يقوم “البعد الاقتصادي” للتنمية في الإسلام، أي ذلك البعد المتمثل في التصور الإسلامي للمشكلة الاقتصادية، التي تتقاطع عندها دوائر ثلاث: الموارد والإنتاج، الحاجة والإشباع، التوزيع والاستهلاك.. على أساس إرساء هذه الدوائر الثلاث على قواعد ثلاث، تنبع من نظرة الإسلام العامة إلى الإنسان والمجتمع والكون.
هذه القواعد هي: قاعدة “كفاية الموارد وتوجيه الإنتاج”، وقاعدة “تجدد الحاجة ومحدودية الإشباع”، وقاعدة “عدالة التوزيع وترشيد الاستهلاك”.
كفاية الموارد وتوجيه الإنتاج
أما عن القاعدة الأولى، قاعدة “كفاية الموارد”.. فهي تلك التي يقوم الإسلام بإرساء دائرة”الموارد والإنتاج”، عليها.. وبناء على هذه القاعدة، تبدو رؤية الإسلام للمشكلة الاقتصادية من منظور إنَّها لم تنشأ من ندرة موارد الإنتاج وبُخل الطبيعة.
صحيح أنَّ موارد الإنتاج في الطبيعة “محدودة”، وحاجات البشر كثيرة ومتنوعة.. وحقًا، أن مجتمعًا أسطوريًا يتمتع بموارد غير محدودة، ووفرة في الهواء؛ يظل سليمًا من المشكلات الاقتصادية، ولا يوجد فيه فقير؛ لأنَّ كل فرد قادر على إشباع جميع رغباته في هذا الفردوس.. لكن هذا لا يعني أنَّ المشكلة الاقتصادية التي تعانيها البشرية في الواقع، نابعة من عدم وجود هذا الفردوس.
إنَّ الإسلام لا يقر ذلك كله، وينظر إلى المشكلة من ناحيتها الواقعية, القابلة للحل؛ بمعنى إنَّ الإسلام حينما يشير إلى الموارد، فإنَّه يفعل ذلك في مواجهة البشرية كلها، ومن ثم تكون الموارد الاقتصادية كافية لإشباع حاجة الإنسان ككل.
ويتبدى ذلك من جهتين: من جهة، فإنَّ الموارد ليست معدةٌ للاستهلاك المباشر في جملتها، بل لابد من تضافر عناصر الإنتاج من طبيعة وعمل ورأسمال لتحقيق ذلك؛ ومن ناحية أخرى، فإنَّ المجهود الإنساني هو حجر الزاوية في هذا الباب، وبدون ذلك المجهود لا يستطيع الإنسان توفير احتياجاته، ومن ثم فإنَّ قيمة الإنسان تتحدد عملًا بمقدار ما يبذل من جهد، على أساس أنَّ من فطرة الإنسان، التي فطره الله عليها، بذل هذا الجهد.
وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى: “فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى” [طه: 117].. ويقول تعالى: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ” [الملك: 15].. ويقول سبحانه: “فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ” [الشرح: 7].
بل، إنَّ الدليل على أن الموارد “الاقتصادية” كافية لإشباع حاجات الإنسان في جملتها، قوله سبحانه وتعالى: “وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” [إبراهيم: 34].. وقوله تعالى، عن الأرض التي جاء إليها الإنسان: “وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ” [فصلت: 10].. وكذلك قوله سبحانه: “وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ • وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ • وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ” [الحجر: 19ـ21].
وعلى ذلك، فإنَّ ندرة الموارد لا ترجع إلى نقص فيها على مستوى الإنسانية ككل، وإنَّما إلى أسلوب استغلالها، سواء بإهدارها أو بعدم الاستفادة منها أو تعطيلها، أو “الصراع” من أجل الاستيلاء عليها واحتكارها من جانب البعض دون البعض الآخر من بني الإنسان. يقول سبحانه وتعالى: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْأَنهَارَ • وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ • وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” [إبراهيم: 32ـ34].
في هذه الآيات الكريمة، وبعد أن يستعرض النص القرآني مصادر الثروة، أو بعض منها بالأحرى، تلك التي أنعم بها الله جل جلاله على الإنسان، فإنَّه يؤكد على أنَّها كافية لإشباع الإنسان، كـ”خليفة” على الأرض. وبالتالي، فالمشكلة الواقعية الاقتصادية لم تنشأ إذًن عن بُخل الطبيعة أو عجزها عن تلبية حاجات الإنسان، وإنَّما نشأت من الإنسان نفسه، كما تقرر ذلك الآية الأخيرة: “إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ”؛ فظلم الإنسان في توزيع الثروة, وكفرانه للنعمة بعدم استغلال جميع المصادر التي تفضل الله بها عليه استغلالًا تامًا، هما السببان المزدوجان للمشكلة الاقتصادية، التي يعيشها الإنسان.
وبمجرد تفسير المشكلة على أساس “إنساني”, يصبح من الممكن التغلب عليها، والقضاء على الظلم وكفران النعمة، بإيجاد علاقات توزيع عادلة وتعبئة كل القوى المادية والبشرية لاستثمار الطبيعة واستكشاف كل كنوزها.
تجدد الحاجة ومحدودية الإشباع
أما عن القاعدة الثانية، قاعدة “تجدد الحاجة ومحدودية الإشباع”، فهي تلك التي يقوم الإسلام بإرساء دائرة “الحاجة والإشباع”، عليها، هذه الدائرة التي تعتبر أهم دوائر المشكلة الاقتصادية في أي مجتمع. بل إنَّها الدائرة التي شهدت أكبر قدر من “الخلط” بين مكوناتها، عند معظم المتحدثين عن الاقتصاد والمشكلة الاقتصادية وعلم الاقتصاد (وخاصة الوضعي).
والواقع، إنَّ هذا الخلط إنَّما يأتي من الحديث عن كل من “الحاجة”, والإشباع”، كمترادفات، وليس كعمليتين إنسانيتين متتاليتين؛ ومن ثم، نشأ الخلاف بين المتحدثين عن الاقتصاد، بصفة عامة، بين فريق يرى أنَّ “الحاجة والإشباع”، غير محدودة، وبين فريق يرى أنَّها محدودة.
فإذا عرفنا, من جهة, أنَّ لكل إنسان طاقة معينة لا يستطيع تجاوزها, من حيث القدرة على الاستمتاع والقدرة على المعاناة, بمعنى أنَّ لكل فرد حدًا أقصى لما يمكن أن يجنيه في الحياة من متعة, وحدًا أقصى لما يمكن أن يتحمله من ألم.. وإذا لاحظنا، في الوقت نفسه، أنَّه ما بين الحدود الدنيا والقصوى لهذه الطاقة, يختلف الأفراد في قدراتهم المادية والمعنوية على السواء.. لكان علينا أن نعرف، أنَّ حياة الإنسان المحدودة تقتضي أن يكون الوقت المتاح له محدودًا، وهو عنصر لازم لاستهلاك أي سلعة أو خدمة.
يقول سبحانه: “وَآيَةٌ لَهُمْ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ • وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ • لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ” [يس: 33ـ35].. ويقول تعالى: “وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” [الأنعام: 141].
ثم إذا عرفنا من جهة أخرى أنَّ “الحاجة” هي مشكلة “إنسانية”, تتطلب ضرورة أن يقوم الإنسان بحلها (كالحاجة إلى الطعام والشراب, والحاجة إلى التزاوج.. إلخ), وإذا لاحظنا، أيضًا، أنَّ هذا الحل “الإنساني” ما هو إلا إشباع هذه الحاجة، أو محاولة إشباعها بالأحرى.. لكان علينا أن نعرف أنَّ “الحاجات الإنسانية”، وإن كانت “متجددة”، أي مستمرة ومتتالية، فإنَّ “إشباع” هذه الحاجات يظل ـ في حقيقته ـ محدودًا، إذا ما أضفنا أبعاد المكان والزمان، كأبعاد تساهم في توضيح المشكلة (الحاجات الإنسانية).
مؤدى ذلك، أنَّ ثمة حدودًا تحد “الحاجات” الإنسانية “المتجددة”، وأنَّ ثمة حدودًا، كذلك، تحد درجة “إشباع” هذه الحاجات؛ وبالتالي، يكون تعبير “حاجات الإنسان غير المحدودة”، التي تقول به معظم الاقتصادات الوضعية، في غير محله.
وهنا، لنا أن نلاحظ دلالات قوله سبحانه: “أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” [الزخرف: 32].. التي تتكامل مع دلالات قوله تعالى: “وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى • وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى” [النجم: 39ـ40].
