رؤى

تقاليد الزواج.. وتحريم الحلال

ينظر كثير من نقاد ومحبي الفن السابع إلى فيلم “الحب فوق هضبة الهرم” المقتبس عن قصة بنفس الاسم للأديب الكبير نجيب محفوظ والتي حولها المخرج المبدع عاطف الطيب إلى فيلم درامي في الثمانينات كأحد أبرز أعمال ما عُرف بمدرسة “الواقعية الجديدة” في السينما المصرية.

حيث يبرز الفيلم واقع الشباب في تلك الفترة ممثلاً في بطله علي (أحمد زكي) الموظف البسيط٫ والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي أدت بمن ينتمون مثله إلى الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى الى الانسحاق تحت وطأة الواقع المتغير شديد القسوة.

https://www.youtube.com/watch?v=LtiVCeo4YI0

حلم الزواج الصعب

إلا أن الفيلم في رأيي يتجاوز ذلك٫ حيث أن عقدته الأساسية هو عدم قدرة علي ومحبوبته وزميلته في العمل رجاء (آثار الحكيم)  على تحقيق أبسط حقوقهما ..حق الزواج ..رغم ان كلاهما يحب الآخر ويتمسك به رغم تعنت الأهل.

إن المدقق في هذه العقدة٫ والتي ليست حكراً على “علي” فقط٫ يدرك أنها لا تنبع من أي مبرر شرعي٫ بل على العكس فإن عفة علي ورفضه إقامة أية علاقات غير شرعية لإشباع غريزته هي سبب ما يسميه بمشكلته الجنسية ، فهو راغب في اشباع شهوته بشكل شرعي من خلال مؤسسة الزواج ومن خلال الشكل الذي يرتضيه الدين والمجتمع على حد سواء.

لكن المجتمع في حد ذاته هو ما يزيد أزمته  تعقيداً٫ فالزواج الذي أقرته كافة الأديان كمؤسسة لاشباع احتياج بشري أساسي بشكل مشروع٫ حولته تقاليد المجتمع الى حلم بعيد المنال بالنسبة للشباب والفتيات.

حيث اضاف المجتمع تقاليد لا علاقة لها بما أقره الشرع فيما يتعلق بالزواج واضفى على هذه التقاليد قدراً من القداسة بحيث لا يمكن المساس بها حتى وإن تعارضت مع جوهر الشرع.

 يعبر الفيلم عن ذلك في حوار يتبدى فيه رفض اهل رجاء لزواجه لا لعيب في خُلقه او في دينه بل ببساطة لأنه لا يملك مسكنا جاهزاً.

تضع التقاليد العقبات تلو العقبات أمام الشباب الراغب في الزواج٫ فالمهر مبالغ في قيمته  والمسكن الجاهز “الشقة التمليك” مطلب أساسي لا يتم الزواج بدونه بصرف النظر عن قدرة شاب في بداية حياته العملية على توفيره وعلى الشاب أن ينفق مبالغ طائلة على حفل يدعى العرس لا لشيء سوى التباهي الاجتماعي.

قضية رأي عام

ولا ينتهي تعسف التقاليد هنا٫ بل تتجاوز أكثر  بشكل شديد السطحية إلى مستلزمات مسكن الزوجية وتندلع الأزمات والخلافات حول من يوفر هذا الجهاز أو ذاك٫ وهنا يظهر واحد من أكثر التقاليد تعارضاً مع الشرع وهو تقليد “القائمة” أو “اللسته” كما يسميها العامة في بلادنا.

حيث توفر أسرة العروس مفروشات المنزل ولكنهم في الوقت ذاته يطالبون الزوج بالتوقيع على قائمة تتضمن هذه المفروشات وكأنه موظف مسؤول عن عٌهدة وتبقى هذه “القائمة” سيفاً مسلطاً على رقبة الزوج وتهديداً دائما له بالسجن إن “بددها”.

والطريف٫ أو قل السخيف٫ في كل هذا٫ أن الاتفاق على كافة هذه التفاصيل لا يتم بين العريس والعروس بل بين عائلتيهما ويبقى المعنيان بالأمر٫ أي العريس  والعروس٫ متفرجين لا أكثر بينما يتخذ الأهل بالنيابة عنهما كافة القرارات المتعلقة بحياتهما المستقبلية.

 إن من شأن هذه التقاليد البالية أن تنفر الشباب مما أحله الخالق و تضطرهم لاشباع رغباتهم بطرق غير شرعية٫ وهو ما أشار اليه الفيلم حين كاد علي يقع في حبائل علاقة غير شرعية٫ الا ان ما زرعه فيه والده المتدين منذ طفولته يجعله يفر من الشقة الأشبه بالماخور.

وفي لفتة بارعة٫ يؤكد الفيلم على تناقض العُرف مع الدين حين يلجأ علي الى شيخ المسجد ليستشيره فيؤكد له أن الدين لا يطلب كافة هذه المظاهر وأن النبي الكريم (صلعم) كان يزوج أصحابه بما حفظوا من القرآن الكريم أو بخاتم من حديد.

ولعل الرغبة في إدانة تقاليد الزواج هي ما دفع صناع الفيلم لتغيير نهاية القصة٫ ففي النص الأصلي لمحفوظ يتزوج علي ورجاء سراً ويلجآن الى سفح الهرم ليفضي كل منهما بعشقه للآخر ولكي يضمنا بعضاً من الخصوصيه يرشو علي جندي الحراسة٫ إلا أن صناع الفيلم جعلوا من علي وزوجته نموذجا اكثر ايجابية حين يرفضان هذا النوع من “الحلول” ويصران على جعل قضيتهما .. قضية رأي عام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock