حين كان يوسف وهبي يتحسس طريقه الفني في ايطاليا، يتعلم فن التمثيل المسرحي في المعهد الايطالي ويتتلمذ على يد فنان ايطالي معروف هو بيكاتوني ، ويقوم بدور كومبارس ثانوي في احدى الفرق المسرحية الإيطالية ويعمل مهنا أخرى في المسرح الايطالي كنجار وفراش ، تعرض الشاب الطامح للمجد لموقف شديد الصعوبة والقسوة حين اتهم بقتل فتاة إيطالية تدعى كاترينا كان يسكن معها في غرفتها بمدينة ميلانو ..ولكن تسكعه في شوارع ميلانو في نفس الليلة التي قتلت فيها كاترينا وشربه الخمر بمشاركة ايطالي من اصل مصري يدعى بيسوتو واحتجازه في مستشفى للمجانين أنقذه من الاتهام الخطير ، فقد ثبت لرجال التحقيق أن يوسف كان محتجزا هو ورفيقه بيسوتو في مستشفى للمجانين إثر سكرهما وقيامها بالتدحرج على سلم كنيسة تراهنا على من يسبق الآخر فيهما في التدحرج بفعل السكر.
بعد هذه الواقعة أدرك وهبي انه كان يخدع نفسه وأنه لم يكن يسير في الطريق الصحيح الذي أمله لنفسه ومستقبله، خاصة وأنه اكتشف ان كاترينا التي كان يعيش معها في غرفتها وقتلت فيها لم تكن إلا ساقطة تعمل في الدعارة ، واستمر يوسف في العمل بالمسرح في أدوار ثانوية ، وكذلك بعض الأدوار الثانوية الصغيرة أيضا في السينما ، وكانوا يطلقون عليه في إيطاليا اسم رمسيس.
بداية جديدة
وفي عام 1921 تلقى وهبي تلغرافا من والدته تطلب منه أن يعود إلى مصر لأمر عاجل فتوقع على وجه اليقين وفاة والده ، ووجد وهبي ما توقعه صحيحا حين عاد إلى مصر ،ليرث بعد ذلك ثروة كبيرة بلغت حوالي عشرة آلاف جنيه ذهب ، وهي ثروة طائلة بمقاييس تلك الأيام ، واستكشف وهبي حال المسرح المصري فوجده ضعيفا وخاويا يغلب عليه طابع الكوميديا فقط التي يجيدها فنانون من أمثال نجييب الريحاني وعلي الكسار ، والتقى وهبي بأستاذه عزيز عيد صدفة في حالة مزرية وسيئة ، ونصحه عيد بأن يبتعد تماما عن المسرح فحاله لا يسر على الإطلاق ، ولكن وهبي أسر في نفسه عكس ما نصحه به عزيز عيد تماما ، إذ قرر أن ينشئ مسرح رمسيس ، ومن ميراثه الكبير سافر يوسف وهبي إلى إيطاليا مصطحبا معه عزيز عيد ومختار عثمان ، لشراء المعدات اللازمة لإنشاء المسرح ، وعاد إلى مصر لينشئ مسرح رمسيس ويكون فرقة رمسيس ، ويبدأ العرض الأول له على مسرح رمسيس في 10 مارس عام 1923 بمسرحية المجنون التي شارك فيها نخبة من الممثلين آنذاك شاركوا وهبي معظم مسرحياته بعد ذلك أمثال حسين رياض وأحمد علام وفتوح نشاطي ثم فاطمة رشدي وامينة رزق التي ستشكل معه ثنائيا مسرحيا وسينمائيا ناجحا جدا إلى درجة أن ربط البعض بين نجاحهما الفني ووجود قصة حب وزواج سري بينهما لكن أمينة التي كان وهبي قد فضلها على خالتها أمينة محمد عندما قدما نفسيهما له كموهوبتين تبحثان عن التمثيل نفت تماما تلك الشائعات التي ربطت بينها وبين وهبي مشيرة إلى أن العلاقة بينهما كانت علاقة بين تلميذة واستاذ ، وقد شاركت أمينة أستاذها في بطولة 11 فيلما سينمائيا وعشرات المسرحيات التي حققت نجاحا كبيرا .. وفي عام 1928 كان يوسف وهبي مثار ضجة وأزمة كبيرة حين نشرت إحدى المجلات الإيرانية خبرا مفاده أن وهبي قبل عرض شركة سينماتوغراف الفرنسية بتجسيد دور النبي محمد ، وثار الأزهر الشريف ثورة عارمة وطالب وزارة الداخلية بالتحقيق مع يوسف وهبي وبعدها بيوم واحد اعتذر وهبي واعلن عدم تمثيله الفيلم بعد أن كان قد شرع في تصوير نفسه بملابس و ملامح الشخصية
فنان شامل
بعد مسرحية المجنون توالت عشرات المسرحيات التي قدمها يوسف وهبي على مسرح رمسيس مثل كرسي الاعتراف وراسبوتين وبنات الشوارع و أولاد الذوات وبيومي افندي حتى بلغت مسرحياته 302 مسرحية اخرج منها حوالي 185 مسرحية بينما كتب حوالي 60 مسرحية ،ففي المسرح كما في السينما كان وهبي يعتمد على نفسه في كتابة وإخراج العمل الفني ما يشير تماما إلى أن موهبة عميد المسرح العربي لم تقتصر فقط على التمثيل وإنما تجاوزت ذلك إلى التاليف والإخراج أيضا
ويعود لوهبي الفضل في إدخال تقاليد مسرحية عريقة على المسرح المصري مثل الموسيقى التصويرية قبل رفع الستار وإلزام جمهور المسرح بتقاليد مهمة مثل عدم التدخين أو الكلام أثناء العرض المسرحي، وقد عهدت إليه الدولة بتأسيس وإنشاء فرقة مسرحية تابعة لها في عام 1933 لتكون نواة للمسرح القومي
مع حضوره المسرحي البارز ،كان يوسف وهبي رائدا من رواد السينما المصرية أيضا ، فقد أسس شركة انتاج سينمائي كان فيلم زينب عام 1930 باكورة إنتاجها ، وأنتج وألف ومثل وأخرج بعده عشرات الأفلام مثل أولاد الذوات عام 32 والدفاع عام 35 و المجد عام 37 وساعة التنفيذ عام 38 وفي عام 1939 التقى يوسف وهبي مع النجمة الصاعدة بسرعة الصاروخ آنذاك ليلى مراد في فيلم ليلة ممطرة ثم قدم معها فيلمي ليلى بنت الريف وليلى بنت مدارس عام 41 غير أنه ومع تركيزه في السينما في تلك الفترة نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات لم ينس المسرح فقدم عام 39 ست مسرحيات منها الشبح والعدو الحبيب
وعلى مدى سنوات الأربعينات أيضا قدم وهبي محموعة من أهم أفلام السينما المصرية مثل مثل الطريق المستقيم وغرام وانتقام مع اسمهان والذي ألفه وأخرجه وبسببه منحه الملك فاروق رتبة البكوية وهو الذي منحه بعد ذلك الرئيس عبد الناصر وسام الاستحقاق من الطبقة الاولى والرئيس السادات جائزة الدولة التقديرية في الفنون كما شارك وهبي ايضا في فترة الاربعينيات في أفلام سيف الجلاد وابن الحداد وبرلنتي وسفير جهنم وملاك الرحمة
وتتوالى أدوار يوسف وهبي وتتنوع بعد ذلك مثل دور حكمدار العاصمة في حياة أو موت عام 1954 ودور رجل الاعمال البورسعيدي عبد القادر النشاشجي في فيلم إشاعة حب مع سعاد حسني وعمر الشريف عام 1960 وهو واحد من أجمل الادوار الكوميدية الجميلة التي قدمها العملاق يوسف وهبي في واحد من أبدع وأجمل وأروع أفلام السينما المصرية على مر تاريخها ، وقدم وهبي كذلك دورا كوميديا رائعا في فيلم اعترافات زوج مع فؤاد المهندس وشويكار وهند رستم وماري منيب وهو دور عمو عزيز العجوز الشقي الذي يخدع زوجته ماري منيب بادعاء حبه وإخلاصه لها بينما هو لا يتوقف عن مطاردة ومغازلة الفتيات الجميلات
وتتوالى أعمال يوسف وهبي في فترة السبعينات مثل الاختيار مع سعاد حسني وعزت العلايلي ، وأزمة سكن مع ميرفت أمين ومحمد عوض وعشاق الحياة مع محرم فؤاد وزمان يا حب مع فريد الأطرش وزبيدة ثروت وليلى طاهر
ورغم حضوره المكثف في السينما لم ينس وهبي في أغلب مراحل حياته الفنية عشقه الأول المسرح فهو يمثل للمسرح في فترات كثيرة من حياته الفنية فقدم على مدار مشواره بعد ان تقدم في العمر عددا من المسرحيات مثل الصهيوني وغادة الكاميليا وغيرهما
ورغم تقدمه في السن يظل يوسف وهبي يعمل ولا يبتعد عن الفن نهائيا ويشارك في أخريات حياته في عدد من الأعمال ويتجه إلى المسلسلات التليفزيونية فيشارك في مسلسل أيام لا تضيع ثم مسلسل صيام صيام .. وكان فيلم السلخانة الذي ظهر فيه يوسف وهبي كضيف شرف عام 1982 مع سمير صبري وسعيد عبد الغني هو آخر أعمال هذا الفنان العملاق حيث رحل في نفس العام وبالتحديد في السابع عشر من اكتوبر حين سقط في أرضية الحمام وأصيب بكسر في الحوض تناول على أثره عددا من الأدوية التي سببت له أزمة قلبية رحل بسببها في السابع عشر من اكتوبر عام 1982 وكان وهبي حزينا جدا في أخريات حياته بسبب الرحيل الفاجع لابنة زوجته التي كان يحبها كابنته تماما إثر سقوطها من إحدى شرفات أحد الفنادق الشهيرة ببيروت ، فيما كانت أمها وزوجته ” سعيدة هانم منصور” هي الحب الأصدق والحقيقي في حياته على كثرة علاقاته الغرامية.. رحمه الله