فن

النيل..رؤية “منيرية”

منذ انطلاقته في أواخر السبعينات من القرن العشرين كصوت جديد على الساحة الموسيقية في مصر ، ارتبط صوت وابداعات المطرب المصري المخضرم محمد منير ارتباطا وثيقا بنهر النيل .

النيل “البحر”!

على ضفاف النهر العتيق وتحديداً في قرية منشية النوبة في محافظة أسوان في أقصى صعيد مصر ولد محمد منير عام ١٩٥٤ ونشأ في بيئة يلعب فيها النيل دوراً أساسياً كمكون حياتي ووجداني كبير.

وفي سن العاشرة شهد الفتى منير عملية تهجير أهالي النوبة ضمن مشروع تحويل مجرى النيل عام ١٩٦٤ كقسم من مشروع السد العالي وهي التجربة التي أثرت في وجدانه وفي أعماله الغنائية بعد أن أصبح واحدا من ألمع المطربين في مصر والوطن العربي.

ومنذ أول ألبوماته عام ١٩٧٧ بدا النيل حاضراً في أغنيات منير التي صاغ كلماتها رفيق رحلته الشاعر الراحل عبد الرحيم منصور ووضع ألحانها ملحن نوبي مثل منير هو احمد منيب.

فالنيل الذي يشير إليه بسطاء المصريين خاصة في الصعيد باعتباره “البحر” لأنهم لا يعرفون سواه بحراً ولا تطل قراهم على بحر غيره٫ يطل في أول ألبومات منير من خلال أغنية “أمانة يا بحر” التي يُحَمِّل فيها الأهالي -بصوت منير- المراكب الشراعية المسافرة في بحر النيل أمانة إيصال أحبابهم بالسلامة.

وفي ألبومه التالي “بنتولد” يتغنى منير بمصر باعتبارها “عروس النيل” ويؤكد أن شبابها دوماً على استعداد لأن يفدوها

“احنا ياعروسة شبابك

تكتبي نقرا كتابك

تتعبي بنشيل عذابك

تأمري بنكون جوابك”

 رشيدي ودمياطي ومراكبي

وفي أغنية  كتبها رائد شعر العامية المصرية الراحل فواد حداد بعنوان “عقد الفل والياسمين” يغني منير لنهر النيل بفرعيه رشيد ودمياط ولكل من يعيشون على ضفافه:

“انا رشيدي و دمياطي

واخدك يا منصورة فى باطى

و اغني و ارقص سنباطي

قبل القمر ما ينسينا”

وتعود صورة المركب المٌبحر في النيل في اغنية اخرى لمنير من الحان أحمد منيب هي “يا مراكبي” والتي تصف مشاعر البحارة في عرض النيل ورغبتهم في الرسو في ميناء قريب.

وكما غنى منير للنيل فإنه في ألبوم آخر يغني لشجر النخيل الذي ينمو على ضفافه في قصيدة “بلح أبريم” للشاعر احمد فؤاد نجم :

“يا بلح أبريم يا سمارة

سواك الهوي ف العالي هويت

على طمى النيل ياسمارة

وشربت عكار لما استكفيت”

وفي عام ١٩٩٧ يشارك منير كممثل ومطرب في فيلم تاريخي من تأليف وإخراج يوسف فرنسيس بعنوان “البحث عن توت عنخ آمون” يتناول اكتشاف مقبرة الملك الصغير على يد الإنجليزي هوارد كارتر.

وفي سياق الفيلم  غنى  منير أغنية من كلمات الشاعرة المبدعة كوثر مصطفى تقدم رؤية المصريين منذ القدم لنهر النيل ككائن حي لا مجرد مورد للمياه:

“سهران يوشوش ناى

 والحلم رايح جاى

قباله على الشطين

 بيحب صوت الناس

وغُنا البنات بالليل

بيكره الحراس

لما بتدوس بالخيل”

بكار

وفي المسلسل الكرتوني المصري الأكثر شهرة “بكار” الذي أضاف منير الكثير إليه  بتقديم أغلب أغنيات العمل٫ والذي تدور أغلب أحداثه في بيئة منير الطبيعية -إذا صح التعبير- أي في قرى النوبة٫ تؤكد مخرجة العمل الراحلة الدكتورة منى أبو النصر على مدى الارتباط الوثيق بين أهل المنطقة وبين نهر النيل والذي يُكرَّس في ذهن الطفل منذ لحظة الولادة من خلال طقس تقليدي لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا وهو غسل وجه الطفل عقب ولادته بمياه النيل وعلى احدى ضفافه طلباً للبركه من هذا النهر المتدفق.

ولكن وإن كان منير قد قدم النيل بشكل شديد الرومانسية والعاطفية في أغنيات عدة فإنه في أغنيته “ساح يا بداح” التي كتبت كلماتها كوثر مصطفى ايضاً فإنه يبدو وكأنه يرثي حال هذا النهر العظيم الذي لم يعد كما كان واصفاً اياه بانه “نهر ما بلش حتى الريق”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock