عرض وترجمة: أحمد بركات
تلتمس الولايات المتحدة من طالبان منحها تطمينات بعدم مهاجمة رعاياها في الوقت الذي تسعى فيه إلى إجلاء جميع العاملين في سفارتها عن كابول، تاركة شركائها الأفغان وحدهم يدافعون عن أنفسهم أمام الملاحقات الطالبانية لهم ولذويهم.
قبل انتخابات عام 2008، كان هناك العديد من التقديرات بشأن الحرب الأفغانية وعشرات الطرق التي قوضت بها باكستان الجهود الأميركية في أفغانستان. وقاد فريق باراك أوباما، بقيادة بروس ريدل، ما أطلق عليه “تقييم التقييمات”، وقدم نظرة ثاقبة بشأن السبل التي اتبعتها باكستان، التي استفادت بشكل كبير من الأموال التي قدمتها الولايات المتحدة، في مساعدة طالبان، وتقويض الجهود الأميركية.
ويتفهم الرئيس بايدن، مثلما تفهم من قبله الرئيس الأسبق أوباما، جيدا أن باكستان تمثل القوة الرئيسية الكامنة خلف طالبان. فبدون الدعم غير المحدود الذي تقدمه المؤسسة العسكرية وجهاز الاستخبارات الباكستانيين إلى طالبان، لم تكن الحركة لتعدو أن تكون مجرد مصدر إزعاج وليس قوة قتالية فعالة.
رغم ذلك، رفضت الولايات المتحدة بإصرار عمل الشيء الوحيد الذي كان يتعين عليها عمله، وهو فرض عقوبات على عناصر الدولة العميقة الباكستانية الذين يتولون رعاية المتشددين الإسلاميين.
فرغم ادعاءات السلطات الباكستانية عدم وجود مؤسس تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، في باكستان على مدى عقد كامل، فقد وُجد الزعيم القاعدي مختبئا في أبوت أباد، على مقربة من الأكاديمية العسكرية الباكستانية. كما لقي الملا عمر، مؤسس حركة طالبان، حتفه في مستشفى بمدينة كراتشي الساحلية الباكستانية.
ولا يخفى على أحد العلاقات الوطيدة بين باكستان وشبكة جلال الدين حقاني. فضلا عن ذلك، واصلت باكستان، على مدى العشرين عاما الماضية، عمليات تجنيد وتدريب وتكليف العديد من الجماعات الإسلامية الأخرى العاملة في الهند وأفغانستان.
كما حرصت إسلام اباد دائما على تكريم قادة الإرهاب باعتبارهم أبطالا قوميين. وطلبت باكستان من منظمة الأمم المتحدة السماح لحافظ سعيد، قائد جماعة “عسكر طيبة”، والمصنف من قبل مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، كإرهابي، بالوصول إلى حساباته المجمدة لتغطية نفقاته الأساسية.
إزاء ذلك، ظلت الولايات المتحدة على قناعة تامة بخطورة باكستان إلى الحد الذي جعلها تخشى توقيع عقوبات عليها، أو حتى مساءلتها. ووضع الخبراء الأميركيون مخاوفهم في إطار أن سياسة المساءلة وفرض العقوبات قد تؤدي إلى انهيار باكستان، أو الدفع بها إلى تزويد الجماعات الإرهابية بالسلاح النووي، أو إثارة غمار حرب تصعيدية وربما نووية مع الجارة الهندية.
ولم تبدأ أفغانستان في غزوها للشؤون الأفغانية إبان الغزو السوفيتي وفي أثناء فترة التمويل والتحفيز الأميركي، وإنما كانت، في واقع الأمر، تستخدم التنظيمات الإسلاموية، مثل الجماعة الإسلامية، للتأثير في الشأن الأفغاني منذ خمسينيات القرن الماضي.
ففي هذا الوقت، كان لدى باكستان مخاوف مشروعة، حيث رفضت أفغانستان شرعية باكستان وحدود ما بعد الاستعمار، ودعمت قومية الباشتون، بل وقامت بغزو باكستان في بلوشستان والعديد من الأقاليم القبلية.
وردت باكستان بعنف في عام 1973عندما فر الإسلاميون من برنامج تحديث موجه من الاتحاد السوفيتي. وفي عام 1974، أسس رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك، ذو الفقار علي بوتو، خلية استخباراتية تابعة لوكالة الاستخبارات الباكستانية، وكانت مهمتها إنشاء مجموعات مليشياوية فعالة للقيام بعمليات في أفغانستان.
وقبل وقت طويل من عبور الروس نهر أموداريا في عام 1979، قامت وكالة الاستخبارات الباكستانية، بالتعاون مع فيلق الحدود الباكستاني، بتوحيد أكثر من 50 مجموعة مقاومة في سبع مجموعات رئيسية سميت باسم مجموعات المجاهدين، والتي تولت لاحقا قتال القوات السوفيتية.
من جانبهم وجد الأميركيون باستمرار أسبابا مناسبة لتبرير المخالفات الباكستانية. وبدون تكبد ثمن مناسب لجهودها المستمرة لسحق ظهور أفغانستان كدولة مستقلة وقابلة للحياة، ستظل باكستان في ممارسة نفس السياسات والعمل على نفس المنوال.
لقد خرجت الولايات المتحدة من أفغانستان في عام 1990، وخلفت باكستان كوصية على مستقبل أفغانستان. واليوم، تكرر الولايات المتحدة نفس الخطأ.