عرض وترجمة: أحمد بركات
جاء رد الرئيس الأميركي “جو بايدن” وإدارته على الاجتياح العسكري الأخير للسلطة في السودان واضحا، ولا يحمل أية مواربة؛ حيث أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية “نيد برايس” هذا الانقلاب بشكل قاطع، وأعلن “تجميد مخصصات المساعدة الطارئة من أموال الدعم الاقتصادي الأميركي للسودان” والتي تبلغ (700) مليون دولار.
وأضاف أنَّه “سيتم مراجعة أشكالٍ أخرى من المساعدات الثنائية” وشدَّد على أنَّ “السودان ستظل خاضعةً للقيود التي فرضت عليها في أعقاب الحكم القانوني بأنَّ ما حدث في عام 1989، كان انقلابا عسكريا مكتمل الأركان، حتى يقرر وزير خارجية الولايات المتحدة أنَّ حكومة منتخبة ديمقراطية تولت السلطة في البلاد”.
من جانبه، أوقف البنك الدولي صرف ملياري دولار لتمويل مشروعات، وهدد الاتحاد الأوربي بوقف مساعداته المالية، كما جمَّد الاتحاد الإفريقي عضوية السودان. وفاقم المحتجون السودانيون الذين طالبوا بإعادة الحكومة المدنية الضغوط بخروجهم بأعداد غفيرة في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم، والعديد من المدن الأخرى في 30 أكتوبر.
وبشكل جماعي، تقدِّم هذه الاستجابات بعض الأمل في إجبار قائد الانقلاب، الفريق عبد الفتاح البرهان، على السماح بالعودة السلمية لحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، المدنية. وفي حال امتثل البرهان، وبافتراض التزام حلفائه العسكريين وشبه العسكريين، فقد يتمخض ذلك عن تشكيل حكومة “تكنوقراط” جديدة، كما اقترح البرهان.
لكنَّ هذا النوع من التسوية سيؤدي فقط إلى استعادة وضع غير مستقر بطبيعته. والأسوأ من ذلك أنَّه قد يؤدي فقط إلى مجرد تأجيل اللحظة المناسبة التي تجد فيها القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها فرصة أفضل للاستيلاء على السلطة مجددا.
ومن ثم يجب على مؤيدي التحول الديمقراطي في السودان، سواء في الداخل أو الخارج، أن يفعلوا أكثر من مجرد ضمان العودة إلى الوضع السابق، وهو ما يتطب مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، والتفاوت بين المناطق والولايات الذي يشكل أساس الأزمة السياسية في البلاد.
وبصورة أكثر إلحاحا يعني هذا اتخاذ إجراءٍ شجاعٍ لوضع العلاقات العسكرية المدنية في السودان في مسار جديد. ويجب أن تقود الأحزاب والجمعيات المؤيدة للديمقراطية، التي سيتعين عليها التفاوض من أجل وجود مخرج لقادة الانقلاب في الداخل، والولايات المتحدة في الخارج، هذا المسار، مدعومة بالاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة.
وحيثما أمكن، يجب أن تشارك دول الجوار الإقليمي، مثل مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات في رسم ملامح هذا المسار.
وسيكون العمل السريع المتوافق مع رؤية استراتيجية أمرا حاسما، إذ ربما يكون البرهان وزملاؤه من قادة الانقلاب أفضل جاهزية من الناحية السياسية في المرة القادمة، حيث لم يتوقف الأمر فقط عند حساباتهم الخاطئة في إدارة نقاشهم مع المبعوث الأميركي الخاص “جيفري فيلتمان” عشية الانقلاب، وخداعه بشأن نواياهم؛ ولكنَّهم –أيضا– لم يقولوا أو يفعلوا شيئا منذ ذلك الحين يبين أنَّهم توقعوا ما واجهه انقلابهم من ردة فعل عالمية عدائية ورافضة، أو أنَّهم كانوا على أي درجة من الاستعداد لاستباقها، أو التتخفيف من حدتها.
ومن الواضح بالقدر ذاته أنَّ قادة الانقلاب فشلوا –أيضا– في إدراك حاجتهم إلى بناء تحالف مدني قوي وفعال قبل إقدامهم على الإطاحة بحكومة حمدوك. فرغم وجود حلفاء محتملين واضحين في الأحزاب السياسية التي كانت تعارض بالفعل حكومة حمدوك، أو الأحزاب التي انفصلت مؤخرا عن تحالف الحكومة الرئيسي، مثل قوى الحرية والتغيير، إلا أنَّ قادة الانقلاب اعتمدوا بقوة على الشبكات المقربة منهم، واستندوا مجددا على المؤيدين السابقين للديكتاتور المخلوع عمر البشير والإسلاميين من الحركات والتيارات المتنوعة.
ويواجه التحول الديمقراطي في السودان العديد من العقبات، أهمها حالة التفكك والانفصام التي تضرب المعسكر الموالي للديمقراطية، ووجود مجموعات مدنية مهمة تدعم الجيش.
وقد استغلت فصائل مختلفة داخل القوات المسلحة السودانية هذه العوامل للقيام بسبعة عشر محاولة انقلابية منذ عام 1956، نجح منها خمسة، ووفقا لبعض الروايات ربما أُجبر البرهان على القيام بهذا الانقلاب من قبل عسكريين متشددين، وربما يواصلون محاولة تهميشه في حال جنوحه إلى التسوية السلمية. كما ستعيق الانقسامات المجتمعية والطائفية في جميع أنحاء البلاد أي مسار عمل، وليس فقط ما تختص به حكومة مدنية.
وفي النهاية.. فقد وقعت الحروب الأهلية المتعاقبة والصراعات الضروس ـ التي تشير التقديرات إلى أنَّها خلَّفت ما يزيد عن مليوني قتيل، وأدت إلى استقلال جنوب السودان في يوليو 2011، بالكامل على مرأى من نظام أو آخر مدعوم عسكريا. ومن ثم.. يجب أن يشكل هذا دافعا قويا لإعادة ضبط العلاقات المدنية العسكرية في السودان.
كما يكشف هذا النقص الواضح في استعدادات قادة الانقلاب عن عدم كفاءتهم السايسية، ويوحي بإحساس بالذعر. والأهم من ذلك أنَّهم قدموا عن غير قصد للمعسكر الموالي للديمقراطية فرصة سانحة لاستعادة المبادرة وتجذير التحول.
لقد أظهر قادة الانقلاب أنَّهم بقايا من نظام البشير، ومن ثم خوفهم من الملاحقات القضائية على خلفية جرائم الحرب التي ارتُكبت في عهده. ويؤكد هذا حقيقة أنَّ أولى الخطوات التي اتخذها البرهان للاستيلاء على السلطة كانت تعليق بند الإعلان الدستوري المؤقت لعام 2019، والذي أنشأ ما عُرف باسم “مفوضية نبيل الديب” للتحقيق في التفكيك العنيف للاعتصام المدني في القيادة العليا للجيش في يونيو 2019.
ومن المحتمل أن يسعى البرهان ونائبه، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي” إلى حماية نفسيهما من الملاحقة القضائية بعد تركهما منصبيهما في نهاية الفترة الانتقالية في عام 2024، وهو ما يتعين على المعسكر المدني التعامل معه، وربما التفاوض عليه، عن طريق –على سبيل المثال– الاستفادة من تقديم عرض حماية مقابل الحصول على بعض التنازلات الخاصة بنقل المشروعات والشركات التي يمتلكها الجيش إلى السيادة المدنية، والوضع المستقبلي للمجموعة شبه العسكرية المعروفة باسم “قوات الدعم السريع” التي يقودها حميدتي.
(يُتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الصلي باللغة الإنجليزية من هنا