فن

ماهر عواد.. الحب الأخير في حياة السندريلا

في 21 ابريل عام 1986 رحل صلاح جاهين عن الحياة بعد أن قضى في العناية المركزة بضعة ايام ،تلك الأيام أيام المرض ثم الرحيل عاشت سعاد حسني اسوأ أيامها حزنا على من كانت تعتبره أباها الروحي  وشقيقها الأكبر .. كان حزن سعاد على صلاح جاهين حزنا كبيرا ونبيلا وشفيفا  .. فالمؤكد أن جاهين لم يكن فقط رفيق رحلة فنية ناجحة جدا للسندريلا وبوصلة فنية تهديها إلى أعظم النجاحات حتى أن  فيلم خللى بالك من زوزو الذي شارك جاهين في صنعه بالتأليف وبكلمات الأغاني العبقرية بل وبتغيير اسم الفيلم من بنت العالمة كما اقترح المخرج حسن الإمام إلى خللي بالك من زوزو حقق  الرقم القياسي لأطول مدة عرض لفيلم في تاريخ السينما المصرية ب54 اسبوعا لم يكن جاهين رفيق نجاح فني فقط للسندريلا لكنه كان شقيق وصديق قيم انسانية نبيلة  وعظيمة.

 حب في الكواليس

حين رحل جاهين دخلت سعاد نوبة اكتئاب حادة واعتقد المقربون منها أنها ستنهار تماما .. فقد كانت السندريلا    أكثر صدقا في  مشاعرها الحزينة من أن تقف على قدميها وتواجه الحياة بعد رحيل  توأمها في الإنسانية والفن

لكن الله كان رحيما بسعاد حين ساق إليها ذلك الرجل الذي عوضها وجوده في حياتها عن فقدها الكبير لصلاح جاهين  ..إنه ماهر عواد آخر أزواج السندريلا والذي استمرت سعاد على ذمته حتى رحيلها في مثل هذه الأيام منذ عشرين عاما

هو ماهر عواد عبد الصمد من مواليد أغسطس عام 1952 ببولاق ابو العلا بالقاهرة تخرج من كلية الإعلام بجامعة القاهرة في دفعتها الأولى عام 1975 وفور تخرجه التحق بالعمل بوكالة أنباء الشرق الأوسط كمحرر  مراجع ” ديسك” وحصل على عضوية نقابة الصحفيين المصريين ثم سافر إلى عمان لمدة عام واحد للمشاركة في تأسيس وكالة الأنباء العمانية عاد بعدها إلى  وكالة أنباء الشرق الأوسط  والتحق أثناء فترة عمله بالمعهد العالي للسينما ليدرس السيناريو عشقه الأول والأخير  وليتقدم بعدها باستقالته من وكالة أنباء الشرق الأوسط ليتفرغ لكتابة السيناريو

في مشروع تخرجه كتب ماهر عواد سيناريو فيلم روائي قصير  شاهدته سعاد عن طريق صديقهما المشترك المخرج محمد شبل فأبدت اعجابها الشديد بسيناريو الفيلم ، ووصل خبر اعجاب السندريلا  بالسيناريو الذي كتبه إلى ماهر عواد فاتصل بها ليشكرها وليعرض عليها سيناريو فيلم قرأته سعاد لكن المشروع لم يكتمل

في أول تجاربه للسينما كتب ماهر  قصة وسيناريو فيلم الأقزام قادمون من إخراج صديقه شريف عرفة وكان الفيلم أول تجربة للمؤلف والمخرج  وبطولة يحيي الفخراني وليلى علوي وجميل راتب ويحكي مأساة مخرج اعلانات أصيب  بالاحباط  والفشل وعاش حالة عجز إلى أن تاتيه لحظة التنوير حينما يعرف بمأساة خمسين قزما استولى رجل أعمال على أرض تخصهم فيتبنى المخرج قضيتهم وبعد صراع مرير تعود إليهم أرضهم ويسترد المخرج قدرته على الحلم والحياة ويخرج من كل احباطاته

الأقزام قادمون
بوستر فيلم الأقزام قادمون

بعد الأقزام قادمون يلتقي  ماهر عواد بسعاد حسني وجها لوجه ويعرض عليها سيناريو فيلم الدرجة الثالثة  الذي تتحمس له سعاد بشكل كبير  وترشح معها لبطولته النجم الأسمر أحمد زكي ،ويحكي الفيلم قصة مجموعة من مشجعي كرة القدم الأبرياء الذين يشجعون ناديهم بلا غرض إلا حب هذا النادي يقوم  أعضاء مجلس الادارة باستغلالهم واستغلال حبهم  لناديهم في بناء مقصورة  محاطة بزجاج  يمنع الرصاص ، ثم يكتشف المشجعون

تغرير أهل المقصورة بهم و وخداعهم  وأنهم لا يحرصون إلا على مصالحهم ومكتسباتهم ، ليبدأ الصراع بين أهل الدرجة الثالثة وأهل المقصورة ، والحق أن هذا الفيلم كان فيلما تقدميا متجاوزا بكل المقاييس الفنية.. وقد تنبأ  بظهور الأولتراس  وروابط الجماهير في كرة القدم   وكان يحمل اسقاطات سياسية مهمة وكاشفة حول العلاقة بين الأغنياء والفقراء وبين أصحاب الجاه والنفوذ والبسطاء ، وتعرض الفيلم لمؤامرة في  طبع وتحميض نسخه بالاضافة الى توقيت عرضه ، وظني الشخصي أن  البعض في نظام مبارك فهم ما يقصده الفيلم من اسقاطات سياسية ضدهم  فكان التآمر بطرق ملتوية لاسقاطه على المستوى الجماهيري وهو ما حدث بالفعل  بالإضافة الى عنصر  آخر ولكنه فني  هو أن سعاد لم تؤد استعراضاتها المبهرة المعروفة في هذا الفيلم

سقط فيلم الدرجة الثالثة جماهيريا ولم يستمر في دور العرض أكثر من ثلاثة أيام وصدمت السندريلا صدمة  فنية كبيرة .. لكن هذا  الفيلم كان سببا في تضميد جراح سعاد الانسانية  بعد رحيل صلاح جاهين إذ بدأت في كواليس تصويره علاقة الحب الكبيرة التي جمعت بين السندريلا وماهر عواد

أحمد زكي وسعاد حسني من فيلم الدرجة التالتة
أحمد زكي وسعاد حسني من فيلم الدرجة التالتة

بعيدا عن الأضواء

حدث الزواج بين النجمة الكبيرة والسيناريست المبدع في صيف عام 1987  لتجد سعاد في ماهر ذلك الرجل الذي تمنته وحلمت به على المستوى الانساني .. زوج طيب  مخلص زاهد في النجومية والأضواء لا تهمه نجومية زوجته بقدر ما يهمه الحرص على أن تعيش معه سعيدة وعلى أن  يقف بجانبها في أية أزمة أو مشكلة .. ففي أزمة مرضها التي  تفاقمت تقريبا في أغلب سنوات زواجهما وقف ماهر مع سعاد داعما ومساندا ومؤازرا  .. وفي ذات الوقت حريصا على أن يبتعد عن الأضواء حتى لا يجر ظهوره في وسائل الإعلام الكلام والحديث عن سعاد ومرضها واعتزالها

كانت رغبة السندريلا  أن تبتعد عن الأضواء في ظل الاعتزال المؤقت كي تستطيع أن تتفرغ للعلاج من متاعب الظهر الجسيمة وتلاقت رغبتها مع  رغبة زوجها ماهر العازف بالاساس عن أية أضواء، وحين سافرت سعاد إلى لندن لتلقي العلاج فقد كان ماهر  يتواص معها بشكل يكاد يكون يوميا  ، وفي بداية سفرها تولى ماهر مهمة توصيل  رقم تليفون السندريلا في  لندن للأصدقاء والمقربين الذين رغبت سعاد في أن يتواصلوا معها هناك ومنهم كاتب هذه السطور

والمؤكد أنه في أواخر أيام سعاد في لندن تكررت نصائح ماهر لها  عبر اتصالاته بها بضرورة العودة لكنها كانت مصرة  على الاستمرار في العلاج لتحقيق أكبر قدر من اللياقة الصحية التي تؤهلها للوقوف أمام الكاميرا ..وكان أحد المقترحات بالنسبة للعودة الفنية للسندريلا هو ان تعود بمسلسل اذاعي يكتبه  زوجها المبدع

سعاد حسني في لندن
سعاد حسني في لندن

 تحدثت سعاد عن ماهر بجملة مختصرة تحمل كل معاني الحب قالت السندريلا عن زوجها الأخير :  “ماهر سيناريست مبدع ..  من أول مرة تشوفه فيها لازم تحبه” وقد  خفق له قلب سعاد منذ المرة الأولى التي قابلته فيها ، أما حبه لها فقد كان حبا كبيرا وعظيما ويكفي أن أذكر أن ماهر – ولسنوات عديدة بعد رحيل سعاد – ظل يرفض عروضا هائلة وسخية من بعض الفضائيات  العربية بملايين الجنيهات للحديث عن سعاد وعلاقته بها وذكرياته معها ،وقد سألتُه يوما عن سر هذا الرفض فقال : وعدت سعاد أنني لن أتحدث عنها   في حياتها وقررت أن أواصل تنفيذ هذا الوعد بعد رحيلها.. كنوز الدنيا لن تعوضني عنها.. لم يقبل الرجل عشرات العروض التي انهالت عليه لسنين للحديث عن السندريلا مقابل  ملايين الجنيهات وهو الذي لا يعمل منذ عام 2002 حين قدم آخر اعماله مع صديقه أشرف عبد الباقي  فيلم ” صاحب صاحبه” وهو الذي  كتب القصة والسيناريو لسبعة أعمال فقط طوال رحلته هي الأقزام قادمون والدرجة الثالثة وسمع هس ويا مهلبية يا وحب في الثلاجة ورشة جريئة وصاحب صاحبه

يعيش ماهر عواد وحيدا بين جدران شقته  في أحد أحياء القاهرة الراقية ، وهو النبيل الذي رفض أن يحصل على أي شئ من ميراث  سعاد ، لكن ما يؤنسه وما يذهب وحشته أنه يتذكر أياما  مليئة بالحب والنبل والإنسانية كانت له ..مع السندريلا .. رحمها الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock