بقلم: جدعون ليفي – محلل سياسي، نقلًا عن هآرتس
تخيلوا للحظة أن إحدى صحافيات قناة التلفزة الإسرائيلية 12 قررت مغادرة مكانها المريح من أجل تغطية أحداث مرتبطة بالاحتلال، وخلال ذلك تجد نفسها في منطقة تبادُل إطلاق النار وتصاب برصاصة في عنقها، بين الخوذة والسترة الواقية، وتلقى مصرعها. فما الذي يحدث حينها؟
خلال فترة قصيرة جدا تقوم إسرائيل بالقبض على “الخلية” الفلسطينية. ولن يكون مهما بالنسبة إلى إسرائيل مَن أطلق النار عليها، وستتم تصفية كل أعضاء الخلية، أو الحكم عليهم بالسجن المؤبد.
وبالتأكيد، لن يفكّر أحد في إجراء أي تحقيق. كما أن الولايات المتحدة لن تتدخل. فمن الواضح للجميع مَن قتل الصحافية الإسرائيلية. وستكتفي واشنطن بإدانة الفلسطينيين والمشاركة في أحزان الشعب في إسرائيل، وربما تقوم بفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية بسبب مقتل الصحافية.
سيكون واضحا للجميع أيضا أن الصحافية الإسرائيلية قُتلت لأنها يهودية، ولأنها صحافية. وسيتم تأكيد أن قاتليها تعمّدوا قتلها. وكل ولد في إسرائيل يفهم ذلك.
غير أن شيرين أبو عاقلة كانت مراسلة حربية فلسطينية، وهي شجاعة وذات إصرار أكبر من أي صحافية إسرائيلية، بل وأكثر منهن جميعا، وقُتلت في جنين. وقد تنصلت إسرائيل من أي مسئولية عن قتلها، كعادتها في مثل هذه الحالات. وعلى الرغم من أن كل التحقيقات التي أجريت حتى الآن توصلت إلى نتيجة واحدة، فحواها أن الجيش الإسرائيلي هو مَن أطلق النار عليها، فإن إسرائيل ما زالت تنكر هذه الحقيقة وتحاول طمسها.
وعندها جاءت عملية فحص الرصاصة، والتي جرت بحضور ضابط أميركي. وكانت النتيجة أن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت أنه لا يمكن الإقرار بشكل أكيد من قتل أبو عاقلة، لكن يمكن الافتراض بأن النار أُطلقت من جهة الجيش الإسرائيلي. وكان فحوى القرار الحاسم: “لا يوجد سبب للاعتقاد بأن إطلاق النار كان متعمدا، وإنما حدث نتيجة ظروف مأساوية”.
إن الرصاصة المتشظية التي أُخرجت من رأس أبو عاقلة همست في أذن الولايات المتحدة أن مَن أطلق النار لم يفعل ذلك عمدا. وبناءً على ذلك، يمكن القول إن عملية الفحص التي جرت تعمدت مسبقا تحديد النيات، وليس عملية القتل ذاتها.
لا أعتقد أن هناك تجنُّدا غير مهني لمصلحة الدعاية الإسرائيلية قامت به الولايات المتحدة أكثر من تجنُّدها هذا. وما يتبين الآن هو أنه عندما تصل الأمور إلى أميركا فإنها جاهزة لأن تفعل أي شيء كي تدافع عن ربيبتها [إسرائيل].
إن ما تقوله أميركا لإسرائيل في هذه الحادثة هو ما يلي: “استمري في قتل الصحافيين. من جهتنا، سنمرّ على ذلك مرور الكرام. ودائما سنقول إنكم لم تقصدوا ذلك عمدا، وإن ظروفا مأساوية تسببت بمقتل أبو عاقلة، وليس جنود “دوفدفان”، وحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي”.
يبدو أيضا أن الأميركيين لا يشاهدون قناة التلفزة الأميركية “سي. إن. إن” التي أظهر تحقيقها أن جذع الشجرة خلف المكان الذي قُتلت فيه أبو عاقلة أصيب بـ3 أو 4 رصاصات أُطلقت على حدة، وليس كصَلية. فهل يدل ذلك أيضا على أنه لم يكن هناك نية لقتل الصحافية التي حاولت البحث عن مخبأ تحت الشجرة؟
يبدو أن الهدف الكامن وراء هذا المسلك الأميركي– هو جعل الزيارة المرتقبة لجو بايدن تتسّم بقدر من الراحة واللياقة.
وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا بد من القول إنه مع موت أبو عاقلة ماتت بقايا الثقة بأن تعرف الولايات المتحدة قول الحقيقة بشأن حليفتها.
وبفضل الولايات المتحدة، سيكون في وسع إسرائيل الادعاء أنها لن تعرف قط مَن قتل شيرين أبو عاقلة. لكن يبدو أننا نعرف جيدا مَن قتلها، وهو يتجوّل بيننا بحُرية الآن.