رغم زيارته لبلدان عربية وأفريقية عدة٫ إلا أن بلداً بعينه كان له مكانة مميزة وخاصة عند داعية الحقوق المدنية الأمريكي مالكولم إكس وهو السودان.
بدأت علاقة اكس بالسودان في وقت مبكر من مسيرته٫ حيث زار هذا البلد العربي والإفريقي في عام ١٩٥٩، وقام بعدة جولات في مدن مثل أم درمان والعاصمة الخرطوم ووصف لاحقاً مشاعره الحميمة تجاه أهل البلاد حين امتدح “كرمهم الشديد” و”تدينهم” ، وكيف أشعروه أنه في بلده ووسط أهله وقومه٫ مؤكداً أن شعب السودان أثار اعجابه الى اقصى حد.
صلة متجددة
ولم تنقطع علاقة مالكولم بالسودان وأهله عقب عودته الى الولايات المتحدة٫ بل تجددت هذه الصلة من خلال طالب سوداني كان يدرس في جامعة دارتموث الأمريكية يُدعى أحمد عثمان الذي التقى مالكولم في المسجد الذي كان يلقي فيه خطبه الحماسية .. ذلك المسجد الذي كان يحمل الرقم سبعة في حي هارلم ذي الأغلبية السوداء في مدينة نيويورك.
دارت بين عثمان واكس مناقشات مُطولة أبدى فيها عثمان رفضه٫ كمسلم سُني٫ لفكرتين أساسيتين كانت تطرحهما في تلك الفترة منظمة “أمة الإسلام” التي كان يتزعمها الداعية الأمريكي الأسود الايجا محمد وكان مالكوم اكس أحد أبرز وجوهها، وهما آولاً ادعاء محمد أنه مبعوث العناية الإلهية الى السٌود والثاني هو وصف مُحمد المتكرر للبيض بأنهم “شياطين”٫ وأكد عثمان لاكس ان الاسلام لا يمكن ان يدعو لكراهية عرق من البشر لعرق اخر.
ورغم اختلاف وجهات النظر بين عثمان وإكس آنذاك إلا ان عثمان أكد لاحقاً أنه “انبهر” بمالكولم وشخصيته حتى وإن لم يشاركه آراءه خاصة أن اكس كان يملك قدرة مدهشة- وفقاً لعثمان- على تهدئة الجماهير في المسجد والتي كانت تقدر بالمئات من أنصاره واقناعها بالاستماع الى وجهة النظر المغايرة التي طرحها عثمان.
ولعل هذا ما دفع الاثنين إلى تبادل الخطابات في السنوات اللاحقة لهذا الحوار٫ وزاد التقارب بين اكس وعثمان حين أعلن اكس نيته هجر منظمة “أمة الاسلام” بعد خلافه مع الايجا محمد وتأسيس منظمة اخرى اكثر انفتاحاً.
مرشد روحي
وفي عام ١٩٦٤ توجه اكس إلى مكة المكرمة لتأدية فريضة الحج وخلال تلك الرحلة وجد تفهماً وتضامنا من كثير من مسلمي العالم٫ لا سيما العرب منهم والأفارقة لنضال السود في الولايات المتحدة.
وأتاح الحج لمالكولم أن يلتقى بسوداني آخر هو الشيخ أحمد حسون الذي كان مقيماً في مكة ووجد فيه مالكولم المرشد الروحي الذي كان يبحث عنه وبات يستشيره في كثير من المسائل الدينية اضافة الى إلقائه محاضرات ودروس في المسجد الذي أسسه مالكولم لاحقاً في الولايات المتحدة.
ويشير مالكولم في سيرته الذاتية التي صاغها الأديب الأمريكي اليكس هايلي إلى أنه التقى مسؤولاً سودانياً رفيع المستوى لم يسمه أعرب عن تضامن بلاده مع نضال اكس ووصفه بأنه “بطل” بالنسبة للأمريكيين السود.
ولدى عودة اكس الى الولايات المتحدة بعد رحلة الحج و زيارات متتالية لدول عربية وافريقية مختلفة٫ قابل أحمد عثمان من جديد والذي رتب لاكس زيارات الى عدد من الجامعات مثل دارتموث وهارفارد تحدث خلالها إلى الطلبة حول موضوعات متنوعة من ضمنها حقوق الانسان في الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية والنظام الاقتصادي الرأسمالي٫ مؤكداً للطلاب في إحدى خطبه أن مستقبل المساواة يتوقف على دور الشباب وعلى مدى قدرة البشر من كافة الأعراق على التعاون معاً من اجل عالم أفضل.
وبقيت السودان في نظر اكس أحد الدول المرشحة لأن تكون حليفاً للأمريكيين السود في نضالهم من أجل المساواة والعدالة إضافة الى دول أخرى افريقيه زارها في تلك الفترة مثل مصر و نيجيريا اضافة الى دول غرب أفريقيا ذات الاغلبية المسلمة.
الا ان القدر لم يمهل اكس لكي يحقق تلك اللُحمة بين النضال الأفرو الأمريكي ونضال الأفارقة في القارة السمراء حيث اُغتيل في فبراير من عام ١٩٦٥ في جريمة لا تزال غامضة حتى اليوم.
وما أن بلغ الشيخ احمد حسون نبأ استشهاد اكس حتى سارع الى تكفينه والصلاة عليه قبل أن يٌشيع من كنيسة في حي هارلم في مشهد ضم مسيحيي الحي ومسلميه على حد سواء الذين شيعوا من رأوا فيه بطلاً وزعيماً.
من جانبه٫ أخذ احمد عثمان على عاتقه التصدي لتغطية الإعلام الأمريكي لاغتيال اكس والتي وصفها بالمغلوطة مؤكداً في مقال نشره في جريدة جامعة دارتموث أن مالكولم لم يدع يوماً الى العنف كما ادعى البعض ولم يتورط فيه قط٫ كما أنه لم يكن اطلاقاً داعية فصل عنصري أو تعصب عرقي.
وبعد أكثر من نصف قرن على استشهاد اكس٫ كشف فيلم تسجيلي بعنوان “السوداني” للمخرج هشام العايدي تلك العلاقة الوثيقة التي جمعت بين الثائر الأمريكي الراحل وبين أهل السودان.
المصادر:
https://www.sacredfootsteps.org/2020/03/11/watch-malcolm-x-and-the-sudanese/