فن

مصر في كان.. بين الإشادة والتجاهل

عبر 74 دورة هي عمر مهرجان كان السينمائي الدولي كان الحضور المصري ضمن فعالياته متباينا .. وقد شاركت السينما المصرية مبكرا فى مسابقات وعروض واحد من أهم المهرجانات فى العالم حيث بدأت بفيلم “دنيا ” للمخرج محمد كريم 1946 وتواصل الوجود المصري بشكل متقطع وبتأثير متباين ما بين الاهتمام ولفت الأنظار وإشادة النقاد وبين التجاهل والنقد العنيف للأعمال المصرية المعروضة.

تاريخ “كان”

ويعد مهرجان “كان ” أحد أهم المهرجانات السينمائية في العالم انطلقت الدورة الأولى من المهرجان في مدينة كان الفرنسية في اليوم الأول من شهر سبتمبر عام 1939.وفى يومه الثالث اندلعت الحرب العالمية الثانية بين فرنسا وبريطانيا من جهة وبين ألمانيا من جهة أخرى، ما أدى إلى تأجيل المهرجان وتعليقه إلى أجل غير مسمى ثم عاود المهرجان نشاطه من جديد في منتصف عام 1946، الذي يشكل الانطلاقة الحقيقية لمهرجان كان السينمائي.

ومجدداً يتعثر المهرجان  في دورة عام 1948 نتيجة ضعف التمويل ثم توقف مرة أخرى في دورة عام 1950 وذلك لظروف تمويلية مادية، ومنذ انطلاقة المهرجان بعد ذلك لم يتوقف سوى فى عام 1968 ومؤخرا فى العام الماضي 2020 نتيجة انتشار جائحة كورونا ويعود المهرجان هذا العام فى دورته ال 74

بين مصر و “كان”

وقد عرفت السينما المصرية بوابات “كان ” مرارا لكن الحضور المميز والمؤثر كان قليلا نسبياً وكان المخرج “يوسف شاهين ” هو ألمع السينمائيين المصريين حضورا وتميزاً وكان صاحب أول “سعفة ذهبية “مصرية من المهرجان العريق عام 1997 تكريما له على مجمل أعماله وتعد تلك الجائزة استثنائية فى السينما العربية وقد شارك بفيلم “المصير ” فى نفس العام .

كما حصد الفيلم القصير “ستاشر.. أخشى أن أنسى وجهك” للمخرج المصري سامح علاء جائزة السعفة الذهبية في دورته المختصرة التي أقيمت لثلاثة أيام فقط العام الماضي وتأتى تلك الجائزة لتكون الأولى من نوعها فى تاريخ السينما المصرية وقد منحت لفيلم قصير مما ساهم في إعادة الاعتبار للأفلام القصيرة التى تعانى التجاهل وضعف شديد فى التمويل داخل مصر

من “ابن النيل”  إلى”ريش”

ومن المقرر أن يشارك هذا العام الفيلم المصري الطويل “ريش” للمخرج المصري عمر الزهيري والذي شارك فى كتابته مع السيناريست أحمد عامر وذلك ضمن المسابقة الرسمية لأسبوع النقاد الدولي في دورته الحالية والتي وتهدف إلى تسليط الضوء على الأفلام الأولى والثانية من إخراج صانعي الأفلام من جميع أنحاء العالم،

وفى عودة لمشاركات مصر فى مهرجان كان نجد أنه فى عام 1949 حضرت مصر من خلال فيلمين، أولهما “البيت الكبير” للمخرج أحمد كامل مرسي، وثانيهما “مغامرات عنتر وعبلة” للمخرج صلاح أبو سيف والذى كان بداية  انطلاق لسلسلة من الأفلام البدوية لعبت بطولتها النجمة كوكا.

عادت مصر إلى مهرجان كان عام 1952 مع فيلمين وشارك  الوفد المصري المهرجان برئاسة  ممثل الدولة، محمد الشريف بك، وضم كل من  ماري كويني، مديحة يسري، فاتن حمامة، وكوكا. و قدم المخرج أحمد بدرخان فيلم “ليلة غرام

بينما شهدت تلك الدوره الحضور الأول للمخرج يوسف شاهين بفيلم “ابن النيل”، ونجح فى لفت الأنظار بقوة إليه كما شهدت نفس الدورة عرض فيلم مصري قصير بعنوان “ستة آلاف سنة من الحضارة” من اخراج أحمد خورشيد.

ولأول مرة يرفع علم مصر بين 38 علماً للدول المشاركة و “أشادت صحيفة” لوفيغارو” بفيلم “ابن النيل ” وقالت نقلا عن مجلة الكواكب المصرية: “ان صناعة السينما في مصر في تقدّم سريع بالرغم من حداثتها، وانه يجب، إذا لم يفز هذا الفيلم بجائزة ما، ان نعترف بوجوده ونتمنى للقائمين عليه توفيقا وحظا طيبا

وفي عام 1954 ، شاركت مصر مرة أخرى في مهرجان “كان” حيث عُرض فيلم “صراع في الوادي” بحضور مخرجه يوسف شاهين ونجميه فاتن حمامة وعمر الشريف

وفيلم “حياة أو موت ” من إنتاج عام 1954 وإخراج كمال الشيخ وبطولة عماد حمدي ومديحة يسرى، شارك الفيلم فى المسابقة الرسمية ضمن مهرجان كان 1955 وحاز على جائزة الدولة عام 1955.

وفي عام1956، شارك المخرج صلاح أبوسيف بفيلم “شباب امرأة” وقد استطاعت “تحية كاريوكا بطلة الفيلم  ” أن تكسر حالة التجاهل الغربي لمصر خاصة فى الدعم المصري لحق الشعب الجزائري فى الاستقلال عن فرنسا فشاركت تحية  في مهرجان الزهور وهى ترتدى بدلة الرقص الشرقي الشهيرة وركبت عربة مع احدى الممثلات الفرنسيات ونجحت في لفت الأنظار إليها بشدة.

بعد ذلك قررت مصر مقاطعة مهرجان كان بسبب العدوان الثلاثي الذى كانت فرنسا طرفا فيه عام 1956 ولم تعد للمشاركة سوى عام 1964 بفيلم ” الليلة الأخيرة ” للمخرج كمال الشيخ وفى عام 1965 تم ترشيح فيلم “الحرام ” للمخرج “هنري بركات ” للفوز بالسعفة الذهبية

وكان هذا الفيلم نهاية مرحلة للسينما المصرية فى مهرجان كان واستمر هذا الغياب حتى عام 1970 حين شارك فيلم الأرض ليوسف شاهين وكاد أن يحصل على السعفة الذهبية لولا تدخل حسابات سياسية حينذاك لمنع الجائزة وفى عام  1973 شارك “يوسف شاهين بفيلم ” العصفور ” تم توالت مشاركات شاهين بأفلام منها الآخر واسكندرية كمان وكمان وغيرها من الأعمال التى كان آخرها “إسكندرية – نيويورك “

كما شارك فيلم ” الحب فوق هضبة الهرم ” للمخرج عاطف الطيب عام 1985 وفيام “عودة مواطن ” للمخرج محمد خان عام 1987

وكان للمخرج “يسرى نصر الله “حضورا أيضا فى عام 1988 بفيلم “سرقات صيفية ” وبعد غياب 15 عام عن “كان ” عادت السينما المصرية فى عام 2012 عن طريق “يسرى نصر الله ” بفيلم “بعد الموقعة “

وفى 2016 تم اختيار فيلم “اشتباك ” للمخرج “محمد دياب “رسميا لافتتاح مسابقة “نظرة ما” في المهرجان

وفى عام 2018 شارك الفيلم المصري “يوم الدين ” للمخرج أبو بكر شوقي وقد حقق الفيلم نجاحا كبيرا خلال عرضه بالمهرجان وتم ترشيحه للسعفة الذهبية وهي الجائزة الكبرى فى “كان ” .

أزمة السينما

ومن خلال المسيرة الطويلة للمشاركات فى مهرجان كان فإن حصاد مصر لم يكن على المستوى المأمول ولا يعبر عن تاريخ الصناعة وعراقتها ولعل هذا الأمر  يحتاج إلى جهد لتفسيره والوقوف على أسبابه والتى من بينها – خاصة – فى السنوات الأخيرة تلك الأزمة الطاحنة التي تعانيها صناعة السينما فى مصر سواء فى التمويل أو التوزيع.

الرهان يبقى دائما على دعم وتشجيع تجارب شابة ومتقدة وبعيدة عن السينما التقليدية التي لن تجد لها جمهورا ولن تحقق أى تقدير للفن المصري خارج حدود الوطن ولعل السينما التي كانت تحتل مكانة متقدمة فى معدلات الدخل القومي – بعد زراعة القطن – صارت فى وضع يحتاج إلى المساندة والدعم بعيدا عن ضجيج عدد من صناعها الذين لا يقدمون شيئا لا للفن ولا لتاريخ السينما المصرية خاصة ونحن نتابع التطور الكبير الذى تشهده صناعة السينما فى عدد من البلدان العربية والتي تحقق أعمالها حضورا كبيرا وتحصد جوائز كبرى فى مهرجانات عالمية مهمة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock