أجرى باحثون في جامعة “كامبريدج” دراسة أثبتوا من خلالها انخفاض معدل الكراهية والجريمة ضد المسلمين بنسبة 16% في مقاطعة “الميرسيايد” التي تضم مدينة “ليفربول” بشكل خاص وبريطانيا بشكل عام؛ مرجعين ذلك إلى الأثر الإيجابي الهائل الذي أحدثه لاعب كرة القدم المصري محمد صلاح منذ التحاقه بنادي “ليفربول” قبل اربع سنوات.
وقد أوضحت الدراسة أن جماهير “ليفربول” على مواقع التواصل الاجتماعي، قد قاموا بتقليص رسائل الكراهية تجاه الإسلام والمسلمين بنسبة 50% مقارنة بباقي مشجعي الأندية الأخرى.
واستشهدت الدراسة ببعض هتافات المشجعين للنجم المصري في الملعب ومنها هتاف يقول: “إذا سجل صلاح أهدافا أخرى سأكون مسلما أيضا، وساتواجد في المسجد”.
وبحسب الدراسة فإن اعتزاز صلاح بهويته الإسلامية وتقديمه صورة صحيحة عن الدين الإسلامي، جعل المشاعر الإيجابية تجاهه تشمل معظم المسلمين في “الميرسيسايد” بل في “بريطانيا” كلها.
لكن قصة الإسلام في بريطانيا ودور مصر فيها لم يبدأ الآن بل بدا منذ زمن بعيد نسترجعه من خلال أبرز الشخصيات الإسلامية في بريطانيا.
“لم تستقبل مصر أحدا هذا الاستقبال منذ أن استقبلت سعدا، وهو عائد من منفاه”.
هكذا عبَّر محرر مجلة المنار عن استقبال المصريين لرجل بريطاني جابت شهرته الآفاق، وتحدثت عنه أعماله العظيمة ومآثره الخالدة بأكثر مما تحدث عن نفسه، فملأ حبه قلوب الشعوب العربية والإسلامية التي تئن تحت نير الاستعمار، وصار رمزا لكل محبي السلام، والساعين إلى الانعتاق من أسر القيود البالية التي فرضتها المجتمعات العتيقة الراسخة في الزيف والبعد عن جوهر الحرية والعدل والمساواة.
يذكر الدكتور غريب جمعه قدوم اللورد هيدلي إلى مصر فيقول أنَّ الاوضاع كانت في قمة الاشتعال عقب أحداث ثورة 1919، وأن الغضب المصري على المحتل البريطاني قد بلغ المنتهى، وكانت المواجهات بين الفريقين في شوارع القاهرة والمدن الكبرى معارك قتال حقيقية لاشك في هذا.
في تلك الأثناء أُعْلِن عن وصول اللورد هيدلي إلى ميناء الإسكندرية؛ فإذا بالأهالي يخرجون لاستقباله استقبالا حافلا، ثم ينزل اللورد هيدلي في ضيافة الأمير عمر طوسون الذي يقيم له حفلين كبيرين ضما وجهاء الإسكندرية، ويتحدث الأمير عمر عن الآصرة القوية التي تجمع قلوب المسلمين في أنحاء المعمورة والتي تجعلهم قادرين على تجاوز أي خلاف مهما عظم شأنه.. وبحسب د. جمعه فإن شاعرا سكندريا مجيدا هو أ. أمين سرور قد ألقى في أحد الحفلين قصيدة قال فيها:
قبل هذا التاريخ بنحو ست سنوات، وتحديدا في نوفمبر من العام 1913، أقامت الجمعية الإسلامية البريطانية حفلا أعلن فيه اللورد جورج رولاند ألان سون وين الذي كان قد صار منذ أيام البارون الخامس لأسرة هيدلي، سليل ملوك شمال ويلز، عضو مجلس اللوردات الذي يعتبر عمًّا لملكة بريطانيا- اعتناقه الإسلام وتغيير اسمه إلى رحمة الله، واتخاذه الفاروق لقبا، في مفاجأة مدوية هزت أركان بريطانيا العظمى التي كانت غافلة عن أن تاريخ إسلام لورد هيدلي الحقيقي كان قد سبق ذلك اليوم بنحو عشرين عاما.
على إثر ذلك شنت الصحف البريطانية حملة شعواء على الرجل متهمة إياه بكل نقيصة، منها أنه يسعى لحصد مكسب رخيص بالاستحواذ على زعامة المسلمين في بريطانيا؛ حتى يكون ممثلهم الأوحد في مجلس اللوردات.. وبالرغم من تفاهة الاتهامات الموجهة إليه وسذاجتها، إلا أن اللورد هيدلي قرر الرد في مقال بعنوان: لماذا أسلمت؟ موضحا فيه عديدا من الجوانب التي –ربما- خفت على كثيرين، موبخا هذا المجتمع المنتحل لقيم التحضر والفضيلة على سبيل الادعاء ليس أكثر.
ومما جاء في المقال قوله:” نحن ـ البريطانيين ـ تعودنا أن نفخر بحبنا للإنصاف والعدل، ولكن أي ظلم أعظم من أن نحكم ـ كما يفعل أكثرنا ـ بفساد الإسلام قبل أن نُلِمَّ بشيء من عقائده، بل قبل أن نفهم معنى كلمة إسلام؟!…من المحتمل أن بعض أصدقائي يتوهم أن المسلمين هم الذين أثروا فيَّ، ولكن هذا وهم لا أساس له، لأن اعتقاداتي الحاضرة ليست إلا نتيجة تفكير قضيت فيه عدة سنين… ولا حاجة بي إلى القول بأني مُلِئْتُ سرورا حينما وجدت نظرياتي ونتائجي متفقة تمام الاتفاق مع تعاليم الدين الإسلامي”.
أحدث رد لورد هيدلي أثر طيبا لدى كثير من أهل الإنصاف الأمر الذي دفع أكثر من أربعمئة مواطن بريطاني بين رجل وامرأة لاعتناق الإسلام بعد أن حثَّهم منطق هيدلي وقوة حجته على البحث والقراءة في الدين الإسلامي، ومن ثّمَّ اعتناقه.
كان اللورد هيدلي قد درس في مدرسة وستمنستر ثم كلية ترينيتي بجامعة كامبريدج وتخرج فيها مهندسا؛ لكنه عمل بالصحافة, وتولى منصب رئيس تحرير مجلة سالزبوري وينشستر، كما مارس الملاكمة على مستوى البطولة، وألف في فنونها كتابا معروفا إلى يومنا هذا كما يعتبر من رواد رياضات الدفاع عن النفس.
مارس هيدلي عمله الهندسي باقتدار خاصة إسهامه في حماية الشواطئ في إيرلندا واستحداث نظام مصدات الأمواج في المياه العميقة عن طريق السلاسل والكابلات والكتل الخرسانية، وتنفيذه في شواطئ يوجال وحلينبرج والساحل الشمالي لميناء براي.. ويحصل هيدلي على جائزة جمعية المهندسين التي سيصبح رئيسا لها بعد ذلك، كما نال الميدالية الفضية للجمعية الملكية الاسكتلندية للفنون، وميدالية معهد المهندسين المدنيين بإيرلندا.. في هذه الآونة عرض على هيدلي عرش ألبانيا بالإضافة إلى خمسة ملايين دولار، وراتب سنوي يقدر بخمسين ألف دولار، ورغم تكرر العرض إلا أنه رفض.
يلتحق هيدلي بالجيش ضابطا ومهندسا، ويسافر إلى كشمير للإشراف على بناء طريق بارامولا-سريناجار الذي يمتد لمئات الأميال، ويشمل 167 قناة وقنطرة، وهناك يهدى إليه صديق ضابط بالجيش نسخة مترجمة لمعاني القرآن الكريم، وكانت هذه بداية تعرفه الحقيقي على الإسلام، إذْ وجد في كتاب الله ما يوافق طبيعة نفسه ويلائم روحه.. وجد أن مفهوم الألوهية ـ كما جاء في القرآن الكريم ـ يتوافق مع المنطق والفطرة، ويتميز ببساطة شديدة، كما لمس في الدين الإسلامي سمة التسامح، تلك السمة التي لم يشعر بوجودها بين أهل ملته الذين عُرِفُوا بتعصبهم المقيت ضد أصحاب المذاهب ناهيك عن الديانات الأخرى.
لم يكن في مقدور هيدلي إلا أن يميل للإسلام بعد اطلاعه على هذه الترجمة، وما قرأه عن العقيدة الإسلامية.. كما وجد في الشريعة الإسلامية وسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تلاهم من التابعين القدوة الحسنة التي تروّى روحه العطشى للحق، ولم يصعب عليه أن يدرك أن الإسلام عقيدة وسلوك، وأنه يقوم على دعامتين أساسيتين هما توحيد الله والمساواة بين الناس.
بعد عودته إلى إنجلترا درس هيدلي الدين الإسلامي على يد صديقه ومعلمه ومرشده الروحي المحامي الهندي البارز والباحث الإسلامي خواجه كمال مسعود الدين، وفي عام 1893، يسلم لورد هيدلي، ولكنه لا يعلن ذلك لأسباب عائلية لمدة تزيد عن العشرين عاما.
يصدر هيدلي بعد إسلامه مجلة إسلام ريفيو التي تولى فيها الدفاع عن الإسلام ضد المنتقصين من قدره، كما ألف كتابين هامين هما” استيقاظ غربي للإسلام” و”رجل غربي يعتنق الإسلام” ثم يقوم بصحبة خواجه كمال بجولة في بعض البلاد مثل جنوب إفريقيا والهند، ويتولى جمع التبرعات في حيدر آباد لبناء المسجد الكبير في قلب لندن، وهو المسجد الذي وضع حجر الأساس له أحد أفراد أسرة نظام الحاكمة في حيدر آباد بعد وفاة اللورد هيدلي بعامين.
وفي يونيو من العام 1923، يؤدي هيدلي فريضة الحج، ويلتقي الشريف حسين في الموسم، ولا تفوِّت الصحف البريطانية الفرصة في مهاجمة الرجل، ووصف رحلته بأنها كانت لأغراض سياسية، وكالعادة يأتي الرد من الفاروق مفحما ومسكتا.
وفي العام 1935، يشعر “رحمة الله” بدنو الأجل فيوصي أن يدفن بمقبرة “بروكوود” التي تضم عظماء الإسلام في بريطانيا مثل مارمادوك وكويليام – إلى جوار صديقه وأستاذه خواجه كمال مسعود الدين الذي كان أقرب الناس إليه، بعد أن جمع بينهما حب الإسلام والدفاع عنه، كما جمعت بينهما خصال النبل والشرف وحب الخير للناس جميعا دون تمييز.