نشر موقع “ميليتاري دوت كوم” العسكري الأمريكي مقالاً للمحرر السياسي والعسكري الأمريكي قسطنطين تروبولين حول الدعاية الجديدة -إذا صح التعبير – التي تستخدمها حركة طالبان الأفغانية منذ أحكمت سيطرتها على البلاد بالتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية منها بعد احتلال دام أكثر من عشرين عاماً.
وأوضح الكاتب أن طالبان منذ إحكام قبضتها على معظم نواحي أفغانستان أصدرت كماً هائلاً من الدعاية المكثفة في شكل صور ذات هدف محدد.
وفي مقدمة هذه الصور٫ صورة المقاتل الطالباني نفسه٫ إذ لم يعد ذلك المقاتل الذي يوافق الصورة النمطية التي طالما قدمها – وسخر منها – الإعلام الأمريكي والتي يرتدي فيها العمامة الضخمة وينتعل الصنادل٫ بل صار أشبه بمقاتل في جيش نظامي يرتدي بزة عسكرية متكاملة ومجهزة من خوذة الرأس وحتى الحذاء العسكري ويستخدم أحدث الأسلحة ولعل مما ساعد في تكريس هذه الصورة الكم الهائل من الأسلحة التي استولى عليها عناصر طالبان من الجيش الافغاني الذي سلحته الولايات المتحدة لسنوات ثم انهار في غضون بضعة ايام لا أكثر أمام تقدم الحركة تجاه العاصمة كابول.
ويشير الكاتب إلى صورة بعينها بدت طالبان حريصة على نشرها وهي صوره لمجموعة من عناصرها ممن يعرفون باسم كتيبة “بدري ٣١٣” وهم يرفعون راية الحركة التي تتوسطها الشهادتين على موقع صخري في أفغانستان.
وأوضح أن الصوره تعد إعادة إنتاج للصورة الأيقونية التي التقطها جو روزينتال لمجموعة من جنود المارينز الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية وهم يرفعون العلم الأمريكي على جبل سوري باتشي أثناء معركة ايو جيما الشهيره في اليابان.
وبدا واضحاً تعمد طالبان لتقليد عناصر الصورة التي حاز مصورها على جائزة بوليتزر للصحافة وصارت بمثابة أيقونة في تاريخ العسكرية الأمريكية واستخدمت للدعاية والترويج لحروب الولايات المتحدة المتتالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥.
وينقل الكاتب عن باحث في جامعة جورج واشنطن الامريكية أن الصورة تُعد مؤشراً على تحول كبير في الدعاية الطالبانية بل وعلى تطورها ايضاً خاصة وان الحركة استفادت من تجربة تنظيم “داعش” في كل من العراق وسوريا وليبيا والتي استخدم فيها التنظيم مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مكثف لبث مقاطع مصورة تخدم أهدافه.
ولكن التطور ليس قاصراً على الدعاية المصورة فحسب بل يمتد الى كيفية استخدام – أو استغلال- الحركة للإعلام الناطق باللغة الإنجليزية لإيصال رسائل بعينها إلى الجمهور الأمريكي٫ كالحوار الذي أجراه سهيل شاهين أحد المتحدثين باسم الحركة مع اذاعة “ان بي آر” الأمريكية وبدا واضحًا فيه حرص هذا الأخير على تقديم صوره مغايره لطالبان عما استقر في العقل الجمعي الأمريكي على مدار عشرين عاماً ومن جملة ذلك تأكيده على عدم المساس بالمدنيين الأمريكيين في أفغانستان وقبول طالبان بمبدا تشكيل حكومة متعدده الأطراف.
ويوضح الكاتب أن التغير هنا ايضاً يرتبط بالنخبة المثقفة والمتعلمة داخل الحركة من أمثال شاهين، والذين صاروا اكثر اختلافاً وأكثر دهاءاً من أسلافهم في استخدامهم لوسائل الاعلام المختلفة سواء السمعية أو البصرية.
ولعل هذا تحديداً ما سعى إليه الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد في أول حوار له مع جريدة أجنبية وهي النيويورك تايمز حين أكد في ذلك الحوار أن الحركة تود “نسيان الماضي” على حد تعبيره.
الا ان السؤال المطروح هو هل تصمد هذه الصورة الجديدة التي يسعى قادة طالبان لرسمها لحركتهم ولأنفسهم مع اختبار الأيام القادمة خاصة في ظل إعلان الحركة أنها دخلت ما أسمته “المراحل الأخيرة” في تشكيل حكومة جديدة في افغانستان.