مدونة أصوات

مختارات من الشاعر محمد صالح

أين كنت البارحة

بينما كنت أناديك بعلو صوتي؟.

========

أنبأني البحر أن صيف هذا العام

قائظ لا محالة

وأن الشمس قد تتنزل من عليائها

لتصافح المارين الي جوارها في الشوارع والأزقة

وعند المغرب لن تبتعد كثيرا

حيث أنها سوف ترتدي لباسها الأرجوانيّ

وتلعب فى الملعب الخماسي ساعة

أو ساعتين

فخبأت البحر في جيب بنطالي

وهدهدت الأمواج ،

وربت على اكتافها لتستريح قليلا من وعثاء السفر،

وجاست أصابعي بين شعر رءوسهم

كي تنام .

حين استيقظت حبيبتي

قصت عليّ رؤياها

أخبرتني عن سكّر يسّاقط من سقف الحجرة

وملح يصّاعد وعند المنتصف يلتقيان

وبينهما أقف مضببا

لا شمس تمد لي يدها

ولا موج لأمتطيه .

حين عرّجت عليّ لفحة من الهواء خلسة

وهمست في أذني

غمغمت بكلام كثير

أذكر أنني قلت : يا أنا ،

يا هو،

ياااااااااااا .

ثمة شوارع خالية تماما

ثمة بحر يمشي الي جواري

ثمة موج يشد الخطو

ويوحد اللحن

ثمة موسيقى تنداح بين جنبيّ

وشمس تبتسم في وجهي

مثل حبيبتي التي راحت تدفع الملح بعيدا

بينما تدثرت بغيمة

كل ما بدا منها مشرقا هو

يا أنا

يا هو

ياااااااااااااااا

صيف قائظ

بحر

موج يغفو

شمس

ملح

سكر

أين كنت البارحة

بينما كنت أناديك بعلو صوتي ؟

——–

يقولون : أخرق

سلم بلطته الوحيدة للحطاب

وأوكل إليه أمر الشجرة .

علق فأسه على باب الدار

الي جوار خرقته البالية .

حاش دموعا كادت تنهمر كشلال

علي صدره ،

وهش طيورا عششت كثيرا فوق جبهته

يقولون : أخرق

علّق زوجته وأولاده على حبال العوز

خلع حذاءه الرث ،

وضجيج الحياة .

يقولون : أخرق طار

باتجاه الفلاة .

شيعته ريح كان يشم رائحتها

من قديم

بايعه ظل كان يتتبع خطاه

حتى أول الوجع .

يقول عاشق مزق الصبر قلبه :

أول الوصل خطوة

ولا صول .

السعي حياة العصافير

وطريقها الممتد بين الله

وحقول الحنطة .

ليكن كل دورك في الحياة

أن تؤاخي بين الحطاب والشجرة ،

بين السمكة والصياد ،

بين طريقك المعوج

وظلك المستقيم .

صومعتك قلبك ،

وحواريوك جوارحك التي تغافلك

طوبي للغرباء فدعوه

غدا ينبت للصغار ريش

ولزوجته عش

وللفلاة صومعة ومريدون .

غدا ربما يصير للحطاب شجر بين قدميه

كلما مشي ،

وللأخرق سحابة أو بساط ريح .

——

فقط اخلع عنك حلتك التي لا لون لها

تعال معي

الخراب لم يزل قائما

مذ رفعت ريشتك عن هذه  الجدارية

وسلمت الألوان والمساحيق

لأول عابر

كسول كشمس كهيك

خانه التمييز بين الكتلة والفراغ

بين الفقراء  وظلالهم المنكسرة

بين بائعة الفجل التي تجري علي كومة من الأولاد والأحفاد

وبائعة الهوي  التي يرتفع رصيدها

كلما ارتفعت ساقاها .

الخراب ابن الفقر البكريّ

فلماذا جعلته يتوسط اللوحة ؟

ويمد  أذرعه في كل الاتجاهات

كأخطبوط .

لماذا تركته يواقع الطيور الأليفة

ويكسر مناقيرها الغضة

يقتات على كسرات الفقراء القديدة

وأحلامهم التي تحاذي أقدامهم  ؟ .

تعالي معي

بفرشاة غير  الفرشاة

وألوان غير  الألوان

فربما نستطيع إنقاذ  الفريسة

بتبديل الأدوار مثلا

فماذا سيحدث

إذا استعرنا الخضرة للبحر

والزرقة للشجر

وصرة الدنانير لليتيم ؟!

ماذا سيحدث  مثلا اذا صار السيد

شحاذا لبعض الوقت

والعاهرة راهبة ما تبقي لها ؟!  .

أو صيرتني نهرا  يداعب  العطش ؟ .

هذي بلاد أكلها القحط

وتلك بلاد  أكلتها الحرب

وهذا ظلك يكتوي

امام ناظريك بلهيب  الأسئلة

وفراق الأحبة ،

يختمر الوجع بين أحشائه

حتى لا تستوعبه قصيدة ،

وتأكل الطير من رأسه حتى

يبيت علي الطوى ،

وينام ملتحفا بسره

وممتطيا صهوة أرقه .

السماء بعيدة جدا

عن الجدارية التي  رسمتها ،

عن الشيب الذي اعتراه

والرصيف الذي يتجاهله

والسؤال الذي لا يستطيع وأده

والأيام التي لم ير أثر تداولها بين الناس .

تعالي معي

فقط اخلع عنك  حلتك التي لا لون لها

حتي تري الألم متجسدا فوق وجهي

والبؤس علي واجهة البيت

والدعوات المكدودة التي ترصف الطريق إليك

حتى ترى أمي التي غافلتني ومضت

مثل شمس طوبة دون وداع  ،

واليتيم الذي تشقق وجهه من صفعات الأبواب ،

وصلف السادة

والعصافير التي هجرتها الزقزقة .

حتي تري طابور الخبز الواصل إليك

وطابور الغاز والماء والكهرباء

طابور الغرباء علي لوحتك  الرقمية .

العازفون أرهقهم العزف

وتداخلت النغمات

حتى بات اللحن ضجيجا

بينما غادر المايسترو القاعة

متأبطا  وجعه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock