الفنان اللبناني مارسيل خليفة (مواليد عام 1950)، يمكن إدراجه في “طبقات الفنانين” من بين كبار مطربي العالم العربي، وفي لبنان، فهو كتف بكتف، مع الست ماجدة الرومي.
لفت انتباهي تلحينه وغناؤه، قصيدة لـ” سميح القاسم” بعنوان “منتصب القامة أمشي”.
القصيدة لا تخلو من “لغط عَرُوضِي” يغلب عليها إيقاع “الخبب”، ويعتبره العروضيون “إيقاعا” وليس “بحرا”، لخلوه من “الأوتاد ـ حركتان فسكون //* “.
مطلع القصيدة يثير حاجة في نفس العارف ببعض بحور الشعر، فهو ليس على سُنة الشائع من “خبب”: سببان (ثقيل وخفيف متكافئان فَعْلُن /*/* ـ فَعِلُنْ ///*). ولذا يقتضي التنبيه أن مطلع القصيدة (منتصب القامة )على “فَاْعِلُ فَعْلُنْ” كتفعيلة واحد.. وهو أيضا خبب.
المهم.. أنه سُمِّيَ بهذا الاسم “الخبب” لأنه يشبه إيقاع ركض الخيل.. ومن هنا تأتي عبقرية الفنان مارسيل خليفة.. حيث كتب لها نوتة موسيقية على مقام “يكاه” ـ قليل الاستخدام ـ وهو من عائلة “الرست”.. صنع منه “خليفة”، ضفيرة إيقاعية تتطابق مع “ركض/ خبب الخيل” .. وهي واحدة من النماذج شديدة البراعة أن تتعادل سلطتا “النص/البحر” و” اللحن/المقام” في آن واحد.
هذه المدرسة.. عكس مدرسة السنباطي التي تميل إلى “ديكتاتورية” اللحن وتسلّطه على النص “القصيدة”، في عملية مخاض شاقة، تنتهي بمولود إبداعي يحمل كل جينات التعالي والخلود.
على سبيل المثال كان ذلك حاضرا وبقوة مع “الأطلال” التي كتبها إبراهيم ناجي، وغنتها أم كلثوم عام 1965.
القصيدة مكتوبة على بحر “الرمل”:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلا.. فاعلاتن فاعلاتن فاعلا
بـ”اكسسواراته” التي يتقنها الشعراء والعروضيون.
وهو البحر الذي ـ على خلاف كل الشعراءـ كان يعشقه ناجي – رحمه الله- وسُمى كذلك للتشابه بين “نطقه” و”الهرولة”: وهي فوق المشي ودون العدو.
كتب له السنباطي نوتة موسيقية على أكثر من مقام (الهزام، صولو من مقام الرست، الصبا والكرد النوا ) على النحو الذي يُرغم “البحر/الرمل ـ وهرولته” على أن ينزل عند مقتضيات أجواء ووقار “الشجن والحزن” الذى اكتست به غالبية أبيات القصيدة.
رحم الله السنباطي.. وأطال في عمر الفنان العربي الكبير الأستاذ مارسيل خليفة.