بدأ الحشد الإعلامي الغربي للحرب في أوكرانيا في 22 نوفمبر؛ ورغم أن شيئا لم يحدث منذ ذلك الحين، لكن عملية التعبئة الإعلامية استمرت دون توقف.
لم تكن معظم الدعاية سوى زوبعة في فنجان، فبعد شهرين تقريبا من انطلاق هذه الحملة سمعنا عن استدعاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أسر دبلوماسييها من كييف، مع مزيد من الوعود بإرسال الأسلحة والأموال إلى كييف، وإعادة تمركز قوات الناتو، وغير ذلك.
لكن شيئا من هذا لن يؤثر في حال نشوب الحرب، ولم يستهدف إلا بقاء هذه القصة على رأس قائمة الأخبار، ما يجعلنا نجزم أنها حملة تديرها أجهزة “سي أي إيه” و”إم 16″ الاستخباراتية الأميركية والبريطانية.
هناك حلقة واحدة مفقودة، وهي مصلحة روسيا في غزو أوكرانيا.. في هذا السياق، يعتقد السفير الهندي السابق لدى العديد من الدول “إم. كيه. بهادراكومار” إن هذا الغزو سيحدث لأسباب استراتيجية.
فالولايات المتحدة اكتسبت بالأساس مكانة عالية، عبر جهودها المستدامة على مدى العقود الثلاثة السابقة، منذ أن فعًلت إدارة بيل كلينتون استراتيجية منسقة؛ تحسبا لعودة روسيا في إطار زمني معين. والآن بعد أن حازت الولايات المتحدة اليد الطولى، فلن تتنازل عنها.
بعبارة أخرى، يمثل هذا الصراع من وجهة نظر واشنطن، نموذجا رئيسيا للصراع الجيوسياسي الذي يتكشف حول النظام العالمي الجديد بعد صعود الصين، وتحول ديناميكية القوة من الغرب إلى الشرق.
ويمثل تقليص حجم روسيا، والقدرة على تخويفها شرطا أساسيا قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع الصين على نحو شامل. ويكفي القول بأن أوكرانيا أصبحت ساحة معركة يجري فيها اختبارٌ باتٌ للإرادات الكبرى على قدم وساق.
سيكون الهدف الأكبر لروسيا من هذا الصراع هو خلق أوكرانيا اتحادية عبر إصلاح دستوري مع الحفاظ على سيادة الدولة ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها، فيما تستمتع المنطقة بالاستقلالية والحكم الذاتي.
من جانبها ربما ترحب أوروبا بذلك، وتعتبره الطريقة الأمثل للحفاظ على استقرار الوضع والتخلص من احتمال نشوب أي صراع مستقبلي.
رغم ذك، ربما هناك خيوط عديدة حول المسارات التي قد يأخذها هذا الصراع. فروسيا لديها أسباب وجيهة لغزو أوكرانيا، ولكن لديها أيضا أسباب أخرى لا تقل وجاهة لعدم غزوها.
يتمثل هدف روسيا في تغيير الموقف العدائي الأميركي. لكن إقدامها على غزو أوكرانيا سيؤدي إلى عكس ذلك، إذ سيدفع إلى زيادة حجم القوات العسكرية في الدول الأعضاء في حلف الناتو في شرق أوروبا، ما سيخلِّف آثارا سلبية على الوضع الاستراتيجي لروسيا. ولن يقنع بذلك سوى منظومة الإعلام الصناعي العسكري الغربي.
كما أعتقد أنه من المفترض أن تمنح الحملة الإعلامية الغربية الراهنة غطاء لحملة أوكرانية ضد أقاليم “دونباس” المتمردة.
في هذا السياق قال الرئيس “فلاديمير زيلينسكي” متحدثا إلى جهاز الاستخبارات الأجنبية في بلاده: “لقد تعلمنا أن نستوعب التهديدات الخارجية. لكن الوقت قد حان لنبدأ الهجوم الذي يستهدف تأمين مصالحنا الوطنية، فمواطنونا متحدون على كلمة سواء، هي الرغبة في استعادة أراضيهم”.
في هذا الإطار، يجب دفع روسيا إلى أحد أمرين: إما عدم التدخل في الحملة الأوكرانية، أو التدخل بغزو شامل، فكلتا السياستين تناسبان رغبات الولايات المتحدة، برغم تفضيلها الأولى. ولعل هذا هو السبب الذي يطلق يد واشنطن في تهديد روسيا بالعقوبات.
على الجهة الأخرى، فإن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لاعب جودو وليس ملاكما، ومن ثم ففي حال تعرض إقليم “دونباس” إلى أي هجوم، فإن هذا يعني أن روسيا ستتدخل لا محالة، لكنها ستفعل ذلك، وبمقدورها أن تفعل ذلك، من دون غزو؛ حيث سيكون سلاح المدفعية والغارات الجوية كافيين لتدمير المهاجمين الأوكرانيين.
تبقى الصورة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير. فروسيا تريد إجبار الولايات المتحدة على الموافقة على موقف غير عدواني تجاهها في أوروبا، وهذا يتطلب تهديدا للولايات المتحدة ذاتها.
على الجانب الآخر، فإن واشنطن لن تثوب إلى رشدها، إلا عندما تشعر بأنها تحت وطأة تهديد مباشر يتسم بالجدة والوضوح التام. لهذا السبب أجد هذا الخبر مثيرا للاهتمام: “فلاديمير بوتين” أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الكوبي “ميغل دياز كانيل بيرموديز” (24 يناير 2022)، حيث أكد الرئيسان التزامهما بتعزيز العلاقات الثنائية بين بلديهما، ووافقا على تكثيف الاتصالات على مستويات مختلفة.
وفي 20 يناير، أجرى الرئيس “بوتين” مكالمة مماثلة مع نظيره الفنزويلي” نيكولاس مادورو” أكد فيها الزعيمان مجددا التزامهما بالتنسيق الوثيق في الشئون الدولية؛ تماشيا مع مبادئ الشراكة الاستراتيجية التي تقوم عليها العلاقات الثنائية بين بلديهما.
وعندما قدمت روسيا لواشنطن مسودتين للمعاهدتين، هددت باتباع خطوات “عسكرية تكتيكية” حال رفضت الولايات المتحدة مطالب روسيا، ما يُعتقد أنه إشارة إلى نشر أنظمة أسلحة موجودة بالفعل أو جديدة.
فإبان الحرب الباردة، أجبر تمركز الصواريخ في كوبا الولايات المتحدة على سحب صواريخها من تركيا وإيطاليا. لم ينجح شيء سوى إطلاق الصواريخ على كوبا، لذلك.. لماذا لا نتعلم من التاريخ ونكرر هذه الخطوة؟!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا