“غير الدم ماحدش صادق”.
ما أصدق كلمات الشاعر الراحل فؤاد حداد؛ حين تتحول إلى واقع معاش، يتجسد في شخوص إعلاميين وصحافيين عرب؛ قضوا نحبهم ونالوا الشهادة بعد إصرارهم على تأدية واجبهم المهني والوطني.
لم يكن عبثا أن تنال شيرين أبو عاقلة بنت مدينة القدس، الشهادة في قلب مدينة جنين، مدينة المقاومة ومعقل الشيخ القسام، تلك المدينة التي ارتبطت بها شيرين على مدار ربع قرن، وغطت جرائم الاحتلال الصهيوني بحقها.
لم يرق هذا بطبيعة الحال للمحتل، فاستهدف أحد قناصته، شيرين لتكون شهيدة الحقيقة التي سعت لإبرازها على الشاشة، على مدار مشوارها المهني الطويل، ولتنضم بذلك إلى من سبقوها من الصحفيين العرب الذين نالوا هذا الشرف.
وفي مقدمة هؤلاء: الشهيدة المصرية سلوى حجازي، التي استهدفت طائرات حربية صهيونية الطائرة التي كانت تستقلها عائدة من ليبيا في فبراير من عام ١٩٧٣، لتسقطها وتقتل كل من كانوا على متنها وفي مقدمتهم الشهيدة الإعلامية والشاعرة.
وفي شهر أبريل من عام ٢٠٠٣، وخلال تغطيته للعدوان الأمريكي على العراق، استشهد الإعلامي الأردني طارق أيوب؛ حين استهدف صاروخ أمريكي مكتب قناة الجزيرة التي كان أيوب مراسلا لها في بغداد.
كان أيوب يؤدي دوره المهني، في تغطية الأحداث من على سطح أحد المباني حين أصابه الصاروخ وأودى بحياته، ومن اللافت أن القوات الأمريكية استهدفت أكثر من قناة إعلامية في اليوم الذي تلى مباشرة احتلالها للعاصمة العراقية بغداد في التاسع من أبريل عام ٢٠٠٣.
وعلى درب طارق.. سارت الإعلامية العراقية أطوار بهجت، التي نالت الشهادة على أرض بلاد الرافدين أيضا في شهر فبراير من عام ٢٠٠٦، بعد أن أحكمت قوات الاحتلال الأمريكي قبضتها على البلاد.
حيث قضت بهجت، مراسلة قناة العربية والروائية والشاعرة، عقب اختطافها على يد مسلحين مجهولي الهوية، وعثر على جثتها بعد يوم من اختطافها وتحديدا في الثالث والعشرين من فبراير من ذلك العام.
وتضاربت الأقوال حول استشهادها ما بين متهم لقوات الأمن العراقية، ومتهم لميليشيات مذهبية بعينها وبين من حمل مسئولية قتلها للقوات الامريكية.
ثم كان استشهاد شيرين ابو عاقلة التي انطلقت صباح الحادي عشر من مايو عام ٢٠٢٢، من مدينة القدس –مسقط رأسها– إلى مدينة جنين مؤكدة لزملائها في قناة الجزيرة؛ أنها سترسل التفاصيل التي تحدث في مخيم جنين عندما تكتمل الصورة بعد خبر اقتحام قوات الاحتلال للمخيم.
ورغم تواجد الشهيدة في منطقة لم تشهد –بشهادة بقية الصحفيين– اشتباكات مسلحة إلا أنها استهدفت برصاصة قاتلة في الرأس أودت بحياتها.
إن مسلسل استهداف الاعلاميين العرب المستمر من سلوى حجازي، وحتى شيرين أبو عاقلة يثبت أن القوى التي طالما تغنت بحرية الإعلام والصحافة وضرورة حماية من يمتهنون هذه المهنة؛ تناقض ذاتها وتعفي نفسها من الالتزام بهذه المبادئ، حين يتعلق الأمر بسياستها الخارجية ومصالحها.