فن

محمد توفيق.. صاحب الأدوار المركبة.. وشيخ الممثلين

هو واحد من كبار أهل الفن في مصر .. ربما لم يأخذ حقه من النجومية التي يستحقها .. وربما مال الى الوجود في الظل أكثر من الوجود  في أضواء النجومية لكنه يبقى ويظل  ممثلا قديرا من الطراز الرفيع  .. أجاد فن المثيل عن موهبة لكنه آمن كثيرا بالدراسة الفنية المتخصصة  ليدرس التمثيل  على يد واحد من أبرز نجومه العالميين .. نتحدث عن الفنان القدير محمد توفيق الذي لقب عن جدارة واستحقاق ب ” شيخ الممثلين “.

ولد محمد حسن توفيق المنصوري العجيزي بمدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية بدلتا مصر في الرابع والعشرين من اكتوبر عام 1908 وهو من عائلة العجيزي العريقة بطنطا وصاحبة التارخ الحافل في مقاومة الاحتلال الانجليزي وعاش توفيق طفولته المبكرة في طنطا ثم سرعان ما انتقل مع اسرته الى القاهرة وبالتحديد منطقة حلوا وتلقى تعليه في مدرسة الأوقاف.

صاحب الأدوار المركبة

وبدأ شغف محمد توفيق بالمثيل في اثناء دراسته ليلتحق بمعهد التمثيل ملبيا  رغبة عارمة لديه لدراسة الفن بشكل أكاديمي ، وبعد تخرجه من معهد التمثيل التحق محمد توفيق بفرقة جورج أبيض   وتكون باكورة أعماله مع الفرقة مسرحية ” عاصفة في البيت ” بطولة جورج أبيض وحسين رياض وفردوس محمد ، لكن محمد توفيق لم يستمر طويلا في  مصر في بداياته الفنية فسافر الى بريطانيا عام 1937 ليدرس التمثيل والمسرح في لندن على يد النجم الشهير لورانس أوليفييه ، وأثناء إقامته في لندن اندلعت الحرب العالمية الثانية ليعمل توفيق مخرجا بالقسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، وفي أثناء اشتعال الحرب يستطيع توفيق أن يعود إلى مصر عام  1940  ، وبعد عودته يتجه توفيق للعمل مخرجا اذاعيا بالاذاعة المصرية  ويخرج لها عددا من الأعمال الاذاعية مثل حسن ونعيمة والعسل المر    ، وعلى جانب آخر  تلتفت السينما إلى محمد توفيق  وإلى موهبته  ليشارك في بطولة عدد غير قليل من أفلام الأربعينيات فيسند اليه نيازي مصطفى دور البطولة في فيلم مصنع الزوجات ويشارك بعدها في افلام ابن البلد وحب من السماء  وشهداء الغرام والسوق السوداء   ثم تتوالى أفلامه مع بداية الخمسينات فيشارك بدور براوة في أول أفلام يوسف شاهين “بابا امين” عام 1950  وكذلك في فيلم  لك يوم يا ظالم عام 1951 وغيرهما من الأفلام

يؤدي بعدها محمد توفيق كثيرا من الادوار الصعبة المركبة التي تتطلب أداء خاصا مثل  المدمن كعبلها” الذي يشارك في عصابة لترويج المخدرات ثم يصبح مدمنا للافيون وتسوء حالته الصحية بسبب إدمانه  في فيلم الاخ الكبير عام 1959 مع فريد شوقي واحمد رمزي وهند رستم  ودوره الشهير “ابن صبيحة ” عبيط القرية وصديق البطل حسن الذي يساهم في النهاية السعيدة لقصة الحب بين حسن ونعيمة في فيلم حسن ونعيمة مع سعاد حسني ومحرم فؤاد عام 1959  ثم دور حافظ والد فؤادة “شادية” في فيلم شئ من الخوف والذي يقف عاجزا مقهورا لا حول له ولا قوة في مواجهة عتريس حين يريد أن يتزوج فؤادة بالقوة  وعرف عن توفيق إجادته التامة للادوار المركبة.

