منذ 123 عاما وبالتحديد في السابع عشر من يوليو عام 1898 ومع نهايات قرن يرحل شهد في خمسه الاخير احتلالا انجليزيا مقيتا لمصر ومع ارهاصات قرن جديد بزغت فيه وبذخت ملامح حركة وطنية عظيمة تشكلت مع ثورة 1919 ولد الطفل يوسف وهبي في بيت يقع على بحر يوسف بالفيوم وسماه ابوه مفتش الري عبد الله أفندي وهبي الذي استصلح مئات وآلاف الأفدنة الزراعية وحصل بعد سنوات على لقب الباشوية بـ”يوسف” تيمنا باسم البحر الذي ولد الطفل في بيت يطل عليه
في طفولته الباكرة لم يكن يوسف وهبي يستقر في مكان ، فما يكاد يعيش في بلد حتى ينتقل والده الى بلد آخر بحكم طبيعة عمله
يوسف ودرية
وفي صعيد مصر وبينما بلغ الطفل يوسف الثامنة من عمره اكتشف اكتشافا مذهلا ، حين رأى قريبا من بيتهم في مدينة سوهاج فرقة مسرحية جوالة تمثل مسرحيات من الأدب العالمي مثل عطيل وروميو وجولييت وانبهر يوسف وهبي بالفرقة وبالتمثيل .. ومنذ ذلك الوقت قرر وهو طفل صغير بينه وبين نفسه أن يكون هذا الفن الجديد هو حياته وحرفته ومستقبله كله وهو ما أكده وهبي في أواخر حياته في نهاية السبعينات للمذيعة فريال صالح في برنامج شريط تسجيل
تابع الطفل الصغير الفرقة المسرحية التي كان اسمها فرقة سليم القرداحي مع طفلة في مثل عمره من جيرانهم تسمى درية وانبهر الطفلان الصغيران يوسف ودرية بمسرحية روميو وجولييت وقررا تمثيلها في الشارع الذي يقطنان به ،وكما افتتن الطفلان بروميو وجولييت في التمثيل افتتنا ببعضهما في الواقع واصبح يوسف يتخيل نفسه روميو حقيقيا فيما تتخيل درية نفسها جولييت حقيقية،وتعلم الأسرتان بقصة الحب البريئة فينال يوسف من والده علقة ساخنة فيما تقوم أسرة درية بحبسها وتحاول الطفلة الصغيرة الانتحار تمثلا بجولييت لتكون اول قصة حب في حياة عميد المسرح العربي.
يكبر يوسف قليلا وحين يبلغ الثانية عشرة من عمره تنتقل أسرته إلى القاهرة وتقيم في إحدى الحارات بمنطقة عابدين وهناك وفي نفس الشارع الذي يسكن به يتعرف يوسف بواحد من جيرانه هو محمد كريم الذي كان يشارك يوسف حب الفن والتمثيل والذي سيصبح بعد ذلك مخرجا كبيرا وواحدا من رواد السينما المصرية الأوائل
تتسع موهبة يوسف وهبي وتكبر فيبدأ في إلقاء المنولوجات في النادي الأهلي ويتعرف على عزيز عيد من خلال هذه الفقرات التي كان يقدمها بالنادي فيضمه لفرقة التمثيل العربي ويمثل وهبي مع الفرقة أول دور في حياته لرجل عجوز في السبعين بينما كان لا يزال صبيا صغيرا
غضب عبد الله وهبي من ابنه يوسف غضبا شديدا بسبب اصراره على احتراف التمثيل الذي كان في ذلك الوقت مهنة منبوذة ومزدراة ، ويهدده بحرمانه من الميراث ، فيقرر يوسف السفر الى ايطاليا بحثا عن تعلم التمثيل والمسرح وعن فرصة عمل بعد غضبة والده عليه.
أيام في إيطاليا
يبيع يوسف وهبي مصوغات دادته رقية بثلاثين جنيها يدفع منها ثمن تذكرة ركوب الباخرة حلوان المتجهة من الاسكندرية إلى ميناء ثويستا بإيطاليا
يركب يوسف وهبي الباخرة من الاسكندرية وفي منتصف الطريق وفي عمق البحر يشعر بخوف شديد من تلك الرحلة ويشعر بخوف اكبر من قادم أيامه في بلد لا يعرف عنها أي شئ لكن الامر كان قد قضي فمعنى قفزه من الباخرة هو الموت غرقا .. ينزل يوسف في ميناء سويثتا ثم يركب القطار المتجه إلى ميلانو.
وفي ميلانو يتعرف يوسف وهبي على فنان مسرحي إيطالي يدعى بيكاتوني يبدأ في تعليمه فن المسرح تعليما أكاديميا بإلحاقه بالمعهد الإيطالي لكن اللغة الإيطالية كانت حائلا في بداية تلقي وهبي دروسه في المسرح دون تمكنه من فهم ما يلقيه عليه استاذه الممثل الايطالي المعروف وبقية أساتذة المعهد ، يبدأ يوسف وهبي في تعلم الإيطالية بشكل معقول وفي نفس الوقت يلحقه أستاذه بيكاتوني بفرقة مسرحية إيطالية ليمثل دور كومبارس ثانوي مقابل 100 ليرة كل شهر.
بعد وصول وهبي الى ميلانو بقليل يبعث له والده بتذكرة يركب بمقتضاها قطارا ينطلق من سويثتا إلى برلين ويركب فيه عشرات الطلاب المصريين يتجهون إلى ألمانيا لدراسة الطب هناك .. لقد وضع والده اسمه ضمن الطلبة المسافرين لدراسة الطب في برلين وأرسل له مبلغا من المال مع شقيقه عباس ..وكان من الطبيعي والمنطقي أن يوافق يوسف على ذلك العرض في ظل ظروف بداية شديدة القسوة صادفها في ميلانو ..لكن يوسف كان قد حسم أمره منذ زمن .. منذ أن انبهر بفرقة سليم القرداحي في سوهاج ومثل مع حبيبته الطفلة درية مسرحية روميو وجولييت .. التمثيل والمسرح ولا شئ غيرهما .. ومن مصادفات القدر العجيبة أن القطار الذي رفض يوسف وهبي ركوبه لدراسة الطب في برلين سقط بركابه بين جبلين .. ليشعر وهبي أن حب التمثيل والمسرح هو الذي كان سببا في أن يكتب الله له حياة جديدة.
و لم يجد وهبي في البداية مكانا يؤويه وينام فيه ،فوجد له بيكاتوني فتاة ايطالية تدعى كاترينا تقيم بمفرها في حجرة صغيرة ، ليذهب وهبي للإقامة معها في تلك الغرفة الصغيرة، وكانت بالنسبة لوهبي طوق النجاة من حياة التشرد.
في إحدى جولاته الليلية وبينما كان وهبي في إجازة لليلة واحدة من الفرقة المسرحية التي كان يعمل بها ياتقي بإيطالي من اصل مصري يدعى بيسوتو ، ويعزمه على أحد البارات وهناك يبلغ السكر بالاثنين حدا كبيرا فيهيمان في شوارع المدينة الإيطالية العتيقة
وتصادفهما في طريقهما كنيسة يتراهنان على أن يتدحرجا على سلالمها لتكون الغلبة لمن ينزل أسبق من صاحبه متدحرجا على سلالم الكنيسة .. وفي اليوم التالي يجد وهبي وصديقه نفسيهما وقد لبس كل منهما قميصا يشير إلى أنه مجنون وقد ألقي كلاهما في مستشفى للمجانين .. تتكشف حقيقة سكرهما ويطلق سراحهما من المستشفى وحين يصل وهبي إلى غرفة رفيقته كاترينا يفاجأ بمصيبة في انتظاره.. لقد كان رجال البوليس يملأون الغرفة ويبحثون ويفتشون في كل جزء منها بينما كانت كاترينا ملقاة في أرضية الحجرة وقد ذبحت ذبحا كاملا من الوريد إلى الوريد فيما كانت ملابسها ممزقة تماما .. إذن لقد قتلت كاترينا وواجه يوسف وهبي اتهاما قاسيا بقتلها وبات هو المتهم الأول بقتل كاترينا .. وللحديث بقية