عدالة التوزيع وترشيد الاستهلاك
وأما القاعدة الثالثة، قاعدة “عدالة التوزيع وترشيد الاستهلاك”، فهي تلك التي وإن كانت ترتكز عليها دائرة “التوزيع والاستهلاك”، وما يسبقهما من “الإنتاج”؛ فإنَّها في الوقت نفسه تشير إلى “الصلة” في نظر الإسلام بين “الإنتاج” والتوزيع، وبينهما وبين الاستهلاك.
فالصلة بين الإنتاج والتوزيع في الإسلام، ليست علاقة “تبعية” وإنَّما هي صلة يفرضها ـإذا جاز لنا التعبيرـ “المذهب” الاقتصادي في الإسلام، ويحدد فيها الإنتاج لحساب التوزيع، بدلًا من تكييف التوزيع طبقًا لحاجات الإنتاج، كما تقرره الاقتصادات الوضعية.
والواقع أنَّ الصلة “المذهبية” في الإسلام بين الإنتاج والتوزيع، إنَّما تُرَد في الحقيقة إلى فكرة “التطبيق الموجه” التي تحدد الإنتاج (بوصفه: عملية تطبيق لقواعد التوزيع)، تحديدًا يضمن عدالة التوزيع واتساقه مع مُثُل الإسلام وأهدافه.
وفي هذا الخصوص، نجد أنَّ الإسلام يطرح ضرورة مراعاة مبدأ الإيراد (أو: الربح)، “الاجتماعي” وليس الإيراد أو الربح الشخصي فقط؛ فقد يحقق إنتاج سلعة معينة رواجًا للمنتج أو البائع (الموزع) في الوقت الذي تُلحِق فيه هذه السلعة أضرارًا كبيرة بالمجتمع. ومن البديهي أنَّ هذه الأضرار قد لا تكون أضرارًا مادية فقط، بل قد تشمل أضرارًا أخرى: كالمساس بالعقيدة أو بأخلاق المجتمع (الخمور، أحد الأمثلة).
يقول سبحانه وتعالى: “فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ” [النحل: 114].. ويقول تعالى: “وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ” [هود: 85].. ويقول سبحانه: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” [النحل: 90].. ويقول: “أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُخْسِرِينَ • وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ • وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ” [الشعراء: 181ـ 183].
هذا وإن كان يشير إلى أنَّ تطور الإنتاج ونموه لابد من أن يتلازم مع توجيه “الإنتاج” في إطار من تطبيق القواعد العامة لـ”التوزيع” أو قل: مراعاة الربح الاجتماعي في توجيه الإنتاج وعدالة التوزيع.. إلا أنَّه كذلك، يؤكد على الصلة بين هذه وذلك (العدالة والتوجيه)، وبين ترشيد الاستهلاك.
ولعل ذلك يتبدى واضحاً إذا لاحظنا الكيفية التي ينظر بها الإسلام إلى هذا الأخير: ترشيد الاستهلاك.. إذ النظر هنا يعتمد على “التوازن”.
يقول سبحانه وتعالى: “وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا” [الإسراء: 29].. ويقول تعالى: “وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا” [الفرقان: 67].
ولعل “التوازن” المشار إليه إنَّما يقوم على أكثر من جانب: فهناك الجانب الخاص بتحريم التبذير، كما في قوله سبحانه: “إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا” [الإسراء:27].. وهناك الجانب المتعلق بالحجر على السفهاء الذين يصرفون أموالهم على غير مقتضى العقل، كما في قوله تعالى: “وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا” [النساء: 5].. وهناك الجانب المتمحور حول النهي الشديد عن الترف والبذخ واعتباره جريمة, كما في قوله: “فَلَوْلَا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ” [هود: 116].
بيد أنَّ هذا التوازن, المرتبط منطقيًا بالصلة، في نظر الإسلام، بين توجيه الإنتاج وعدالة التوزيع وترشيد الاستهلاك؛ هو في حد ذاته “أصل” من أصول “المذهب التنموي” في الإسلام. إنَّه المذهب الذي يعتمد على التأمين الاجتماعي والتكافل الاجتماعي.. وليس الأخير فقط كما يتصور الكثيرون.. وهو مجال حديثنا القادم.