رحل أمس عن عالمنا الموسيقي الألماني “رومان بونكا” عاشق مصر والموسيقى الشرقية الذي يعتبر أحد أكثر الموسيقيين في العالم تقديما للأعمال الفنية التي تمتزج فيها موسيقى الشرق بالغرب.
“بونكا” الذي لمع مع فريق Embryo”” في السبعينات.. وكان تأثره بصوت أم كلثوم وموسيقى فيلسوف النعم رياض السنباطي؛ سببا في تغييره لمسار حياته الفنية؛ ليختار القاهرة للإقامة وتعلّم العزف على آلة العود التي أخذت بلبه.
كان فريق “”Embryo قد نال شهرة واسعة في ألمانيا خلال عقد السبعينات، واعتبرت موسيقى “الكروات روك” التي كانت الفرقة تعزفها بالاشتراك مع فرق كبيرة أخرى مثل Tangerine” Dream” و” Guru Gur” إضافة حقيقية للموسيقى الألمانية المعاصرة.
بعد عدة حفلات في الهند مع عازف الإيقاع الشهير “تريلوك جورتو” وجولة امتدت لتشمل أفغانستان وتركيا والمغرب؛ قدّم “بونكا” ألبومه الفردي الأول الذي جاء مزيجًا من موسيقى الروك الطليعية مع الألحان الشرقية.
في أوائل الثمانينات وصل “رومان” إلى القاهرة التي جمعته برفيق مشواره الفني الفنان “محمد منير” وبدأ التعاون بينهما على الفور، والذي كان من شأنه التأثير بشكل واضح على مسار موسيقى البوب المصرية، وإضفاء لمسة من التطور عليها.. وكان من أبدع ما قدم مع “منير” موسيقى ألبوم الأرض السلام الذي تضمّن الأنشودة الرائعة “مدد يا رسول الله”.
ومن القاهرة انطلق الفنان الألماني لاكتشاف عوالم الموسيقى في الشرق.. من خلال عدد كبير من الحفلات الفنية التي شارك فيها في مختلف عواصم الفن في العالم العربي، من دمشق وحلب إلى بيروت وصنعاء، إلى تونس وكازا..
ألّف “رومان بونكا” موسيقى فيلم “العود” وكذلك الإخراج الموسيقي للفيلم.. وكان لقاؤه بالموسيقي المصري العظيم وعازف الكمان الأشهر “عبده داغر” من أهم المحطات الفنية في حياته؛ فقد آل “بونكا” على نفسه تقديم أعمال هذا الملحن والموسيقي الكبير إلى العالم الغربي، بعد أن درس على يديه، وصاحبه في جولة فنية شملت عددا من المدن الأوروبية.
كما ألّف “بونكا” وأنتج موسيقى عدة أفلام في أوروبا لمخرجين مشهورين منهم: “هاينر ستادلر” و”فريدر شلايش” و”فريتز باومان” و”ماريا كنيلي” و”جوزيف رودل” و”هربرت برودل” و”ماتي باور” و”فيرنر بينزل” و”دوريس دوري”.. كما ألّف موسيقى العديد من المسرحيات الإذاعية.
نال الموسيقى الألماني الراحل عدة جوائز منها جائزة عن مشروعه “Color Me Cairo” الذي شارك فيه عازف البيانو المصري “فتحي سلامة” والأمريكي عازف موسيقى الجاز “تفضل ملاخي” من “فرقة شيكاغو الفنية” بمناسبة الاحتفال بالألفية الجديدة، كما شارك مع “مال والدرون” و”جين لي” في صنع المالتي ميديا لـ Grace Yoon والمسرحية الإذاعية الحية “وهم النهاية”.
في عام 2013، تعاون مع المخرج السينمائي “جانيك روميرو” في الفيلم الوثائقي الطويل “مدينة الأصوات” وهي رحلة موسيقية لبونكا عبر القاهرة.. وفي عام 2014، كرمته مدينته ميونيخ بجائزة Schwabing Art”” وفي عام 2015، اختير من قبل أكبر مهرجان للموسيقى الأفريقية في أوروبا في Würzburg لجائزة مهرجان إفريقيا.
قيل عنه “هناك بين أصابعه تلتقي موازين ومقاييس الصوفي العربي بالسهولة المذهلة مع موسيقى البلوز.. “رومان بونكا” هو الوسيط ومركز اندماج الموسيقى العالمية، أطلق عليه اسم النجاح، الفرح أو المدينة الفاضلة إذا كنت تريد أن تصفه!”.
وقد أبرزت مواقع التواصل الاجتماعي أمس خبر رحيل الموسيقي الألماني؛ من خلال عدد كبير من صفحات “المنيريان” (عشاق منير) الذي ارتبط المشوار الفني للفنان الراحل به، كما تحدّث آخرون ممن اقتربوا كثيرا من “بونكا” عن تواضعه وخصاله الطيبة وروحه الودود وعشقه لمصر وشعبها، وارتباطه الشديد بالتراث الموسيقي الشرقي والعربي والمصري بشكل خاص.. ما جعل الكثيرين يغمرون الفقيد بالدعوات الصالحات بالرحمة والمغفرة، بينما اكتفى فريق آخر بقولهم: ارقد بسلام يا “بونكا”.