رؤى

الآثار العربية.. ضحية أخرى للحروب

أثار إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد لقائه الأخير مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عن نية الولايات المتحدة إعادة ١٧ ألف كنز أثري الى العراق تم نهبها بعد الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين  عام ٢٠٠٣ الجدل من جديد حول العلاقة بين الحروب في المنطقة وتزايد وتيرة تهريب آثارها إلى الخارج.

فوفقاً لتصريح الإدارة الأمريكية الذي تناقلته عدة وكالات إخبارية فإن بعض هذه الآثار المنهوبة يعود عمرها إلى ٤٠٠٠ عام وقد  وصلت إلى الولايات المتحدة على مدار عقود من التواجد العسكري الأمريكي في العراق.

https://www.youtube.com/watch?v=c-D32wxz0pk

 الدواعش .. يهرِّبون الآثار

ليست هذه هي المرة الأولى التي تٌثار فيها قضية آثار العرب المنهوبة من مناطق الصراع٫ لا سيما في كل من سوريا والعراق.

 ففي عام ٢٠١٤ ومع تزايد سيطرة مقاتلي تنظيم داعش على مناطق واسعة من كل من العراق وسوريا٫ حذرت منظمة اليونسكو من أن أكثر من 4500 موقع أثري في العراق وحده صار تحت سيطرة مقاتلي التنظيم.

وبعيداً عن مقاطع الفيديو الدعائية التي بثها التنظيم آنذاك والتي تُظهر مقاتليه وهم يهدمون الآثار باعتبارها “أصناماً” فإن صحيفة الجارديان البريطانية في العام ذاته نقلت عن  مسؤولين في المخابرات العراقية قولهم إن مقاتلي داعش جمعوا أرباحا تصل إلى 36 مليون دولار من تهريب آثار العراق إلى الخارج.

وأضاف تقرير للصحيفة أن سوريا لم تكن أفضل حظاً من جارتها العراق٫ إذ نهبت آثار مدن سورية عدة وفي مقدمتها حلب على يد المجموعات المسلحة في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام ٢٠١١ من بينها آثار من منطقة القلمون يصل عمرها إلى ثمانية آلاف عام.

وفي سياق مماثل٫ نقلت صحيفة الـ”واشنطن بوست” الأمريكية عن عدد من مقاتلي الجيش السوري الحر إن تهريب الآثار يمثل جزءا رئيسيا من تمويل أنشطتهم المسلحة ضد نظام الرئيس السوري بشار  الأسد.

ووفقاً لتصريحات مهرب آثار سوري نقلتها صحيفة “لو تومب” الفرنسية فإن مقاتلي تنظيم الدولة حين يسيطرون على منطقة ما، فإنهم يسيطرون على تهريب الآثار في تلك المنطقة أيضا.

وبطبيعة الحال٫ وجدت هذه الآثار المُهربة طريقها الى السوق في الولايات المتحدة.

حيث ارتفعت صادرات  العراق الثقافية ٫ أي الآثار٫ إلى الولايات المتحدة بنسبة 61 في المائة ما بين عام 2011 و2013، في حين زادت “الصادرات الثقافية” السورية في نفس الفترة بنسبة 145 بالمائة، وهو ما يشير إلى تدفق آثار كلا البلدين إلى تجار أمريكيين.

اما في اوروبا٫ فقد كشف تحقيق بثته إذاعة “إن دي آر” الألمانية أن آثار العراق وسوريا المُهربة تباع بشكل علني من خلال بيوتات المزادات في ألمانيا.

نهب تاريخي

ليس هذا السلوك بالمستغرب أو بالجديد٫ فقد كانت آثار البلدان المُحتلة أو المُستعمَره نهباً مشروعاً للمحتلين الأوروبيين منذ انطلاق الحملات الاستعمارية مطلع القرن السادس عشر الميلادي.

فقد اعتبر الفرنسيون حجر رشيد ملكاً مشروعاً لهم في فترة غزوهم واحتلالهم لمصر ولما كان البريطانيون منافسيهم الاستعماريين٫ لم يجدوا غضاضة في أخذ الحجر من الفرنسيين  وعرضه في متحفهم في لندن٫ الذي يحفل بآثار تمثل النهب الاستعماري البريطاني من كافة أرجاء المعمورة.

وتكرر الأمر في عشرينات القرن العشرين حين توصل الانجليزي هوارد كارتر الى مقبرة الملك المصري الصغير توت عنخ آمون٫  حيث لم يكتف كارتر  باكتشاف المقبرة بل حمل معه إلى بريطانيا العديد من التحف والكنوز التي كانت تحيط بمومياء الملك الشاب.

وبقيت هذه التحف والكنوز محل نزاع بين مصر وورثة إيرل كارنافون راعي البحوث التي قام بها كارتر والذي اعتبر هذه الآثار قسماً من مقتنياته الخاصة وهي المقتنيات التي عرضتها أسرته في قلعة يوركشاير في بريطانيا٫ الأمر الذي دفع أثريين مصريين للمطالبة بهذه الآثار مؤكدين أن كل ما حصل عليه كارتر وراعيه كان مسروقاً من مصر.

إن عملية النهب المنظمة لآثار المنطقة العربية سواء كانت بشكل مباشر على يد الاستعمار الأجنبي أو تمت بالوكالة عن طريق تنظيمات متطرفة مثل داعش ليست محض صدفة بل هي جزء من عملية ذات هدف تجاري هو بيع هذه الآثار خارج أوطانها بمبالغ طائلة وذات هدف سياسي بحت يتمثل في محو ذاكرة الأمة وطمس تاريخها الذي تمثله وتجسده آثارها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock