رؤى

كورونا تجبر العالم على إعادة تعريف الأمن

عرض وترجمة: أحمد بركات

أجبرت موجة متحور دلتا رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، على تأجيل إنهاء القيود التي فرضتها حكومته لمواجهة الجائحة لأربعة أسابيع حتى 19 يوليو، لكن لا يعرف رئيس الوزراء، ولا أي من أعضاء وزارته، مدى النجاح الذي يمكن أن يحققه هذا الإجراء.

ربما تبقى حصيلة الوفيات على ما هي عليه من انخفاض، لكن أعداد الإصابات المؤكدة تزداد بوتيرة متسارعة، شأنها في ذلك شأن أعداد الحالات التي يتم احتجازها في المستشفيات.

ويواجه جونسون معارضة داخلية متزايدة، ونظرا لأنه يكره أن يكون غير محبوب، فإن هذا يعني أن مستشاريه العلميين يشعرون بقلق أكبر مما يمكن أن يقر به جونسون في العلن.

المشكلة بالنسبة إلى جونسون حتى في الوقت الذي يركب فيه موجة التطعيمات هي أنه على مدى أكثر من عام من تفشي هذا الوباء، لم تقدم حكومته سوى القليل، ودائما بعد فوات الآوان.

يأتي هذا رغم حقيقة أن المملكة المتحدة لديها استراتيجية أمن بيولوجي وطنية تعد، على المستوى النظري، الأفضل في العالم. أما على المستوى العملي، فقد كانت استجابة الحكومة كارثية، وأدت إلى حدوث عدة عشرات الآلاف من حالات الموت التي كان بالإمكان تجنبها.

عالمية الأزمة

ربما يكون هذا سيئا للمملكة المتحدة على وجه التحديد، بوصفها القائد العالمي الذي كان يتمتع بطريقته الخاصة في مواجهة الجائحة قبل أن يتحول إلى أحد أكبر الخاسرين في العالم. لكن يمكن رؤي ذلك أيضا في سياق ما يحدث على مستوى العالم، إذ يمكن أن تتحول هذه الجائحة إلى كارثة عالمية ذات أبعاد مفزعة ما لم تتحرك بعض الدول القوية معا لمواجهة الموقف.

وتبرز الآن العديد من القضايا. أحدها هي أن هذا الوباء يخلف تداعيات صحية أعمق بكثير مما تشير إليه الأرقام المنشورة،إذ تؤكد هذه الأرقام وجود 176 مليون حالة تم تشخيصها، بما في ذلك 3,8 مليون حالة وفاة.

رغم ذلك، أصبح الآن مقبولا بدرجة كبيرة الحديث عن وجود مزيد من الحالات التي لم يتم تشخيصها، وعن ملايين حالات الوفيات الناجمة عن كوفيد ـ 19 لم يتم الإفادة عنها.

ففي مايو الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن 6 إلى 8 ملايين شخص لقوا حتفهم بسبب فيروس كورونا، وتداعياته، أي ضعفين إلى ثلاثة أضعاف حالات الوفاة التي أفادت بها رسميا جميع الدول في مختلف أنحاء العالم، والتي بلغت 3,4 مليون حالة.

وفي نفس الشهر، أعطت دراسة أجرتها صحيفة The Economist، والتي جمعت بين البيانات المباشرة، كلما كانت متاحة، والنمذجة المفصلة في أماكن أخرى، احتمالية بنسبة 95% لبلوغ نسبة حالات الوفاة على مستوى العالم بين 7,1 مليون و12,7 مليون، بتقدير مركزي يبلغ 10,2 مليون.

توجد أيضا قضية التهاون. فنظرا للنجاح الواضح الذي حققته بعض الدول في تقويض الموجات الأخيرة، أسهم قدوم فصل الصيف بقوة في النصف الشمالي من العالم، في تكوين انطباع بأن الوباء في حالة انحسار.

لكن هذا الانطباع آخذ في التغيير، ليس فقط في المملكة المتحدة، وإنما في جميع أنحاء العالم، ولأسباب مقبولة تماما. ففي دولة تلو أخرى، توجد أمثلة عديدة على أن الأمور تسير في اتجاه خاطئ.

ففي أفريقيا، لا تتجاوز نسبة التطعيم أقل من شخص من كل مائة شخص. في هذا السياق، قال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، ماتشيديسو مويتي، في الشهر الماضي (يونيو 2021) إن “إفريقيا تحتاج الآن إلى ملايين إضافية من الجرعات”.

وأضاف أن “أفريقيا تقع الآن في قلب موجة ثالثة عاتية … لقد رأينا في الهند وفي دول أخرى مدى السرعة التي يمكن أن يعاود بها كوفيد ـ 19 نشاطه ويجتاح الأنظمة الصحية”.

وارتفع عدد الحالات التي تم الإفادة عنها في أوغندا إلى 20 ضعفا في غضون شهر مايو فقط، فيما أدرجت تونس وزامبيا وناميبيا وجنوب إفريقيا في قائمة الدول الأكثر تضررا. إضافة إلى ذلك، نفذت إمدادات اللقاحات في سبع دول إفريقية على الأقل، كما استهلكت سبع أخرى 80% من مخزونها.

إعادة التفكير في مفهوم “الأمن”

هناك أيضا العديد من الدول خارج القارة الإفريقية التي يفترض أنها قدمت قصصا ناجحة في مواجهة الوباء، لكنها تواجه الآن طفرات جديدة. تأتي الصين ضمن هذه الدول، حيث عانت مدينة قوانغتسو، عاصمة ولاية غوانغدونغ الجنوبية، والتي يقطنها أكثر من 18 مليون نسمة، مؤخرا من تفشي سلالة دلتا.

كورونا في ألمانياولا يقتصر الأمر على الصين وحدها حيث تواجه العديد من الدول الأسيوية انتكاسات حادة، ما يكشف الخطر الداهم الناجم عن السماح للفيروس بمعاودة الظهور في صورة نسخة “دلتا” الأكثر توحشا، في الوقت الذي لا تزال فيه معدلات التطعيم على انخفاضها.

وما لم يتم اتخاذ إجراء عاجل، فإن مزيدا من المتحورات القاتلة سوف تظهر، وربما تتجاوز الحصيلة النهائية للوفيات 30 مليون، ما سيترتب عليه تداعيات طويلة المدى على الصحة البشرية وعلى الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للعديد من الدول في جميع أنحاء العالم.

وتمثل هذه فرصة لقادة العالم لإعادة التفكير فيما يعنيه مفهوم “الأمن”، ولإدراك قيمة التعاون مع الدول الأخرى. فإذا استطعنا التخلي عن عقلية النظر إلى الداخل التي تسببت في تعقيد معركة بريطانيا ضد كوفيد ـ 19، والعمل معا كمجتمع عالمي للتغلب على الجائحة، فسيتوافر لدينا بعض الأمل للاستجابة للتحدي الأخطر، وهو الانهيار المناخي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock