لم يختلف المؤرخون يوماً على رجل قدر ما اختلفوا على المختار الثقفي٫ فمنهم من رأى فيه ثائراً حقاً انتقم للإمام الحسين من أغلب ان لم يكن كل من شارك في جريمة قتله وآل بيته في كربلاء ومنهم من رأى انه كان غير صادق في تشيعه لأهل البيت، وإنما كان يريد من ورائه تحقيق طموحه السياسي بأي وجه، وله مواقف تشهد بصحة هذا القول عنه.
وبعيداً عن اختلافات المؤرخين٫ فان الثابت من الناحية التاريخية أن المختار واسمه الكامل المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، وُلد في الطائف في السنة الأولى للهجرة، وكان والده صحابياً استشهد في معركة الجسر حينما كان قائداً لجيش المسلمين في فتح العراق، وقام بكفالة المختار بعدها عمه سعيد بن مسعود الثقفي الذي كان والياً على الكوفة في عهد الإمام علي بن ابي طالب.
الطريق إلى الكوفة
كانت بداية عهد المختار بالثورة الحسينية على حكم بني أمية وتحديداً يزيد بن معاوية حين أرسل الامام الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفة لكي يلقى انصاره و يتقصى حقيقة الوضع هناك٫ إلا أن خبر مسلم بلغ والي الكوفة الأموي عبيد الله بن زياد فحبسه ثم قتله.
ويروي الإمام ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية” وتحديداً في ترجمته لشخصية المختار أن الأخير تأثر بما حدث لمسلم بن عقيل وتعهد بنصرته.
فلما سمع بن زياد قوله هذا حبس المختار بعد أن جلده مائة جلدة٫ إلا أن المختار استطاع عبر شفاعات متعددة أن يخرج من سجنه والذي سمع أثناء وجوده فيه بخبر استشهاد الامام الحسين وانتقل من الكوفة الى الحجاز حيث كان عبد الله بن الزبير قد بدأ دعوته ولقب نفسه بأمير المؤمنين.
واستطاع المختار بشكل لا يخلو من البراجماتية إقناع ابن الزبير بإرساله إلى الكوفة ، إلا أن المختار كان يستخدم كافة الوسائل التي تمكنه من غرضه الأساسي وهو السيطرة على الكوفة بملاحقة قتلة الحسين٫ لذلك فقد كان يدعو لابن الزبير في ظاهر الأمر لكنه في الوقت ذاته كان يدعو لمحمد بن الحنفية نجل الامام علي بن ابي طالب.
وقد اكسبته دعوته هذه تأييد المتشيعين لآل البيت خاصة ممن تخلفوا عن ثورة الامام الحسين وأرادوا التكفير عن هذا الذنب٫ فلما وجد المختار ذاته في موقع قوة ووجد له الكثير من الأنصار٫ طرد من الكوفة الوالي الذي عينه ابن الزبير عليها وانفرد بالأمر فيها وكتب إلى ابن الزبير في مكة يبرر له ما قام به بقوله إن الوالي كان مداهنا لبني أمية.
أمير الإنتقام
وما ان استقر الامر للمختار في الكوفة حتى بدأ في مهمته الأساسية وهي تتبع قتلة الامام الحسين٫ فاستطاع أن يظفر بهم واحداً تلو الآخر.
ويروي ابن كثير أن المختار “قتل منهم خلقا كثيرا، وظفر برؤوس كبار منهم كعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذي حارب الحسين في موقعة كربلاء ، وشمر بن ذي الجوشن أمير الألف الذين ولوا قتل الحسين، وسنان بن أبي أنس، وخولي بن يزيد الأصبحي، وخلق غير هؤلاء”.
وبعد أن فرغ من هؤلاء٫ أرسل المختار قائد جيشه إبراهيم بن الأشتر لقتال جيش عبيد الله بن زياد والتقى الجيشان في موقعة عظيمة وكانت الغلبة فيها لابن الأشتر رغم الفارق الهائل في موازين القوى حيث كان جيشه لا يزيد عن عشرين الفاً في حين حشد ابن زياد جيشاً من ثمانين الفاً.
إلا أن ابن الأشتر استطاع أن يظفر بابن زياد ويقتله مما أثر في جيشه وجعل جنوده يتراجعون٫ وفي مشهد جسَّد الانتقام للحسين ولشهداء كربلاء٫ احتز ابن الأشتر رأس ابن زياد كما احتز ابن زياد رأس الإمام الحسين وارسلها الى المختار في مقره في الكوفة.
إلا أن دولة المختار لم تدم طويلاً٫ إذ حٌصرت بين خطرين داهمين٫ الأول جيش عبد الملك بن مروان الذي استقر له الحكم في الشام٫ والثاني هو عبد الله بن الزبير نفسه الذي بدأ يخشى من انفراد المختار بالحكم في الكوفة٫ فبعث له جيشاً بقيادة أخيه مصعب بن الزبير ودارت بين الطرفين معركة تخلى فيها أصحاب المختار عنه فانتهى به الحال قتيلاً في المعركة واحتز مصعب رأسه وأرسله الى أخيه عبد الله.
إن تجربة المختار الثقفي رغم قصر مدتها الزمنية ورغم اختلاف المؤرخين على تقييمها وتقييم صاحبها٫ تثبت أن دم الحسين كانت لعنة ووبالاً على قتلته وتحول الدم على يد المختار الى سيف بتار اخذ بثار صاحبه من كل من شارك في الجريمة.