عرض وترجمة: أحمد بركات
طالما سعت موسكو إلى مراجعة تسوية ما بعد الحرب الباردة. في هذا السياق، قد يتصور القادة الروس أنَّه بدلا من بذل مزيد من الجهود في طريق الاحتواء، فإنَّ الحرب من شأنها أن تفرض، بمرور الوقت، حوارا بشأن الدور الروسي في الأمن الأوربي.
لقد حاولت روسيا منذ فترة طويلة، استعادة نظام إقليمي، تقف فيه موسكو والغرب على قدم المساواة، فيما يتعلق بالمسائل الأمنية في أوروبا. وربما يبقى محل شك أن يكون “بوتين” معتقدا أنَّ بإمكانه تحقيق هذه التسوية، من طريق الإقناع أو الدبلومايسة التقليدية. لكن، يمكن لعمل عسكري روسي أن يثير الرعب لدى دول أوربية كبرى، بعضها يعتبر نفسه في مرتبة ثانوية في الاستراتيجية الأميركية، ويرغب في أن يكون في مكان وسط بين الصين والولايات المتحدة، في قبول ترتيب جديد مع موسكو. لا يعني هذا أنَّ هذه النتيجة مُرَجَّحة، ولكن ربما تكون هي الاحتمالية التي تضعها روسيا نصب عينيها.
على الجانب الآخر، يجب على الولايات المتحدة أن تخلُصَ إلى نتيجتين من هذه الحشود الروسية العسكرية القابعة حول أوكرانيا. أولهما أنَّ هذا ليس على الأرجح مجرد استعراض آخر لللقوة، برغم الرسائل المختلطة التي تبعث بها موسكو. فقد أعلن “بوتين” في 18 نوفمبر أنَّه “كانت تحذيراتنا الأخيرة لافتة ومؤثرة”.
قبل ذلك بيوم واحد، نشرت وزارة الخارجية الروسية رسائل خاصة من فرنسا وألمانيا عن الدبلوماسية المرتبطة بأوكرانيا، ما مثَّل إهانة لشركاء روسيا في “مينسك”.
ومن ثم، فإنَّ مفتاح رد واشنطن يجب أن يكون الإعداد لاحتمال اندلاع حرب في 2022، وإجراء تنسيق استباقي مع الحلفاء الأوربيين، وتوضيح عواقب هذا العمل على موسكو. وبالتحرك الآن، تستطيع الولايات المتحدة العمل مع شركائها الأوربيين لمضاعفة التكاليف الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تتكبدها روسيا مقابل إقدامها على القيام بعمل عسكري، ما قد يقلل من احتمال اندلاع الحرب.
لقد كلَّف الفشل في تطوير رد منسق على العدوان الروسي ضد أوكرانيا في السابق ثمنا فادحا، إذ لم تنضم أوروبا إلى العقوبات إلا في عام 2014، بعد أن أسقط الانفصاليون المدعومون روسيا طائرة ركاب مدنية في يوليو، ولم يكن ذلك بعد فترة طويلة من ضم روسيا لشبه جزيرة “القِرْم” وغزو منطقة “دونباس”. ومن ثم يتعين على الولايات المتحد هذه المرة تجنُّب هذه السابقة المدمرة من صناعة السياسات التجزيئية والقائمة على رد الفعل.
وبينما قد ترغب واشنطن في المحافظة على بعض الخيارات السرية، إلا أنَّها يجب عليها، في الوقت ذاته، أن توصف علنا الخطوط العريضة والأساسية لدعمها لسيادة واستقلال أوكرانيا جنبا إلى جنب مع حلفائها الأوربيين، وقبل اندلاع صراع عسكري كبير بوقت كاف، ما سيتطلب إعلانا مفصلا للخطوط الحمراء الغربية في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، حيث أنَّ الحجم البشري والاستراتيجي الهائل للغزو الروسي واسع النطاق لا يتطلب أقل من ذلك على الإطلاق.
وبالرغم من أنَّه في 18 نوفمبر، وصفت نائبة وزارة الخارجية للشئون السياسية، “فيكتوريا نولاند” التزام الولايات المتحدة تجاه سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها بأنَّه “صارم” إلا أنَّ الولايات المتحدة لا تقدم أي التزامات أمنية رسمية تجاه أوكرانيا.
تُذَكِّر هذه التصريحات بشكل مخيف؛ بالدعم السياسي الذي تم تقديمه إلى جورجيا في الفترة السابقة على الحرب الروسية الجورجية في عام 2008، وليس فقط من غير المرجح أن تكفي عبارات دبلوماسية منمَّقة تفتقر إلى الصدقية لردع موسكو، وإنَّما أيضا ستضر بسمعة الولايات المتحدة عندما تُظهر واشنطن في وضعية المجهد الذي يلهث فوق طاقته الاستيعابية.
لذا، يجب على الولايات المتحدة عمل شيء ما حيال ذلك، لكنها في الوقت نفسه، يجب أن تحذر من أن تضلل القيادة الأوكرانية، وتجعلها تنتظر دعما لن يأتي. وإذا كان البيت الأبيض لا يرى دورا عسكريا لنفسه في أوكرانيا، كما كان الحال في 2014، فيجب أن يقول ذلك بشكل خاص وصريح لـ “كييف” حتى تتمكن القيادة الأوكرانية من العمل بوعي كامل بالواقع الجيوسياسي.
ثانيا، سواء اندلعت الحرب في أوكرانيا، أو لم تندلع في الأشهر المقبلة، فإنَّ الولايات المتحدة وحلفاءها الأوربيين يجب أن يكونوا أكثر مصارحة ومكاشفة بشأن المأزق الدبلوماسي الحالي الذي وجدوا أنفسهم فيه.
فروسيا ليست في حالة تراجع جيوسياسي، ومن غير المرجح أن تستسلم أوكرانيا. كما أنَّ استمرار الصراع على النفوذ داخل أوكرانيا يأتي من قبيل الحتمية السياسية، وسيزداد سوءا قبل أن يتحسن. رغم ذلك لا يمنع هذا كله البحث عن حل دبلوماسي يقلل من مخاطرة خروج التنافس عن السيطرة.
وتقع أوكرانيا في قلب هذا الحل، ومن ثم يجب أن تعكس هذه المحادثات الدور الأوكراني. لكن، على سبيل المفارقة، يبدو بجلاء أنَّ واشنطن، وليست أوكرانيا، هي الطرف الغائب عن العملية الدبلوماسية. فالصراع المستمر هو المصدر الوحيد الأكثر أهمية لحالة عدم الاستقرار بين روسيا والولايات المتحدة، وتحتاج واشنطن إلى معالجته بشكل مباشر.
سوف يعاني البحث عن الاستقرار الاستراتيجي من أجل التعايش مع الصراع. ولكن مع تفاقم حدة المنافسة بين أكبر قوتين نوويتين في العالم، فإن هذا البحث لم يعد من قبيل الرفاهية، أو السراب، وإنما من قبيل الضرورة والحتمية.
(انتهى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا