنك ونادية وحب في الزنزانة وأحلل أداءها الاستثنائي وقدرتها الهائلة على تقمص هذه الشخصيات الصعبة الممتلئة بالتفاصيل الانسانية المختلفة وأقارنها بادوارها الخفيفة في أفلام من عينة صغيرة على الحب أو الزواج على الطريقة الحديثة وبادوارها ذات البعد الاجتماعي في خللي بالك من زوزو وأميرة حبي أنا وحين اسمعها تغني وأشاهدها ترقص وتؤدي الاستعراضات الرائعة أدرك كما يدرك غيري من النقاد الفنيين ومن المشاهدين والجمهور العادي أن سعاد فنانة لن تتكرر في تاريخ السينما العربية.
ملامح إنسانية
أسعدني الحظ بأنني كنت الصحفي الوحيد الذي كان قريبًا من السندريلا في سنواتها الاخيرة، وكل تفاصيل علاقتي الانسانية والمهنية بها مكتوبة بالتفصيل في كتابي عنها الذي سيكون موجودا في معرض الكتاب بعد أيام بمشيئة الله لكنني أتوقف هنا عند نقاط إنسانية بالغة الدلالة والعمق في شخصية سعاد حسني الاستثنائية في الحياة كما هي الاستثنائية في الفن.
أولًا: هذه النقاط هي أن الطفولة الحزينة التي عاشتها سعاد بين والدين منفصلين وتنقلها بين بيتي أبيها وامها أكثر من ثماني مرات طبع شخصيتها بشكل عام بطابع الحزن الشفيف .. حزن لم يترك بداخلها عقدا انسانية وانما العكس صحيح تماما ترك نبلا حقيقيا وانسانية متوهجة بالمحبة لكل البشر.
وكما كانت سعاد تحب فنها الى درجة العشق فقد كانت تحب زملاءها بالوسط الفني ولم تضبط سعاد مرة واحدة تسئ الى زميل لها أو زميلة وحتى حينما شعر الجميع ان فاتن حمامة وهي تعلق على فيلم تسجيلي عن تاريخ السينما المصرية بمناسبة مهرجان القاهرة السينمائي عام 96 فإن سعاد قالت بالحرف الواحد لكاتب هذه السطور : والله العظيم أنا مش زعلانة من مدام فاتن وكفاية تعبها وقبولها ان تعلق على الفيلم ” حدث هذا رغم ما اشيع وقتها أن فاتن اشترطت للتعليق على الفيلم أن يتم تجاهل سعاد حسني ودورها في تاريخ السينما المصرية ودائما ما كانت سعاد عندما تتحدث عن فاتن تقول : مدام فاتن.
ثانيًا: أن سعاد أحبت زوجها الاخير ماهر عواد حبا حقيقيا لأنها اكتشفت فيه شخصا يشبهها في الطيبة وفي الترفع وفي التواضع كما رات فيه الموهبة والثقافة العريضة، وماهر عواد بالمناسبة رفض عروضا بالملايين لكي يخرج ويتحدث على الفضائيات عن سعاد وعلاقته بها رغم انه لا يعمل كسيناريست موهوب منذ حوالي 15 عاما تقريبا فهو يرى ان علاقته بسعاد كانت أكبر من أن يتقاضى أجرا نظير الكلام عنها رغم أنه كان بالتأكيد سيتحدث عنها كفنانة وانسانة عظيمة.
ثالثًا: تبقى العلاقة الفنية والانسانية التي جمعت بين سعاد وصلاح جاهين حالة انسانية خاصة جدا ، علاقة الابنة بوالدها أو شقيقها الأكبر ، وحين مرض صلاح مرضه الأخير ونقل إلى المستشفى كانت سعاد تصرخ في طرقات المستشفى وتبكي بكاء مرا ومن المؤكد أن رحيل جاهين اصاب سعاد باكتئاب حاد ومنذ رحيله فقدت السندريلا سندها الكبير وبدأ المرض يمارس لعبته معها.
رابعًا: رأى عبد الحليم حافظ في سعاد فتاة طيبة وبريئة فأحبها وبادلته حبا بحب ، وتزوجها عرفيا لمدة أكثر من خمس سنوات، لكن طموحه الفني كان أكبر من أي شئ آخر حتى لو كان قلبه وحبه فقد اعتقد عبد الحليم أن نجوميته وشعبيته ستتأثر بين الفنتيات بإعلان زواجه من سعاد فآثر ألا يعلنه كما نصحه مقربون منه ، ورفض أن يعلن عن هذا الزواج وهو ما اعتبرته سعاد إهانة لها لينتهي الحب والزواج .
خامسًا: كانت سعاد تعتبر المرض هو عدوها الحقيقي وقد قالت لي حرفيا :” أشعر أن ظهري هو عدوي الوحيد في الحياة” لأنه حرمها من الفن فلم يكن مهما بالنسبة لها أن تتألم أو تشعر بتعب في جسدها لو كانت قادرة على أن تمثل وتقف أمام الكاميرا لكن ما كان يقتلها كل يوم مائة مرة حقا هو أنها لم تكن تستطيع أن تمارس عشها الكبير بالوقوف أمام الكاميرا ومعانقة الاستوديوهات ولذة ومتعة التمثيل .. وحين سافرت إلى لندن فقد كانت تبحث عن أمل الشفاء السريع لكنها لم تدرك أن وجودها في مصر كان افضل كثيرا بالنسبة لها وفي لندن كانت السندريلا تحرص قدر المستطاع على ان تتعامل في شئون حياتها اليومية مع مصريين يعيشون هناك سواء في إقامتها أو تنقلاتها أو أطبائها.
سادسًا: رفضت سعاد عرضا بالعلاج على نفقة الدولة جاءها من صفوت الشريف عبر ممدوح الليثي رئيس قطاع الانتاج وقتها لكنها قبلت بعدها عرض العلاج حين قرره الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء وقتها ، فقد كانت تقدر الجنزوري وتحترمه وحين ألغى خلفه في رئاسة الوزراء عاطف عبيد القرار لم تحزن سعاد ولم تغضب لسبب بسيط هو أنها كانت تملك ما يكفيها للعلاج ولم تتعرض لضائقة مادية أبدا ، اما الذي سبب لها الاذى حقا فكان ما كتبته الراحلة مديحة عزت في مجلة روز اليوسف عن أن السندريلا تتسول في لندن ، ويكفي أن نقول إن سعاد كانت تتولى الإنفاق على عدة أسر سواء من أقاربها أو العاملين معها.
سابعًا وأخيرًا: في السينما كانت سعاد رمزا للبهجة والسحر، ولا جدال أن أغاني من عينة الدنيا ربيع وبمبي ويا واد يا تقيل وخللي بالك من زوزو.. هذه الأغاني التي غنتها في عدد من أفلامها هي عناوين مستقرة للبهجة والفرح ، تبعث السعادة والفرح والجمال ، فقد كانت السنريلا حقا سفيرة للبهجة أما في الحياة فقد كان الأمر عكس ذلك تماما ، خاصة في آخر خمسة عشر عاما في حياتها ، كانت سعاد مستودعا للاحزان .. رحمها الله.