ترجمة: كريم سعد
في العام الماضي، كشفت أجهزة الأمن الأردنية عن مؤامرة ضد حاكم المملكة، الملك عبد الله، شملت أطرافها، أخيه غير الشقيق، والمملكة العربية السعودية وبعض القبائل البدوية. واعترف وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية والسفير السابق في الأردن، بالتهديد الذي يمثله ذلك الأمر لحليف أمريكي مهم. ولقد أرسل تقرير بما حدث إلى البيت الأبيض لاطلاع جو بايدن (العميل الأول) بلغة وكالة المخابرات المركزية، والذي اتصل على الفور بالملك عبد الله للتعبير عن دعمه القوي. وبمجرد انتهاء الأزمة، أصبح الملك الأردني أول زعيم عربي يزور السيد بايدن.
كان الحادث، الذي لم يُلاحظ كثيرًا في ذلك الوقت، بمثابة مقدمة للصفات التي يتمتع بها بيرنز. حيث يجمع الدبلوماسي السابق البالغ من العمر 66 عامًا – والذي كان حازمًا وسريًا وذا خبرة وغالبًا ما يوصف بأنه المبعوث الأكثر إنجازًا في جيله – بين الخبرة والتأثير. ويتقن الروسية والعربية، وقد خدم خمسة رؤساء وشغل منصبين في موسكو: الأول وسط فوضى قيادة بوريس يلتسين، والثاني سفيرا خلال فترة فلاديمير بوتين المبكرة، حيث سادت علاقات جيدة بين أمريكا وروسيا. وهو يعرف الزعيم الروسي جيدًا. ويُعد من المستشارين القلة الذين يثق بهم بايدن.
صوت بوتين في أمريكا
لعب بيل بيرنز دورا قياديا في الأزمة الأوكرانية كما يجب! فبعد أن كشف الجواسيس الأمريكيون والبريطانيون عن التخطيط الروسي للحرب في أكتوبر الماضي، أرسل بيرنز إلى موسكو لتحذير السيد بوتين من أن نواياه كانت واضحة والعواقب التي ستدعو إليها أمريكا ستكون بنفس الوضوح. وربما لم يكن بوتين، الذي كان يختبئ في منزله الريفي بسبب كوفيد -19، ليتحدث إلى أي مبعوث آخر. وبسبب قناعته بأن الحرب كانت محتملة، ساعد بيرنز بعد ذلك في قيادة جهد ناجح لإقناع الحلفاء الأوروبيين المتشككين بخطط بوتين من خلال نشر المعلومات الاستخباراتية الأنجلو أمريكية عنها.
ولا تزال أوكرانيا بالطبع في وضع كارثي.. ومع ذلك وفي الوقت الذي يُنظر فيه إلى السياسة الخارجية الأمريكية بشكل متزايد من خلال عدسة سياسية مشوهة –إما على أنها انتصار عظيم أو هزيمة مذلة– فإن رد الإدارة على الأزمة، هو تذكير بأن الدبلوماسية الذكية عادة ما تنتج شيئًا ما بينهما. فالدبلوماسية هي تمرين، حسب عبارة هنري كيسنجر الدقيقة، والتي اقتبسها بيرنز بإعجاب، بالـ “التراكم الصبور للنجاحات الجزئية”. وبمساهمة رئيس المخابرات في تلك المهمة الشاقة، تبرز ثلاث صفات.
الأولى هي ضرورة المعرفة العميقة بالموضوع. حيث ارتكبت معظم الأخطاء الفادحة الأخيرة في السياسة الخارجية –من إلغاء الصفقة الإيرانية من قبل دونالد ترامب إلى غزو جورج دبليو بوش للعراق– في الجهل العميق للعالم الذي كانت أمريكا تفترض أنها تشكله. وعلى النقيض من ذلك، فإن آراء السيد بيرنز بشأن روسيا تستند إلى تقدير عميق لها بالإضافة إلى فهمها. فبوصفه سفيرا ناقش الروحانية الروسية مع ألكسندر سولجينتسين، واستجوبته لجنة الشئون الخارجية بمجلس الدوما، وتحدث في جنازة صحفي قُتل في عيد ميلاد السيد بوتين، وسافر عبر الأراضي الروسية. ويمثل بيرنز، مستودعًا للمعرفة حول روسيا، وتقليدًا للدبلوماسية الأمريكية المعتادة لم يقدّره صانعو السياسة الأمريكيون. يقول جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي: “ببساطة لا يوجد أحد يعرف روسيا بشكل أفضل منه، فليس من قبيل المصادفة أن يكون أحد الإجراءات الأولى للسيد بيرنز في رئاسة وكالة المخابرات المركزية، هو إطلاق حملة لتجنيد المزيد من المتحدثين بلغة الماندرين. فهو يدرك أن أمريكا، التي لم تعد شرطي العالم، لا يمكنها أن تأمل في تشكيل عالم لا تفهمه.
وسمة أخرى من سمات بيرنز هي مؤسسته. حيث في اليوم الأول لترامب في منصبه، ألقى الرئيس خطابًا متقلبًا إلى جواسيس أمريكا أثناء وقوفه بجانب الجدار التذكاري في لانغلي، حيث يرقد أعضاء وكالة المخابرات المركزية الذين لقوا حتفهم في الخدمة. كما تجاهل التقارير الاستخباراتية التي أعدتها له الوكالة. بواسطة العميلين مايك بومبيو وجينا هاسبل، وهما الأكثر كفاءة في الوكالة، لكنهما لم يكن بإمكانهما منع الإحباط والاستنزاف الذي تسبب فيه ذلك. ولذلك تضمنت جهود بيرنز لإصلاح الضرر إعادة توجيه وكالة المخابرات المركزية وكذلك طمأنتها.
وقد أطلق مركزين جديدين للبعثات، أحدهما يغطي الصين والآخر للتكنولوجيا والتهديدات العابرة للحدود الوطنية مثل تغير المناخ. والثاني، والمخصص جزئياً لمواكبة التطورات التكنولوجية في القطاع الخاص، يوضح كيف أن التغيير الاجتماعي والاقتصادي السريع يجبر وكالات الاستخبارات على التوسع في مجالات تتجاوز التجسس. حيث يعد الاستخدام الإبداعي لإدارة للمعلومات الاستخباراتية عن أوكرانيا مثالاً آخر على ذلك.
والصفة الثالثة هي روح الزمالة، وهي سمة مشتركة لفريق بايدن للسياسة الخارجية. ويبدو أن سوليفان وأنتوني بلينكين غير مرتبطين بالغيرة الصغيرة التي عادة ما تصيب مجلس الوزراء. حيث يبدو أن بروز بيرنز الحالي في الأدوار التي كان من المتوقع أن يؤديها بلينكين، لم يزعج زملاءه. فهم عملوا معًا لسنوات وذلك أفادهم جميعًا.
ويبدو أنهم جميعًا يتمتعون بثقة بايدن. وربما ليس منذ وليام كيسي، رئيس التجسس في عهد رونالد ريغان، إذ كان مدير وكالة المخابرات المركزية يتمتع بسهولة الوصول إلى الرئيس كما يتمتع به الرئيس الحالي.
والنقد المهم الوحيد الذي يواجهه بيرنز (والذي تشير مذكراته إلى مشاركته فيه) هو أنه من طبيعته المهنية أن يكون متكيفًا للغاية مع السلطة. ولا أحد يتهم السيد بيرنز هنا بأنه أناني. حيث أنه في الأوقات العصيبة، كان بايدن محظوظًا بوجوده للغاية وبهذا التكيف.