يتناول هذا الكتاب ” داعش الي أين؟ ..جهاديو ما بعد القاعدة ” تجربة داعش ويحلل ظروف و نشأة هذا التنظيم و الخلفيات الاجتماعية و العقائدية و السياسية لقادته و عناصره، كما يلقي الضوء علي العوامل الاقتصادية و الاجتماعية التي أدت إلى بزوغ نجم هذا التنظيم علي الساحة العالمية،وخاصة تصاعد الموجة الطائفية في المنطقة و تعمق مظاهر الفقر و البطالة مقابل انهيار مؤسسات الدولة الوطنية في العراق و سوريا. كما يتضمن هذا الكتاب إشارات إلى اختلاف تنظيم داعش عن التنظيمات الجهادية الأخري و التباين مع تنظيم القاعدة، ثم في النهاية يشير الكتاب إلى قراءة تحليلية عميقة لمستقبل داعش. و السوال المطروح بقوة في هذا الكتاب من صنع داعش؟ وما حقيقة أفكارهم؟ و ما منطلقاتهم الأيديولوجية؟ و ما الرؤي المستقبلية لمصيرهم؟ كل هذه التساولات سوف تجيب عنها فصول الكتاب الذي بين أيدينا.
هذا الكتاب لمؤلفه د.فواز جرجس، وترجمة د. محمد شيتا صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، ط1، 2016. عدد صفحاته 304 صفحة، ويتضمن مقدمة و ثمانية فصول و خاتمة. وقد جاء الفصل الأول بعنوان (العالم من منظار داعش). بينما جاء الفصل الثاني تحت عنوان(من أين أتي داعش ..من الزرقاوي إلى البغدادي). ولقد جاء الفصل الثالث موسوما ب(كيف أوصلت سياسات العراق المتعثرة إلى إحياء داعش؟). أما الفصل الرابع فيحمل عنوان(تطور البغدادي من الجندي المغمور الي الخليفة الدموي) أما الفصل الخامس فيحمل عنوان(البعثيون وجهاديو داعش.. مَنْ حول مَنْ؟) والفصل السادس بعنوان(كيف عززت الحرب السورية قوة داعش ؟) أما الفصل السابع فهو بعنوان(إخفاقات الربيع العربي و الإ حباط اللاحق) أما الفصل الثامن و الأخير بعنوان(اعادة تعريف الجهاد و التحول من العالمي الي المحلي) فيما تحمل الخاتمة عنوان(مستقبل داعش) .
يشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلى ان تنظيم (داعش) هو الذي يتولى الآن قيادة الحركة الجهادية العالمية، وهو بذلك يخلف تنظيم القاعدة. ويلفت الانتباه الي حقيقة مهمة و هي ان داعش يمثل خطورة جديدة و موجة جديدة في الحركة الجهادية العالمية. ثم يعقد مقارنة بين تنظيم( داعش) و تنظيم القاعدة بقيادة أسامه بن لادن، ويرى أن تنظيم القاعدة محدود و لا يملك سيطرة على الأرض ، كما ان جنوده لا يتجاوز عددهم ثلاثة آلاف مقاتل ويحميه طالبان في افغنستان، اما داعش فهو يمثل الحاكم الأعلى للبلاد ، ويُظهر تحدي داعش الصريح لقيادة القاعدة و طموحها التوسعي أنه تنظيم مصمم على فرض ارادته كلاعب رئيسي جديد في المنطقة وكدولة أمر واقع([1] )
ويلفت المولف الانتباه الى استراتيجية داعش المتمثلة في العمل على تعزيز وتوسعة رقعة الارض و السلطة اللتين تمتلكهما الدولة الاسلامية في العراق و سوريا ، و تقوم ايضا تلك الاستراتيجية على تحطيم الحدود الاستعمارية للهلال الخصيب ، ويسعى التنظيم من خلال ذلك الى احلال الدولة الاسلامية اي الخلافة محل الانظمة المرتدة على حد زعم التنظيم . ويرجع المؤلف السبب الجوهري الي ظهور داعش علي الساحة العالمية الى الظروف المريعة التي تسود المجتمعات العربية في الصراعات و المنافسات الاقليمية و الدولية في المنطقة ، فأزمتا الحكم و الاقتصاد السياسي المستمر منذ عقود هما العامل الاساسي في صعود داعش([2] ).
ثم يقوم المؤلف بتحليل عميق لاسباب عنف داعش الزائد و دموية هذا التنظيم، وتتمثل هذه الاسباب في : 1-انتساب تنظيم داعش الى القاعدة في العراق وزعيمها ابي مصعب الزرقاوي الذي مثل جيل ما بعد القاعدة من السلفية الجهادية.
2-عراقية الغالبية العظمي من افراد تنظيم داعش و استعارته الادوات البعثية في القمع ، ايضا من اهم العوامل التي قوت و زادت قوة داعش هو عامل العداء للشيعة و ايران([3]).
ثم يمضي فواز في تحليل ظاهرة داعش و يصل الي الفصل الاول (العالم من منظار داعش) ويشير الي ان (داعش) قد نجح كايديولوجيا و كحالة امنية في فرض اجندته في صراع هويات شرسة بين المسلمين السنة و المسلمين الشيعة، ورغم اصرار داعش انه يعمل من خلال نظام قيم مختلف عن ذاك الذي تروجه الليبرالية الغربية ، الا ان خطاب التنظيم لا يتضمن اي تجديد في سياسات الهوية و قطبها الصارخ الديني بامتياز. و يشير الباحثون الأكاديميون الي عدة عناصر في رؤية و نظرة التنظيم للعالم تنحدر من الايديولوجية (الابراهيمية) الاصولية ومن ضمنها الثنائية (الخير المطلق و الشر المطلق) والانتقائية اي انتقاء معتقدات معينة و ترك سواها. ومن بين تلك العناصر هناك وجه يبدو ظاهرا بقوة هو رجعيتها ، و تاخذ الرجعية تلك شكل العداء تجاه الحداثة العلمانية ، هذا العداء ليس موجها فقط ضد اناس من خارج معتقدهم الاصولي ، بل حتي ضد افراد من الجمعات الدينية نفسها.
والسؤال ليس ما اذا كان داعش اسلاميا ام لا؟ لكن السؤال هو فهم كيفية اخذ التنظيم و بانتقائية من الشرع ما يخدم ايديولوجيتهم ؟ لقد قفز البغدادي و مساعدوه الدعائيون فوق قرون من التفاسير و التفاسير المضادة الاسلامية، فيحصرون انفسهم في قراءة شكلية حرفية ، ضيقة و بائدة للعقيدة الاسلامية([4] ).
ويحلل المؤلف الخطاب الداعشي و يري انه خطاب شمولي ، يلغي التعددية السياسية ، و البغدادي و اركانه يجرمون بل و يجتثون كل فكر حر ، وكل فكرة غريبة على أيديولوجيتهم. و يتوصل الى نتيجة مفادها ان داعش محكوم عليه في النهاية -كحركة شمولية دينية – ان يدمر نفسه بنفسه ، ليس فقط لارتكابه الافعال الشريرة فحسب، بل لانه ينقصه الخيال السياسي ، ولتعارض ايديولوجيته مع طرائق عيش المواطنين العاديين و الجماعات المحلية. وترتكز ايديولوجية داعش على تطهير الاراضي الاسلامية من المرتدين و الهراطقة كما يتصورون ، و ليس في ذهنهم و تفكيرهم الثمن الحضاري و الانساني المدفوع. وبناء على ذلك يقدم داعش نفسه كبديل اصيل اكثر تعبيرا عن الهوية من نظام الدولة الحالى في الشرق الاوسط. ([5] ).
ويؤكد المؤلف على نقطة جوهرية وهي نجاح داعش في جذب شبان من حول العالم ، و يرجع السبب في ذلك الي ان التنظيم يخاطب الشباب السني حول العالم بطرق ووسائل متقدمة يستخدمها في استراتيجيته ، فالتنظيم يخاطب الشباب السني بما يتعلق بوضعهم و بهوياتهم ، ويلعب على اوتار قلوب الشبان السنة المغربين والمغيبين عن واقعهم، ويقدمون لهم نظرة طوباوية و مشروعا سياسيا هو استعادة الخلافة الضائعة.
ثم يأتي المؤلف في تحليله الي الفصل الثاني(من اين اتي داعش.. من الزرقاوي الي البغدادي) و يلقي الضوء علي صعود نجم داعش و يري ان من اهم الاسباب هو احتلال امريكا للعراق عام(2003) ، ثم يرجع في خطوات خلفية الي الوراء للحديث عن ابي مصعب الزرقاوي و يلقي الضوء علي ملامح شخصيته، باعتباره مؤسس القاعدة في العراق. ويشير الي ان اسمه الاصلي هو (احمد فاضل النزال الخلايله) ولد في الزرقا بالقرب من عمان في الاردن ، ونشأ في بيئة اجتماعية فقيرة، و ان من اهم نقاط التحول في حياته وفاة ابيه. و بتحليل شخصية الزرقاوي سيكلوجيا نري انه حاد المزاج ، وليس له اهتمامات دينية ، كما انه كان مدمنا للكحول ، هذا التحليل مهم لمعرفة كيفية قيادته للتنظيم و افكاره في النظر للاحداث.اما النقطة الثانية المحورية في حياة الزرقاوي هي عندما خرج من السجن في الاردن ومنه الي افغانستان ليلتحق بالمسيرة الجهادية. ويشير المؤلف الي ان الزرقاوي بقي في افغانستان حتي عام 1992 دون ان يفعل شيئا ، ثم عاد الي الاردن و اسس خلية سلفية جهادية اردنية مع البرقاوي الذي سياخذ اسما حركيا فيما بعد هو المقدسي هذه الخلية سميت ب التوحيد([6])
ويشير جرجس الى حقيقة مهمة و هي ان الزرقاوي لم يكن عضوا رسميا في تنظيم القاعدة المركزية ، الا انه كان يشارك القاعدة موقفها السلفي الجهادي. ولقد انشا زاويته الجهادية في الهرات ، وكان المخيم صغيرا و عاش الزرقاوي عيشة بسيطة تشبها بحياة الرسول، وبسبب سيطرة العناصر العربية وكثرتها في المعسكر من فلسطين و سوريا و لبنان و العراق ، اخذت الجماعة اسم (جند الشام) . وبعد الغزو الامريكي للعراق رحل الزرقاوي الي العراق ، ورغم قلة العدة و العتاد استطاع بناء جماعة سلفية جهادية هي تنظيم القاعدة في العراق.
و يشير المؤلف الي نقطة محورية و هي ان الصعود السريع للزرقاوي كان ورقة النجاة لبن لادن و الظواهري يدخلان من خلالها الي المناطق الاكثر سنية في الاسلام ، و الي النقطة الاكثر سخونة وهي الصراع الاسرائيلي –الفلسطيني([7]).
ثم يستخلص المؤلف نتيجة مفاداها ان تنظيم القاعدة المركزية و تنظيم القاعدة في العراق هما وجهان لعملة واحدة ، مع فارق في الدرجة لا في التكتيكات او المشروع ، فكلاهما غاص في عروض التوحش و العنف المشهدية ، وكلاهما اعتبر الشيعة زنادقة . وهناك حقيقة مؤلمة وهي ان تنظيم القاعدة في العراق بعد موت الزرقاوي و تولي البغدادي قد تحول الي شبكة تشبه المافيا تضرب وتفجر و تغتال ثم تختفي ، وتهاجم العدو من الشيعة و السنة ، كما ان البغدادي خليفة الزرقاوي يمثل شخصية مريضة نفسيا و اكثر دموية من سلفه الزرقاوي.
ثم يمضي فواز في تحليله لظاهرة داعش و يصل الي الفصل الثالث(كيف اوصلت سياسات العراق المتعثرة الى احياء داعش) ويري ان من الاسباب الهامة التي ادت الي صعود داعش هي اخفاق المؤسسة العراقية ما بعد صدام و انقسامها، ونزعة المالكي الاستبدادية المتزايدة منذ عام 2010، هذان العاملان يمثلان انفتاح البيئة المناسبة للقاعدة ، و الدولة الاسلامية في العراق. و يري المؤلف ان النخبة السياسية قد اخفقت في دفع العراق الي الامام ، و مساعدته علي التخلص من ارث الحكم البعثي. كما فشلت المؤسسة العراقية في توفير مشروع وطني جامع و اعادة بناء المشهد السياسي في المقدمة ، فبدلا من الابتعاد عن الاستبداد السياسي و عبادة الشخصية اللتين جسدهما صدام لسنوات ، اخفقت الطبقة السياسية التي ورثت هذا النظام في ان تنهي الطائفية و التفكك الاجتماعي([8]).
ويري المؤلف ان داعش انتعشت و نضجت في البيئات الفقيرة و استغلت التذمر و الاضطراب الذي تركته الصحوات في المجتمع السني. كل هذه العوامل مجتمعة ادت الي صعود نجم داعش و سيطرته علي الكثيرمن الاراضي سواء في العراق او سوريا. ايضا تشدد المالكي و استخدامه العنف و الاستبداد ضد السنة بحكم انه يمثل الشيعة ، و شعور السنة بالاضطهاد و التهميش ادي هذا ان تلعب داعش علي ذلك الوتر ، و هو ما يفسر فيما بعد عنف داعش ضد الشيعة و ايران.
ثم يصل تحليل المؤلف الي الفصل الرابع من الكتاب (تطور البغدادي من الجندي المغمور الي الخليفة الدموي) ويشير الي ان البغدادي قام بدور حاسم وهام في صعود و بزوغ نجم داعش الي المستوي الذي نراه في العالم الآن. و السبب في ذلك كما يري المؤلف – يعود الي مفتاح السر في شخصية البغدادي و هي الطاعة و الولاء المطلق من التنظيم كله. ويتتبع فواز قصة صعود البغدادي و بالتالي صعود داعش ، و يشير الي ان اسمه الحقيقي(ابراهيم بن عواد ابراهيم علي البدري السامرائي و اسمه الحركي فيما بعد ابو بكر البغدادي ، وهو ينحدر من المثلث السني المعروف بتدينه . ثم يتتبع المؤلف أهم المحطات في حياة البغدادي و يري ان من اهمها غزو امريكا للعراق ، وهذا دفعه الي التشدد و حمل السلاح ضد امريكا و الشيعة. ثم المحطة الثانية المهمة وهي السجن في معتقل( بوكا) وتجربة السجن كما يري عبد الباري عطوان في كتابه (الدولة الاسلامية) انتجت الرغبة في نفسه في الانتقام من الامريكان ، ثم انضم بعد المعتقل الي القاعدة في العراق بقيادة الزرقاوي([9]).
وعندما تم اعتقاله من قبل الامريكان تم تصنيفه علي انه جندي عادي سني، لذا يرسم معاصرو البغدادي صورة له مغايرة لما هي عليه ايديولوجيا الدولة الاسلامية في العراق، يقولون ان البغدادي لا يتميز بشئ دينيا ، و لا في ميادين القتال ، وهو مقاتل عادي تدبر بفعل طموحه امر تسلق السلم الجهادي بمساعدة الحظ و الظروف الملائمة ، فهو متوسط الذكاء دون مهارات قتالية. وبحسب المصادر من داخل التنظيم فان البغدادي اصبح الساعد الايمن لابي عمر البغدادي و من معمودية الدم و النار تعلم البغدادي بسرعة كيف يبقي حيا و يصعد السلم من القاع الي القمة . و يستخلص المؤلف نتيجة مفادها ان كل ما قيل عن شخصية البغدادي من تفاصيل هو موضع خلاف، لانه هو رجل الظل بامتياز، ومع ذلك هناك شئ واحد يجمع عليه الجميع هو ان البغدادي اكثر دموية من سلفيه الزرقاوي و ابي عمر البغدادي.
ويقول دعائيو داعش في منشوراتهم و تبريراتهم ان قسوة البغدادي دليل علي استحقاقه منصب الخلافة. و يري أيديولوجيو داعش ان نصرة الاسلام بحسب البغدادي و جماعته تكون عن طريق الجهاد العنفي و الذي يمثل فريضة الزامية و ليست اختيارية . و يخلص المؤلف في نهاية هذا الفصل الي نتيجة مفادها ان ما يعنينا في النهاية ليس تاريخ البغدادي الشخص ، بل امتلاكه رؤية استراتيجية سمحت له بتحويل تنظيم هش كان على شفا الانهيار الى جيش محترف ظهر أن بامكانه خوض حرب عصابات في الريف، وبهذا المعنى يظهر تفوق البغدادي الواضح على مرشديْه اسامه بن لادن و الزرقاوي في الخداع الاستراتيجي و المهارات التنظيمية([10]).
ثم يصل المؤلف الي الفصل الخامس(البعثيون وجهاديو داعش من حول من؟) وفي هذا الفصل يربط جرجس بين تنظيم داعش و علاقته بالبعثيين السابقين في نظام صدام حسين ، ويشير الي وجود علاقة بين الاثنين. و لكن السؤال المحوري من أثَّر في من ، من كان له اليد الطولي في تغيير الاخر هل البعثيون أثروا في داعش ام العكس هو الصحيح؟ تؤكد الشواهد و الادلة الدور الرئيسي لضباط جيش و شرطة سابقين في نظام صدام في تحويل التنظيم من جماعة قريبة من شكل المافيا الي جيش صغير محترف، و هناك تقديرات بأن 30 في المائة من الكوادر العليا في داعش يحتلها ضباط جيش و شرطة من رتب عليا كانوا سابقين في جيش صدام. ورغم تلك العلاقة الوطيدة بين الاثنين الا أن المؤلف يري ضرورة اخضاع هذه الرواية للتدقيق و النقد بهدف تبين حدودها و حقيقتها.ويشير موقع (Wikibaghday) “ويكي بغداد” الي ابعد من وجود علاقة بين داعش و البعثيين ، فيذهبون الي حد الزعم أن هؤلاء الضباط البعثيين في جيش صدام يسيطرون علي التنظيم من خلف الستار ، وهم القوة الحقيقية المحركة له ، بل يروا ان البغدادي نفسه ليس اكثر من واجهة امامية للضباط البعثيين الذين صمموا صعوده الي رأس هرم التنظيم.([11])
ورغم تلك العلاقة الا ان المؤلف يشير الي حقيقة جوهرية و هي ان تدفق البعثيين السابقين الي التنظيم لم يُحدث اي تغيير ملحوظ في هويته السلفية الجهادية ، وعليه فمن غير المؤكد الخلط بين المردود العسكري الذي جلبه اولئك الضباط للتنظيم وبين زعم الموامرة البعثية لخطف التنظيم و ادارته من خلف الستار. ويؤكد المؤلف علي ان تلاقي المصالح او زواج المصلحة هو الذي جمع بين البعثيين و داعش، فكان هذا الزواج بديلا عن الانجذاب الايديولوجي، كما انه لايوجد دليل كاف علي استيلاء البعثيين علي داعش الا ان هذا التنظيم استعار ،- وفق اكثر من دليل- الكثير من اساليب النظام البعثي السابق القمعية و التسلطية حيال الناس ، أقصي داعش من جهة اولى البعثيين وطلب منهم تقديم فروض الطاعة و الولاء ، ومن جهة ثانية قام بتقليد اساليب النظام البعثي في الوحشية مع الباسه اللبوس الاسلامي([12] ).
ويواصل المؤلف تحليله الي الفصل السادس(كيف عززت الحرب السورية قوة داعش) ويرى ان الحرب السورية الشاملة من الاسباب القوية لتمدد داعش و اتساع رقعة الارض التي استولى عليها ، ولقد بدأت الانتفاضة الشعبية السورية في المناطق الريفية اولا مثل درعا ، لان هذه المناطق كانت تعاني من الفقر و البطالة وانه تم توزيع السلطة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية في هذه المناطق وفق خطوط طبقية و اثنية مما أدي الي مضاعفة المسافة الفاصلة بين الاغنياء و الفقراء، لذا قامت انتفاضات و مظاهرات في هذه المناطق الريفية الفقيرة. هذه البيئة وفرت المناخ الملائم للجماعات المسلحة ، كما ان هذه التطورات المتلاحقة كما يشير المؤلف كانت بمثابة الفرصة الذهبية لابي بكر البغدادي و حلقته الداخلية لبناء شبكات اجتماعية و إحياء القديم منها([13])
ويلفت فواز الانظار الي ان داعش لم يعلن لمدة سنة كاملة تورطه في الحرب السورية و لجأ التنظيم بدلا من ذلك الي تزويد جيش النصرة بضباط سابقين اكفاء من الجيش العراقي ، و بالمال و السلاح، و بينما كان التنظيم الجهادي ينفذ عملياته في العراق كانت أوراق اعتماده للجماعة السنية في سوريا انه الطليعة المقاتلة للسنة الذين يشعرون بالمهانة و التهميش من النظام في دمشق. و يجب ان نأخذ في الاعتبار اهمية المرحلة الاولى من العلاقة بين الدولة الاسلامية في العراق و النصرة عام 2013 فقد كانت العلاقة حاسمة في تأسيس قاعدة جهادية مهمة ذات بنية مستدامة و متينة . ثم يتوصل المؤلف الي نتيجة مفادها أن عودة داعش القوية للعراق كانت مسبوقة ، باستيلاء التنظيم علي اراض سورية بحيث اصبح قادرا علي تحطيم الحدود الدولية التي تفصل بين البلدين، فجعل الدولة الاسلامية في العراق و سوريا حقيقة علي الارض([14] ).
ثم يمضي المؤلف في تحليله حتي يصل الي الفصل السابع (اخفاقات الربيع العربي و الإحباط اللاحق) و يري ان احد الاسباب الهامة لبزوغ نجم داعش هو الاخفاقات المتراكمة للسلطوية العربية السياسية علي مدي اربعة عقود في المجالين السياسي و الاقتصادي. علي المستوي الاول جلب طغيان الانظمة السياسية الاختناق للمجتمع وزرع في المجتمعات بذور الحركات المتطرفة المدفوعة بهاجس الهوية، و علي المستوي الثاني اخفقت الانظمة العربية الاستبدادية في تطوير اقتصاداتها و تسببت بازمة اجتماعية حادة تمثلت في الفقر المدقع و البطالة بين الشباب، و بناء علي ذلك تحول هذا التطابق بين الاستبداد السياسي و الفشل الاقتصادي التنموي الي الوقود الذي كانت تحتاجه انتفاضة الربيع العربي. ويشير جرجس الي ان هذه الاتفاضات العربية كانت نعمة للمتطرفين الاسلاميين ، فقد وصف بن لادن انتفاضات الربيع العربي (بالحدث الهائل) و يقول ابو يحي الليبي الذراع الأيمن للظواهري ان هذه الانتفاضات هي امتداد لكفاح القاعدة الطويل لطرد النفوذ الغربي من العالم الاسلامي([15]).
ويؤكد علي حقيقة مهمة وهي ان عدم استجابة الحكومات العربية لمطالب الشعوب من حرية و عدالة و كرامة قد فوت فرصة ثمينة لهيكلة الاصلاحات المطلوبة و اعادة بناء المؤسسات الفاشلة ، و ادي القمع الوحشي للمتظاهرين الي عسكرة الانتفاضات، و استغلال قادة القاعدة هذه الاضطرابات السياسية لنشر سرديتهم الايديولوجية. ثم نصل الي الفصل الأخير (اعادة تعريف الجهاد و التحول من العالمي الي المحلي) حيث يحاول المؤلف في هذا الفصل ان يلقي الضوء علي ان تنظيم القاعدة و داعش ينتميان الي نفس العائلة نفسها و هي السلفية الجهادية ، وانهما يتشاركان الافكار الرئيسية نفسها و اولي هذه الافكار هي يوتوبيا اسلامية هي في قلب الايديولوجيا السلفية الجهادية، وتهدف الي استبدال حكم الدولة بحكم الله. اما الفارق بين التنظيمين فهو أن القاعدة هو تنظيم سري عابر للحدود و خارج كل حدود، بينما يتميز داعش بانغماسه في الجماعات السنية المحلية . و يري ان استراتيجية داعش تقوم علي عقيدة الجهاد بالاكراه ، فقد روج التنظيم سمعة جهادية عالية ما يجعله يستحق وفق دعايته ان يكون طليعة الامة ، كما ان استراتيجية داعش تقوم علي عقيدةالحرب الشاملة ([16]).
ويستشهد المؤلف بكلام العدناني الرجل الثاني في داعش بقوله إن الاولوية للعمل الجهادي العنفي و ليس للنظرية(الدين) .
ثم يصل المولف الي الخاتمة(مستقبل داعش) و يتساءل عن هذا المستقبل الذي يري البعض انه قريب من الانهيار و البعض الآخر يري ان داعش سوف يستمر فترات طويلة. و يري المؤلف ان الوسيلة الاكثر فاعلية للقضاء علي داعش هي قدرة المجتمعات العربية مع القوي الاقليمية و الدولية علي توفير حل سلمي للنزاعات و لدعم اعادة بناء الدول العربية و مؤسساتها.لذا يري فواز جرجس انه لا حل قريب لأزمة داعش ، و الحل يكمن في تطوير استراتيجية سياسية مركبة و طويلة الامد تتضمن الرهان على الزمن ، و المصالحة و القيادة الرشيدة علي المستويات المحلية و الاقليمية و الدولية. و يلفت الانتباه الي حقيقة مهمة و هي وجود نزعات و تشققات في جسد تنظيم داعش وهذا يجعل مستقبله علي المدي البعيد أمرا غير مؤكد[17]
[1]-فواز جرجس:داعش الى اين؟ جهاديو ما بعد القاعدة، ترجمة.محمد شيتا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،ط1، 2016،ص17.
[2]-فواز جرجس: القاعدة الصعود و الافول تفكيك نظرية الحرب على الارهاب، ترجمة محمد شيتا، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت،ص85 .
[3]-فواز جرجس: داعش الي اين، ص21 .
[4]-فواز جرجس:داعش الي اين،ص37.
[5] -المرجع السابق:ص41.
[6] فواز جرجس: داعش الي اين،ص62.
[7]-فواز جرجس: داعش الي اين ، ص89.
[8] -فواز جرجس: داعش الي اين،ص112.
[9] -عبد الباري عطوان: الدولة الاسلامية ، الجذور، التوحش،المستقبل،دار الساقي ، بيروت،2015، ص46.
[10]-فواز جرجس: داعش الي اين: ص134 .
[11]-المرجع السابق:ص143 .
[12]-فواز جرجس: داعش الي اين، ص155 .
[13]-المرج السابق:ص159.
[14]-فواز جرجس: داعش الي اين،ص177.
[15]-فواز جرجس: داعش الي اين،ص185.
[16] -المرجع السابق:ص211.
[17] -فوازجرجس : داعش الي اين،ص256.