عرض وترجمة: أحمد بركات
ثبت أن جل ما قيل في عام 2020 عن استمرار كوفيد ـ 19 لبضعة أشهر فحسب كان في غير محله، خاصة بعد أن تفشي فيرروس “سارس ـ كوف ـ 2” على نطاق واسع، وبعد أن أظهرت جميع المؤشرات أنه سيعاود الظهور في شكل موجات متكررة.
وعلى المستوى التاريخي، اقتفى كوفيد ـ 19 ذات النهج الذي سلكه من قبل فيروس الأنفلونزا الذي بدأ ظهوره في 1918.
بالإضافة إلى ذلك، لم تتنبأ سوى قلة قليلة من العلماء بأن لعالم سيشهد ظهور نوع من المتحورات، وهو ما حدث على مدار هذه الفترة القصيرة. أدى هذا إلى أن أصبح الفيروس أكثر قابلية للانتشار، وأكثر قدرة على تجنب الاستجابة المناعية.
وكان تطور الفيروس سريعا إلى الدرجة التي جعلت متحور دلتا، الذي يهيمن على العالم اليوم، أكثر قابلية للانتشار بمقدار الضعف على الأقل مقارنة بقدرة الفيروس الأصلي.
يعني هذا ببساطة أن “مناعة القطيع” لم تعد موضوعا للنقاش يجب على العالم أن يخوضه. كما يعني أيضا أننا يجب أن نتوقف عن استخدام هذا المصطلح في سياق “سارس ت كوف ـ 2″، لأنه لن يتحقق، أو من غير المرجح أن يتحقق خلال حياتنا.
وعندما تحدث سياسيون وغيرهم عن مناعة القطيع، كانوا، لسوء الحظ، تحت وطأة فهم خاطئ بأن الأدوات التي كان يمتلكها العالم في ذلك الوقت تكفي للقضاء على الفيروس، وليست جل ما يستطيعه الآن.
وبدلا من ذلك، يجب علينا أن نتحدث عن كيفية التعايش مع هذا القيروس، خاصة وأن النجاحات الهائلة التي حققتها لقاحات كوفيد ـ 19 تتيح لنا ذلك، دون الدخول فعليا إلى أعتاب مناعة القطيع.
إن الترويج لمفهوم مناعة القطيع يخلق فكرة خاطئة مفادها أننا سنصل إلى مرحلة سيتم فيها القضاء على هذا الفيروس. على الأرجح لن يحدث هذا، وسيواصل الفيروس انتشاره.
كما أن هناك مخاطر في الاستمرار في إقناع الناس بإمكانية ذلك. وتتمثل هذه المخاطر فيما يلي:
أولا، يمكن أن يضعف ذلك الثقة في اللقاحات. على سبيل المثال، إذا افترضنا إمكانية وصول جنوب إفريقيا إلى هدفها في تطعيم 67% من إجمالي سكانها، كما أعلنته وزارة الصحة، فإن هذا لن يمنع كوفيد ـ 19 من مواصلة التفشي.
وستكون النتيجة أن الناس ستتشكك في جدوى هذه اللقاحات. وينطبق هذا أيضا على متحور دلتا السائد الآن، إذ أن التحصين ضد الإصابة بهذا الفيروس (وليس فقط كوفيد ـ 19) تتطلب الاقتراب من حد 84% للوصول إلى أعتاب مناعة القطيع.
ثانيا، يعني الفشل في مواجهة حقيقة عدم إمكانية تحقق مناعة القطيع أن دولا مثل جنوب إفريقيا ستظل على قناعة بأن الاستمرار في فرض القيود ستصل بهم في نهاية المطاف إلى هذا المستحيل، ما سيؤدي إلى تعريض حياة الناس على جبهات متعددة ـ بما في ذلك التعليم وسبل العيش ـ لخطر محدق.
ماذا تغير
أولا، تطور الفيروس والتحورات التي حدثت؛ حيث ساعدت مجموعة واحدة من هذه الطفرات على مضاعفة قدرة الفيروس على الانتقال، ومن ثم العدوى.
ويمثل متحور دلتا نموذجا لهذه الطفرات. ففي البداية اعتقد العلماء أن معدل تكاثر فيروس “سارس ـ كوف ـ 2” يقع بين 2.5 و4. بعبارة أخرى، في بيئة سكانية معرضة للخطر، فإن كل شخص مصاب سينقل العدوى في المتوسط إلى شخصين ونصف إلى أربعة أشخاص آخرين. لكن قدرة متحور دلتا على الانتتشار بلغت ضعف هذا المعدل على الأقل. يعني هذا أن معدل التكاثر في متحور دلتا يقترب من 6 بدلا من 3.
التغير الثاني هو أنا الفيروس أظهر قدرة على التطفر جعلته مقاوما لنشاط الأجسام المضادة التحييدي الذي كانت تحفزه الإصابة السابقة بالفيروس الأصلي، إضافة إلى استجابات الأجسام المناعية المحفزة من قبل معظم لقاحات كوفيد ـ 19 المتوافرة حاليا.
وتركز المشكلة الكبرى الثالثة على استمرارية الحماية، حيث تستمر استجابات الذاكرة بين ستة إلى تسعة أشهر على الأقل. لكن هذا لا يعني أن هذه الاستجابات يمكن أن توفر الحماية من الإصابة بالمتحورات التي تواصل تطورها، حتى إذا كانت هذه الاستجابات تساعد فعليا في تخفيف الفترة الزمنية السريرية للعدوى، ما يؤدي إلى تقليل حالات الإصابة الحادة بكوفيد ـ 19.
وتتمثل المعضلة الرابعة التي تتآمر ضد قدرتنا على الوصول إلى أعتاب مناعة القطيع في أي وقت قريب في التوزيع غير المتكافئ للقاح على المستوى العالمي، إلى جانب نسب الإقبال المتدنية، والتوزيع المتباطئ، ما يوفر، لسوء الحظ، مرتعا خصبا لتطور الفيروس على نحو مستمر.
في الوقت نفسه، لا توجد دولة تستطيع أن تغلق حدودها إلى الأبد. يعني هذا أن سكان العالم بأكمله يجب أن يصلوا إلى نفس الحد في نفس الفترة الزمنية. وفي الوقت الحالي لم يتلق سوى 1% فقط من سكان الدول منخفضة الدخل و27% من إجمالي سكان العالم تطعيماتهم.
ولتجاوز أزمة متحور دلتا، سنحتاج إلى أن يطور حوالي 84% من سكان العالم حماية ضد الإصابة بالعدوى (في غياب التدخلات غير الدوائية) في أقل فترة زمنية ممكنة.
الخطوات التالية
مما سبق يتبين أن الحل الوحيد المستدام هو تعلم كيفية التعايش مع الفيروس. سيتطلب هذا ضمان تطعيم غالبية الأفراد، وبخاصة البالغين، وتحديدا هؤلاء المعرضين لمخاطر عالية من تطوير حالات كوفيد حادة، والموت بسببها، بأقصى سرعة ممكنة.
ويمكن أن يتحقق هذا في جنوب إفريقيا عبر تطعيم 20 مليون شخص ـ وليس 40 مليونا كما هو مستهدف من قبل الحكومة ـ شريطة أن يشتمل هذا العدد على 90% من الأشخاص فوق سن الستين، و90% من الأشخاص فوق سن الخامسة والثلاثين الذين يعانون من أمراض مزمنة.
علينا ـ إذن ـ ببساطة أن نشعر بالأريحية تجاه فكرة أن “سارس ـ كوف ـ 2” سيصبح مثل غيره من الفيروسات العديدة المنتشرة التي تصيب الجهاز التنفسي كل يوم، عادة بإصابات خفيفة، وأحيانا بأمراض حادة.