مبدع مسرحي وتليفزيوني

غير أن محمد توفيق كان  مفتونا أيضا بالمسرح ، فقد كانت بدايته مسرحية مع جورج أبيض وكان بارعا في الإخراج المسرحي ، فأخرج مسرحيات “فاوست” ومرتفعات ويزرنج و6 شخصيات تبحث عن مؤلف ومسرحية سيد درويش وكناس في جاردن سيتي

ان محمد توفيق لم يكن فنانا عاديا يبحث عن  أدوار سينمائية   تحقق له التواجد كفنان قدير فقط لكن الرجل كان فنانا شاملا ومبدعا في كل مجالات الفن ، إنه مبدع في السينما وفي المسرح وفي الإذاعة ، وهو مبدع كبير  أيضا في الدراما التليفزيونية ، وقد شارك في أكثر من أربعين  مسلسلا تليفزيونيا مثل دور زكريا البشري ابن عم أبو العلا البشري في مسلسل ابو العلا البشري ودور سعيد الطحاوي في مسلسل ولا زال النيل يجري ودور عبده في مسلسل يوميات ونيس  وكلها أدوار مهمة ومؤثرة ، كما شارك في مسلسلات هند والدكتور نعمان

 وعادات وتقاليد ومحمد واخواته البنات وغيرها واخرج محمد توفيق النص العربي  لمشروع الصوت والضوء عام 1964 وبعده بثلاث سنوات منحه الرئيس عبد الناصر  وسام العلوم والفنون من الطبقة الاولى عام 1967 وبعدها باثنتي عشرة سنة منحه الرئيس السادات وسام العلوم والفنون  ايضا عام 1979

الوظيفة الميري

لمحمد توفيق قصة طريفة رواها هو  للمذيعة سامية الأتربي في برنامج حكاوي القهاوي بالتليفزيون المصري وهي ان والدته كانت مريضة وتلازم الفراش وزاد من مرضها قلقها وخوفها على مستقبل ابنها محمد .. وكان هذا الأمر ايام الملكية وأيام أن كان للوظيفة الميري  أهميتها الكبرى في تأمين حياة المصريين .. وكا ن محمد توفيق أيامها يعمل ممثلا حرا وليست له وظيفة ثابتة  ورجته والدته ان يبحث لنفسه عن أية وظيفة حكومية مناسبة وزاد طلبها وإلحاحها في هذا الأمر ولكي يرضيها  وينهي قلقها بشأن مستقبله  فكر في طرق متعددة لإيهامها بانه حصل على الوظيفة الميري التي تتمناها له ، ولم يصل إلى حل ، حتى جاء يوم كان فيه يزور الفنان سليمان نجيب بمكتبه حين كان مديرا لدار الأوبرا المصرية .. وكانت أمامه أوراق  بيضاء تخص الدار تكتب عليها الدار خطاباتها الرسمية وفي أعلاها التاج الملكي واستغل محمد توفيق استئذان سليمان نجيب منه وخروجه لدقائق  فتذكر حكاية الوظيفة وقلق والدته ومد يده إلى مكتب سليمان نجيب واخذ ورقة من تلك الأوراق  وبعد انصرافه كتب عليها خطابا   يخبر السيد محمد حسن توفيق بحصوله على وظيفة مدير دار الأوبرا المصرية ويهنئه بالوظيفة الجديدة المرموقة، وبعث الخطاب على عنوان منزلهم ولما قرأت والدته الخطاب فرحت كثيرا وتحسنت حالتها الصحية واستمرت حتى رحيلها تعتقد أن ابنها محمدا  يعمل مديرا لدار الأوبرا المصرية.

كان أخر أفلام محمد توفيق هو فيلم أرض الاحلام ، ورغم  أن الرجل عمر كثيرا واستمر يمثل حتى مرحلة متاخرة جدا من عمره المديد فإن الوسط الفني لم يكرمه التكريم اللائق برجل امتدت مسيرته في الفن والتمثيل حوالي سبعين عاما كاملة ليرحل بعدها الفنان الكبير القدير محمد توفيق في السابع والعشرين من مارس عام 2003 عن عمر ناهز الخامسة والتسعين  .. رحل الرجل حزينا لأن الوسط الفني لم يدرك منزلته الفنية جيدا مع أن الدولة  كرمته على المستوى الرسمي مرتين .. رحمه الله

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker