فن

سينما حقوق الإنسان.. حريات وتعديل قوانين وحقوق اقتصادية واجتماعية (2-2)

ونواصل تتبع الأعمال السينمائية التي تناولت حقوق الإنسان على ضوء ما شهدته مصر مؤخراً من الإعلان عن ”الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ” بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي .

 نجد السينما حاضرة بقوة في معالجة ملف حقوق الإنسان سواء تلك التي تتعلق بالحريات السياسية أو التي تناقش الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

والمؤكد أن الشق الثاني من الملف الحقوقي كان هو الغالب على التناول السينمائي واستحوذ على نصيب الأسد من عدد الأفلام التي قدمتها السينما والذي يتجاوز عددها خلال 110 عام تقريبا لأكثر من 4000 فيلم سينمائي

شكلت القضايا الاجتماعية والاقتصادية نسبة كبيرة من حجم الإنتاج وظل هذا الانشغال يسيطر على صناع الفن السابع .

محمد بيومي.. الحق فى العمل

 ففي البدايات المبكرة لصناعة السينما المصرية قدم المخرج الرائد ” محمد بيومي ” عام 1923 فيلم “برسوم يبحث عن وظيفة ” وهو من إنتاجه وتصويره أول فيلم مصري صامت عام 1923 وكان وأول فيلم على مستوى أفريقيا.

 وتناول في إطار كوميدي رحلة صديقين أحدهم مسلم ويدعى الشيخ متولي (بشارة واكيم) والآخر مسيحي ويدعى برسوم (عادل حميد) الخروج من نفق البطالة والبحث عن وظيفة ويتنافسان على فرصة عمل في إحدى البنوك الذي أخطأ مديره عندما دعاهم إلى غذاء سخي بمنزله ظنا منه أنهم من رجال الأعمال الأغنياء الذى يكتشف وضعهم الاجتماعي ويقوم بطردهما ولم يجدا سوى رصيف الشارع للنوم بعد وجبة غداء شهية ليستيقظا على رجل الشرطة الذى يقوم بالقبض عليهما بتهمة التشرد

الفيلم الأول فى تاريخ السينما اختار أن يناقش قضية البطالة والتفاوت الطبقي الصارخ لكنه أيضا تعرض لمفهوم وقيم الوحدة الوطنية من خلال الصديقين أحدهما مسلم والآخر مسيحي .

مرحلة الحقوق الاجتماعية

الحق في العمل كان مطلبا مطروحا دائما على طاولة السينما المصرية منذ نشأتها واستمر هذا الشاغل يسيطر على صناع الفن بأشكال وتنويعات مختلفة ووفقا لظروف كل مرحلة ومتطلباتها ونجد مثلاً معالجات سينما الخمسينيات والستينيات تهتم بغياب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى مرحلة ما قبل يوليو فتقدم أعمال مثل ” صراع فى الوادي ” للمخرج يوسف شاهين عام 1954 وفيلم “الفتوة ” للمخرج صلاح ابوسيف عام 1957 وأيضا فيلم “بداية ونهاية ” عام 1960 عن رواية نجيب محفوظ ويمثل هذا العمل أحد أهم أعمال تلك المرحلة حيث عالج غياب الحقوق الاجتماعية والاقتصادية فيما قبل ثورة يوليو بحرفيه عالية وعمق شديد

فقد قدم “بداية ونهاية ” صورة للمجتمع الذى يعانى تفاوت طبقي مخيف ويمارس القسوة على الفقراء حتى يدفع بهم نحو آبار الانحراف

يكشف “بداية ونهاية ” عوامل انهيار المجتمع ويضع يده بدقة على مكامن الجراح ومصادر التردي ويعلى من تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تصنع هذا الخلل المجتمعي

وفى عام 1966 يقدم ” بركات ” فيلم الحرام عن قصة يوسف إدريس ويدخل إلى عالم عمال التراجيل ليكشف معاناة من به من عمال فقدوا قدرتهم على اختيار مصريهم وتجرعوا الظلم الاجتماعي حتى الثمالة.

كما قدمت السينما في تلك المرحلة عدد كبير من الأعمال التي تنتصر لحقوق المرأة سواء في العمل أو المساواة الاجتماعية مع الرجل ومن أهم تلك الأعمال كان “الباب المفتوح “عام 1963 عن قصة لطيفة الزيات وإخراج بركات وغيرها من الأعمال مثل ” مراتي مدير عام ” إنتاج 1966

صرخة عاطف الطيب

وتوالت الأعمال التي تتناول الحق في الصحة والعمل والسكن وغيرها من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والتي ترصد ظواهر الخلل الاجتماعي فى ذلك الجانب من حياة الناس وهذا ما يصنع بيئة ممهدة للجريمة والتطرف والعنف

عن رواية “نجيب محفوظ ” قدم المخرج الراحل عاطف الطيب أحد أهم الأعمال التي تتناول الحق فى المسكن الآدمي وجاء فيلم ” الحب على هضبة الهرم ” كأنه سوط على ظهر المجتمع يجلده على ما اقترفه من ذنوب في حق شبابه حتى بلغ بهم الإحباط والياس منتهاه

يقدم الفيلم الذى تم إنتاجه عام 1986 رحلة شاب ” على عبد الستار ” الذى جسده أحمد زكى وفتاه هي “رجاء ” جسدتها آثار الحكيم من أجل الحصول على مسكن آدمي للزواج في ظل أزمة طاحنة وارتفاع أسعار السكن بشكل يعجز عنه أصحاب الدخل المحدود والشباب فى بداية حياته الحصول على شقة سكنية تمكنهم من تحقيق حلم الزواج

قدم عاطف الطيب المعالجة بقسوة شديدة وكأنه أراد أن يستفيق هذا المجتمع من غيوبة الطبقية وجحيم الظلم الاجتماعي.

الحق فى الصحة

كان الحق في الصحة محورا مهما ضمن مساحة التفاعل مع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وتناولت عشرات الأعمال الوضع الصحي السيء الذى يعيشه غالبيه المواطنين الفقراء لكننا نتوقف هنا أمام عملين مميزين وقدما معالجة مميزة

الأول هو “الحقونا ” للمخرج “على عبد الخالق وتأليف “ابراهيم مسعود ” وتم انتاجه عام 1989 ويتناول العمل استباحة الأغنياء لأجساد الفقراء حيث قام الأطباء بسرقه كلية المواطن “قرشي ” ونقلها لرجل الأعمال “رأفت زاهر “

 الفيلم يعرى مافيا تجارة الأعضاء لكنه يكشف عن مدى الاستهانة بأجساد الفقراء وصحتهم والتحايل على أبسط حقوقهم

ويكشف فيلم ” أى .. أى ” للمخرج سعيد مرزوق ” عن قصة يوسف إدريس والذي تم عرضه عام 1992 عن احوال الفقراء إذا دفعتهم الظروف للعلاج فى مستشفى خاص ورغم أن الفيلم كوميدي إلا أنها تلك الكوميديا السوداء التي يختلط فيها الضحك بالبكاء.

في العقد الأخير من القرن العشرين نمت بقوة ظاهرة العشوائيات بمصر وصارت قنبلة موقوتة وغاب بين الملايين من سكانها أبسط حقوق الإنسان على الإطلاق فقد غاب الحق في الحياة ذاته .

في العشوائيات غابت كل الحقوق

سيطرت على تلك المناطق قوانينه الخاصة وأعرافه المستقلة التي يفرضها الأقوياء بكل وحشية وغابت الدولة – كأداة ردع ومسؤول خدمي – فى معظم الحالات ووجدت السينما بتلك المناطق مادة صالحة لتعرض من خلالها ما وصل إليه المجتمع من تراجع وتردى.

لذلك فقد كانت العقود الأخيرة من القرن العشرين هى سنوات العشوائيات بامتياز وصاحب هذا بالطبع حالة مخيفة من الإحباط وضياع الأمل وضعف الانتماء بكل ما يترتب على ذلك من آثار.

يمكن اعتبار رائعة “داود عبد السيد ” سارق الفرح إنتاج عام 1995 المأخوذ عن قصة بنفس الاسم للروائي ” خيرى شلبي ” هي أول الأعمال التي دخلت عالم العشوائيات واقتربت من تفاصيلها ورصدت ذلك الحرمان القاتل من أبسط حقوق الإنسان

وتناول “سارق الفرح ” مظاهر الفقر الشديد والتهميش المستمر لهؤلاء البشر المنسيون من الجميع ودائما.

كانت السينما على موعد مع أعمال مثل ” حين ميسره ” للمخرج خالد يوسف والمؤلف ناصر عبد الرحمن عام 2007 ورصد خلاله حجم الكارثة التي يعيشها سكان العشوائيات ومدى قبح الواقع لدرجة أزعجت المسؤولين في الدولة وأغضبت عدد كبير مؤيديها وتعرض صناع العمل لهجوم عنيف تحت شعار ” الإساءة لسمعة مصر ” !!

كما قدمت السنما عدد كبير عن غياب الحد الأدنى من الحقوق فى اعمال مثل “ديل السمكة ” 2005 و”إبراهيم الأبيض “

سينما ملتزمة

لم تكن السينما بعيدة يوما عن الاشتباك مع قضايا الناس بل ظل على الدوام هناك صناع مخلصين لقضايا أوطانهم ولم نستطع حصر جميع الأعمال التي تناولت حقوق الإنسان بكل أبعاده والتي بدأت قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948

مئات الأفلام منذ أن عرفت السينما طريقها إلى مصر يمكن أن نشير فى النهاية إلى رائعة صلاح أبو سيف ” (البداية) وأعمال يوسف شاهين  (” إسكندرية كمان وكمان “و”المصير ” والآخر ” و”هى فوضى ” ) ونتذكر فيلم “خيرى بشارة ” (أمريكا شيكا بيكا ) وغيرهم الكثير والكثير الذى أطلق صرخته بقوة وجرأة في وجه التغول على حقوق البشر سواء بالقمع أو بالإفقار أو بالتهميش

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker