العادات والتقاليد هنا؛ مازالت لها الكلمة العليا.. رغم التطورات الكثيرة التي شهدتها قرى مصر خلال السنوات الماضية، والتي انعكست بشكل واضح على الملبس وطريقة الكلام، في ظِلِّ نزوعٍ كبيرٍ للكثير من أهالي القرى لأن يعيشوا في جنبات المدن التي فتن الريفيون والصعايدة بأضوائها منذ وطأتها أقدامهم أول مرة.
ساعات قليلة يقضيها المرء هنا، كفيلة بأن يكتشف خلالها أن قانون القرية؛ وإن أرخى قبضته كثيرا، إلا أن كلمته مازالت هي العليا، على كل المقيمين في الجوار؛ خاصة في المناسبات ذات الطابع الاجتماعي، حيث تبقى سطوة العادات والتقاليد أقوى من أي شيء آخر، وعلى كل الوافدين من الخارج في مثل هذا التوقيت من كل عام؛ أن يتركوا كل شيء خارج أسوار القرية، وأن يذوبوا بين أهلها ويحتكموا للقانون العام؛ حتى لا يطلق عليهم وصف “الأغراب” وهى كلمة كالتفاصيل التي يتخفى الشيطان في وسطها.
شلشلمون مركز منيا القمح واحدة من مئات القرى التي تتكون منها مراكز محافظة الشرقية، لكل عائلة هنا دوار يطلق عليه مسمى “مضيفة” تابعة لعائلة أو أكثر من عائلات القرية، اعتاد الناس هنا أن يتذكروا موتاهم في يوم العيد، حيث يجلس أفراد كل عائلة لاستقبال القادمين من العائلات الأخرى؛ لتقديم التهنئة بالعيد. وفى كل مرة تكون هذه الجلسة؛ لتذكر شخص معين رحل عن العالم خلال العام.
الحاج عربي كبير واحدة من عائلات القرية يقول لـ “أصوات أون لاين”: ورثنا هذه العادة عن أجدادنا، ومازالت مستمرة حتى اليوم، وسوف نقوم بتوريثها لأبنائنا؛ فهي تحمل قدرا من الوفاء للراحلين في الأعياد، كما أنها تعتبر نوعا من مشاطرة الأحزان، والمواساة لتلك الأسر، في مثل هذا اليوم.
ويضيف: تربينا داخل العائلة منذ الصغر على أن نشارك بعضنا البعض لحظات الحزن والفرح، وحتى في أيام الحصاد كان أبناء العائلة الواحدة يجمعون المحصول الخاص بهم؛ خاصة إذا كان قمح أو قطن في قطعة أرض فضاء، كانوا يخصصونها لهذا الغرض وكان يطلق عليها مسمى”الجرن”.
يتجمع أهل كل عائلة من عائلات القرية في مسجد أو أكثر، بالقرب من المنازل الخاصة بهم، وبعد الانتهاء من صلاة العيد؛ يصطف أفراد كل أسرة أو عائلة متجاورين أمام المسجد انتظارا لخروج الإمام الذي يقوم بمصافحة كل فرد منهم على حدا، بعد ذلك تتبادل الأسر والعائلات المختلفة السلام والمصافحة، ثم يسيرون في صفوف طويلة، يتقدمها كبير العائلة وكبار السن يليهم الشباب وفي نهاية الصف يسير الصبيان.
محمد فاضل، كيمائي وأحد أبناء القرية يقول لـ”أصوات أون لاين” لا تخلو بالطبع مواكب العيد من نزعات التفاخر بين العائلات، فالعائلات الكبيرة العدد تراها تسير في طوابير طويلة تمتد لعدة أمتار، في ظلِ حرص كبير العائلة، على أن يحيط نفسه بمن يشغلون مراكز مرموقة من أبناء العائلة، والذين لا يزورون القرية إلا في مثل هذه المناسبات، وفي الوقت نفسه فإن أفراد عائلات أخرى، يسيرون جنبا إلى جنب بينما لا يكاد عددهم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
ليس الغرض من هذا الأمر هو التفاخر، كما يمكن أن يتخيل البعض، وإنما هو إظهار الترابط والتماسك بين أفراد العائلة الواحدة، هذا ما يؤكده الحاج عبد العظيم كبير إحدى عائلات القرية ويضيف: نحن هنا أهلٌ في نهاية الأمر، ويعرف كل منا الآخر؛ ولكن يجب الاعتراف أن الله خلق الناس أقوياء وضعفاء وفقراء وأغنياء، وكذلك هناك عائلات كبيرة وأخرى صغيرة، وهذا أمر من الطبيعي أن يظهر في الأفراح والمآتم والأعياد.. وغيرها من المناسبات الاجتماعية.
ذبح الأضحية، إحدى المناسبات التي تجمع بين أفراد العائلات والأسر المختلفة في القرية، ويبدأ الذبح من بيت كبير العائلة، الذي يقيم وليمة غداء من لحم الأضحية لرموز وأعيان العائلة، ومازال غمس الأيدي في الأضحية وطبعها على جدران المنازل، إحدى العادات التي يحافظ أهلها القرى عليها ويعتقدون أنها تمنحهم بركة الأضحية.
وبمجموعة من الأغاني الشعبية يقوم الناس هنا بتوديع واستقبال الحجاج الذين يتم تزيين منازلهم برسوم الكعبة والآيات القرآنية والأدعية؛ انتظارا لعودتهم من الأراضي المقدسة، بعد أداء الفريضة.. وهى العادات التي تضرب بجذورها في تاريخ القرية.